“الملحد” يثير الجدل في مصر ومنتج الفيلم يؤكد عرضه بنهاية الشهر الجاري

أثار تأجيل عرض فيلم “الملحد” موجة من الجدل في مصر، إذ كان من المقرر أن ينطلق في دور العرض، الأربعاء 14 أغسطس/آب، لكن قرار التأجيل المفاجئ قبل ساعات من عرضه فتح الباب أمام العديد من التساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء القرار، وما إذا كان يعكس ضغوطًا لمنع الفيلم من العرض نهائيًا.

هذا الجدل لم يكن وليد اللحظة؛ فمنذ طرح الإعلان الدعائي قبل أسبوعين وانتشار الحملة الإعلانية في شوارع مصر، اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي بردود فعل قوية، حيث شنّ البعض هجومًا على الفيلم، معتبرين أنه يروّج لأفكار تتعارض مع الدين ويشجع على الإلحاد. وزاد من حدة الجدل اسم الفيلم وكاتبه إبراهيم عيسى، الذي لطالما أثارت تصريحاته حول قضايا دينية مختلفة، جدلا واسعا.

https://www.youtube.com/watch?v=_d7AA48sfzg

هذا العمل السينمائي الذي يجمع نخبة من الممثلين مثل أحمد حاتم، محمود حميدة، حسين فهمي، شيرين رضا، يحمل توقيع الكاتب إبراهيم عيسى في تأليفه، بينما يتولى إخراجه محمد العدل، وإنتاجه أحمد السبكي، كان قد تأجل لعدة سنوات، ليأتي الإعلان عن تأجيل عرضه مرة أخرى قبل وصوله إلى دور العرض بمثابة مفاجأة للجميع، ما أثار تكهنات واسعة حول ارتباط هذا القرار بالأزمات المحتدمة حول الفيلم، خاصة وأنه يتناول موضوعًا حساسًا مجتمعيًا.

الفيلم يتناول في إطار درامي قضية التطرف الديني والإلحاد، من خلال قصة الشاب يحيى، الذي يجسد دوره أحمد حاتم، حيث يقرر الإلحاد بعد تمرده على أفكار والده الدينية الذي يؤدي دوره محمود حميدة الذي يظهر بصورة رجل ملتحٍ، ما يفتح الباب لصدام حاد بين الأب وابنه. وتم تصنيف الفيلم على أنه للكبار فقط، ويُسمح لمن هم فوق الـ16 فقط بمشاهدته.

تأجيل أم منع؟

وقبل موعد العرض المقرر بيومين، نشر كاتب العمل إبراهيم عيسى تغريدة على منصة “إكس” أشار خلالها إلى أعمال تم منعها سابقا، وقال في تدوينة لاحقة إن الفن أقوى من المنع، وهو ما فسرها البعض بأنها تشير إلى وقف عرض الفيلم.

https://twitter.com/Ibrahim_3eissa/status/1822595059977453790

كما نشر مخرج الفيلم محمد جمال العدل عبر حسابه على موقع “فيسبوك” قائلاً إن المنع ليس حلا، مشددا على أن الفكر يُواجه بالفكر، وهو التعليق الذي أثار جدلاً واسعًا وأكد التكهنات بوقف عرضه.

واستاء بعض المستخدمين، من التكهنات حول وقف عرض الفيلم داعين لترك المساحة لحرية الفكر والتعبير.

https://twitter.com/hisham___farid/status/1822974653570130043

https://twitter.com/Bisaol/status/1823672373138120970

ورغم تأكيد صناع فيلم “الملحد” على أن العمل لا يهدف إلى الترويج للإلحاد، بل يسعى لفتح باب النقاش والتعمق في أسبابه وطرق التعامل معه، إلا أن ذلك لم يمنع انتشار دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي لمقاطعته، حيث نشرت بعض الحسابات على منصة “أكس” دعوات صريحة للمقاطعة، رفضا لمواقف وأفكار المؤلف السابقة.

هذه الدعوات جاءت لتزيد من حدة النقاش حول الفيلم، وتؤكد مدى الانقسام حول الرسائل التي يحملها العمل الفني حتى قبل عرضه.

https://twitter.com/mmwdrjb20705396/status/1817310968801620396

العرض بنهاية الشهر الجاري

وصرح منتج العمل أحمد السبكي لـ”بي بي سي” أن الفيلم لم يُمنع من العرض، وأكد أن الفيلم سيتم عرضه بنهاية الشهر الجاري. وأضاف: “مصر بلد مستنير، ولم يتدخل أي طرف أو جهة لمنع عرض الفيلم، والتأجيل سببه الانتهاء من بعض أعمال المكساج الخاصة بالصوت”. كما أشار إلى أن الفيلم حصل على التصريح الرقابي للعرض. وبسؤاله عما نشره مخرج الفيلم على صفحته على “فيسبوك”، والذي فسره الكثيرون بأنه يقصد منع الفيلم، قال السبكي إنه تواصل مع كافة صناع العمل لتوضيح حقيقة الأمر.

