لماذا نشعر بالمرض طوال الوقت هذا الصيف؟

امرأة معتلة

Getty Images

هل سمعت عزيزي القارئ في الآونة الأخيرة عن إصابات مرضية بين أفراد المحيط الذي تعيش فيه بوتيرة أعلى من ذي قبل؟ هل سمعت أن البعض يخفّ من نزلة برد ليصاب سريعا بأخرى، متقلباً بين هذه العدوى وتلك؟

“الحقيقة أننا نفتقر إلى بيانات، ولا نعتمد إلا على الحكايات” بحسب جوناثان بول الأستاذ في مدرسة ليفربول لطب المناطق الحارة.

ولكن ما حقيقة الأمر؟

موجة صيفية من كوفيد

نحن إزاء موجة صيفية من كوفيد، فإذا كنت مصابا بالسعال أو بالحُمى، فقد يكون فيروس كورونا هو السبب.

ولا يوجد الآن جمْع بيانات بخصوص تفشّي الفيروس كما كان يحدث عندما كان الوباء في ذروته، لكن موجة صيفية من كوفيد بدأت تتعاظم منذ شهر مايو/أيار.

“أعرف أن كثيرين جدا أصيبوا مؤخرا بكوفيد”، يقول بيتر أوبنشو، الأستاذ بالكلية الإمبريالية للعلوم والتكنولوجيا والطب في لندن.

وسُجّل نحو ثلاثة آلاف إصابة بكوفيد في مستشفى – وهذا يناهز ضعف العدد المسجّل في أوائل أبريل/نيسان، ما يدل على أننا إزاء موجة جديدة من الإصابات بكوفيد.

يقول أوبنشو: “ثمة زيادة كبيرة جدا في أعداد المصابين، كوفيد لم يتحول بعد إلى فيروس شتوي، ويمكننا أن نقول ذلك بثقة”.

ويبدو أن هذا كله يقوده المتحوّر الجديد “فليرت” الذي وجد حاضنة في تجمّعات مشجّعي كرة القدم.

ولا يزال الفيروس قادرا على إحداث عدوى مثيرة للقلق. وفي ظل عدم اتخاذ تدابير طارئة، يتعين إعطاء جرعتين من اللقاح سنوياً للأشخاص الأكثر عرضة للإصابة.

والبعض يتوقع أن تزداد أعراض عدوى الجهاز التنفسي – السعال ونزلات البرد- في شهور الشتاء.

فالجو البارد، وقضاء مزيد من الوقت داخل المباني وإبقاء النوافذ مغلقة، هي عوامل توفّر حاضنة للفيروسات التي تصيب الجهاز التنفسي في شهور الشتاء.

ويرى باحثون أن الفيروسات كسرت هذا النمط المعتاد؛ لدرجة أن الفيروس المسؤول عن الأنفلونزا أصبح يختفي أو يكاد في فصل الشتاء.

يقول البروفيسور جوناثان بول: “يبدو أن الفيروسات لم تعد تعبأ بالفصول، لا سيما الفيروسات المسببة لنزلات البرد، والتي أصبحت تتفشى في أوقات غريبة، ولا أظن أن الأمور قد استقرت بعد، وهناك فجوة أمامنا تحتاج إلى الملء”.

الفكرة أنه إذا أصيب شخص بعدوى لعدد ثابت من المرّات في سنة ما، فسيشعر كما لو كان مريضا طوال الوقت، و”على هذا النحو تطول فترة الشعور بالمرض، فيظن الشخص أنه أصبح مريضاً أكثر من ذي قبل” بحسب جوناثان بول.

شخص معتل

Getty Images

سعال ديكي

رصدنا كذلك ارتفاع معدلات الإصابة بالسعال الديكي في عام 2024.

وعادة ما يحدث التفشّي في العدوى البكتيرية كل ثلاث إلى خمس سنوات، غير أن التفشي الأخير وقع في عام 2016.

وعليه، فربما وقع التفشّي في العدوى البكتيرية بينما كان وباء كوفيد في ذروته.

وبدورها، تحذر وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة من أن “أثر الوباء يعني أن هناك تراجعا في مناعة السُكان كذلك”.

وتبدو الأعراض شبيهة بأعراض نزلات البرد – من رشَح في الأنف، واحتقان في الزور، يتطوّر بدوره إلى سُعال، قد يستمر لفترة طويلة.

ويمكن للسعال الديكي أن يصيب أي شخص، لكن أعراضه تكون خفيفة بين البالغين. إنما المشكلة تكمن في أن هؤلاء قد ينقلونه إلى الأطفال الرُضع الذين يُعتبرون أكثر عرضة للإصابة.

وسجلت الصحة البريطانية وفاة تسعة أطفال خلال العام الجاري بسبب الإصابة بالسعال الديكي.

ولهذا السبب تعود الأهمية البالغة لتطعيم الأطفال حديثي الولادة والنساء الحوامل باللقاحات المضادة للسعال الديكي.

انخفاض معدلات التطعيم باللقاحات

انخفاض معدلات التطعيم، يعني بالطبيعة ارتفاعا في أعداد المصابين بأمراض كان يمكن الوقاية منها.

على المثال، السعال الديكي: بلغت نسبة الحوامل اللائي تطعّمن باللقاح المضاد له 72.6 في المئة في مارس/آذار 2017، مقارنة بنسبة 58.9 في المئة في مارس/آذار 2024 – وهذا سرُّ ارتفاع الإصابات بالسعال الديكي بين الرُضّع في بريطانيا.

ولم يقتصر هذا التراجع على لقاح السعال الديكي، وإنما انسحب الأمر كذلك على لقاحات الحصبة وحُمى النكاف.

وتشير البيانات إلى ارتفاع أعداد الإصابات بالحصبة في برمنغهام ولندن. وكانت الأعراض المبدئية شبيهة بأعراض البرد – حمى، رشح، كحة – قبل ظهور الطفح الجلدي.

وقد دفع ذلك الخبراء إلى التحذير من أننا على وشك الوصول إلى نقطة حاسمة، حيث الأطفال يموتون أو يصابون إصابات بالغة بأمراض يمكن الوقاية منها.

الصحة العالمية تحذر من تضاعف الإصابة بالحصبة 45 مرة في أوروبا

أكثر عُرضة للإصابة بالعدوى

هناك فكرة أخرى تقول إنه حتى لو لم تتغير مواسم تفشّي الفيروسات، فنحن قد أصبحنا أكثر عُرضة للإصابة بها من ذي قبل، وذلك بسبب تراجُع صحتنا العامة جرّاء تدابير التقشف والوباء، فضلا عن أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة.

وتشير التقارير إلى نحو مليونَي إصابة بكوفيد طويل المدى، كما أن هناك ارتفاعا في أعداد المصابين بأمراض صحية طويلة الأمد، وتقول خدمة الصحة الوطنية البريطانية إن لديها قائمة انتظار طويلة جدا.

وتقول شينا كرويكشانك، الأستاذة بجامعة مانشستر، إن التوتر العصبي يؤثر سلباً على جهاز المناعة في الجسم ويتركه “أقلّ قدرة على القيام بوظيفته”، كما أن أسلوب الحياة المكتبيّ قليل الحركة، وعادات الأكل السيئة تؤثر سلباً على عملية التمثيل الغذائي في الجسم.

وتضيف البروفيسور شينا قائلة إن “كثيرين بيننا يعانون سوء التغذية ويفتقرون إلى عناصر غذائية أساسية تعتبر شديدة الأهمية للجهاز المناعي”.

وفي ظل تلك الحال، فإن فيروسات كثيرة، كانت أجسامُنا قادرة على مقاومتها بالأمس، أصبحت الآن أكثر قدرة على تهديدنا.

حُمى القشّ

إذا كنت مريضا وظهرت عليك أعراض رشّح الأنف واجتاحتك رغبة في أن تحكّ حلقك، وداهمتك نوبات من العطس، فقد يكون السبب في ذلك أن جهازك المناعي يقاوم حبوب اللقاح -المسبّب الرئيسي للحساسية الموسمية- أكثر من احتمال إصابتك بعدوى فيروسية.

لكن إذا كنت سيء الحظ بما يكفي، فستصاب بحمى القش، وهذه الإصابة لن تتركك في حال أفضل مما لو كان جهازك المناعي يقاوم حبوب اللقاح.

تقول خدمة الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة، إن التغير المناخي قادر على التأثير على حُمّى القش، عبر إطالة فترة موسم انتقال حبوب اللقاح وعبر زيادة كثافة هذه الحبوب – ما يزيد من آثارها ويطيل أمدها.

وهذا يفسر جزئياً الشعور بأن الوضع “أسوأ قليلا” خلال هذا الصيف، بحسب البروفيسور شينا كرويكشانك.

برد الصيف لم يعد شيئا جديدا

عبارة “برد الصيف” لم يكن ظهورها للمرة الأولى في 2024.

يقول البروفيسور جوناثان بول إنه إضافةً إلى ما تقدّم ذِكره من عوامل، ربما نكون أكثر عُرضة للإصابة بنوبات السُعال ونزلات البرد من ذي قبل بعد أن طوّرت الفيروسات المسببة لهذه الأمراض أجهزتها الدفاعية إبان الوباء.

ولم يكن يخطر على بال أحد في عام 2019 أنه “كوفيد” هو الذي يقف وراء سُعال زميل له، ولا كان أحد يسأل هذا السؤال: “هل أنا بحاجة إلى إجراء فحص كوفيد؟” لدى شعوره بالإجهاد قبيل توجّهه لقضاء عُطلة أو لزيارة أقاربه المُسنّين.

“بعد كوفيد، أصبح الناس أكثر وعياً ببعض الأمراض غير الخطيرة التي تصادفهم في حياتهم” بحسب البروفيسور جوناثان بول.

وأخيرا، فإن كوفيد لا يزال هو كوفيد، لكن ربما لسنا بحاجة إلى القلق أكثر مما يجب من برد الصيف الذي طالما اعتدنا عليه.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.