ونشر بعدها مخرج العمل محمد العدل منشوراً علي منصة “فيسبوك” يعتذر فيه لكل أصدقائه الذين دعاهم للعرض الخاص للفيلم. وأكد أن “الفيلم جاهز للعرض وانتهت جميع مراحله من مونتاج ومكساج وتصحيح ألوان” وأن الرقابة أصدرت تصريحاً بعرض الفيلم بعد شهور من المشاهدات وتصوير مشهد إضافي، مما زاد من الكلفة الإنتاجية علي منتج العمل الذي تحمل تكلفة الدعاية للفيلم ثم إزالتها بعد التأجيل.

ونشر العدل صورة الترخيص وإجازة الرقابة وأوضح أن هناك تعليقاً من الرقابة كُتب علي الورقة الأخيرة من السيناريو يشير إلي أن “الفيلم لا يشوه الدين الإسلامي قط، بل يكشف الحجاب عن بعض الذين يفسرون الإسلام علي أهوائهم”.

أزمات متعددة: دعوات للمقاطعة ودعاوى قضائية

واجه الفيلم أزمات متعددة منذ بداية العمل عليه وأثار جدلًا واسعًا بين حملات المقاطعة والشكاوى التي تطالب بمنع عرضه وصولا إلى الدعاوى في أروقة القضاء.

لطالما ارتبط اسم الكاتب إبراهيم عيسى بإثارة الجدل، سواء من خلال أعماله الفنية أو آرائه في القضايا الخلافية. وأشار المنتج أحمد السبكي في تصريحات سابقة لوسائل إعلام محلية إلى أن اسم “عيسى” وحده قد يكون كافيًا لإشعال الهجوم على الفيلم حتى قبل طرحه. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتعاون فيها عيسى مع المخرج محمد العدل والمنتج أحمد السبكي؛ فقد اجتمع الثلاثي سابقًا في فيلم “صاحب المقام”، الذي واجه بدوره عاصفة من الانتقادات بسبب الأفكار التي طرحها عيسى.

كما أثار وجود إبراهيم عيسى كأحد الأعضاء المؤسسين لمركز “تكوين” استياء البعض، حيث ارتبط تدشين المركز بإثارة جدل واسع في مصر بسبب مواقف أعضائه الجدلية السابقة، ويدعو أعضاء المركز إلى تعزيز الفكر الحر والتفكير النقدي في القضايا الدينية والفكرية، ما جعل دوره مادةً خصبة للانتقادات والتساؤلات حول تأثيره في المشهد الثقافي والفكري بالبلاد.

وسبق للفنان الراحل مصطفى درويش أن انسحب من المشاركة في فيلم “الملحد”، وذلك بالتزامن مع الجدل الذي أثارته تصريحات الكاتب إبراهيم عيسى حول الإسراء والمعراج عام 2022 والتي قال فيها “إنها قصة وهمية”.

وأشار البعض إلى أن اسم الفيلم “الملحد” يمثل أحد أهم الأسباب وراء هذه الأزمة وحملات المقاطعة التي يتعرض لها دون مشاهدته وقبل عرضه.

وما زاد الأزمات التي تلاحق الفيلم الإعلان عن رفع دعوى ضد المنتج أحمد السبكي من قبل المخرج نادر سيف الدين، مؤلف ومخرج فيلم آخر بعنوان “الملحد” تم تقديمه عام 2014 بنفس الاسم، بالإضافة لتقديم شكوي للرقابة على المصنفات الفنية بوزارة الثقافة وشكوي لنقابة المهن السينمائية.

وعما أُثير بخصوص التقدم بدعاوى قضائية مختلفة لوقف عرض الفيلم، صرح المنتج أحمد السبكي لـ”بي بي سي” أن الفيلم نفسه لم يعرض بعد حتى يُطالب أحد بوقف عرضه، وأنه لم يتلقَ أي إشعارات رسمية بوجود قضايا على الفيلم. وبخصوص عرض الفيلم على الأزهر، قال إنه كمنتج ليس جهة مختصة بعرض الفيلم على الأزهر الشريف ولم يقدم على هذه الخطوة.

الحكم بعد المشاهدة

في المقابل، ناشد صناع فيلم “الملحد” الجمهور بالتروي وعدم إطلاق الأحكام المسبقة قبل مشاهدة العمل. وفي مقابلة تلفزيونية، وصفت الفنانة شيرين رضا الهجوم على الفيلم بأنه مفتعل، ودعت الجمهور إلى الانتظار حتى يتمكنوا من تقييم الفيلم بأنفسهم. وأوضحت أن الفيلم لا يهدف إلى الترويج للإلحاد، بل يسعى لفتح آفاق جديدة من الحوار وعرض أفكار مختلفة، وليس لفرض أي قناعات.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.