اللونان الأزرق والأصفر قد يضعانك في السجن بروسيا

وضعت روسيا، منذ سنوات طويلة، جملة من القوانين، لقمع كل من ينتقد الكرملين. ولكن هذه القوانين تعززت بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

وتقوض هذه التشريعات الجديدة حرية التعبير وحرية التجمع، على الرغم من أنها حقوق ينص عليها الدستور الروسي.

وتحاكي العقوبات المترتبة عن انتهاكها، من حيث طبيعتها وقسوتها، الأساليب التي كانت تستعمل في حقبة الاتحاد السوفييتي.

“نشر الأخبار الكاذبة”

والقانون الأكثر استعمالاً ضد المعارضين للحرب في أوكرانيا يتعلق بجريمة “نشر الكاذبة بشكل متعمد” عن الجيش الروسي.

وقد صادق عليه البرلمان، في عجالة، مباشرة بعد اجتياح روسيا لأوكرانيا يوم، 24 فبراير/ شباط 2022. وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن “الحاجة إليه عاجلة بسبب حرب المعلومات غير المسبوقة التي تشن على بلادنا”.

وحسب منظمة حقوق الإنسان الروسية، أو في دي، فإن أكثر من 300 شخص أدينوا وفق هذا القانون، منذ إقراره.

وعلى الرغم من أن القانون ينص على الأخبار “الكاذبة”، فإنه يستعمل ضد الأشخاص الذين يتحدثون أو ينشرون جرائم موثقة، تنفيها روسيا.

ويعد إليا ياشين من أشهر المعارضين للحرب، الذين أُدينوا وفق هذا القانون. فهو رئيس سابق لمجلس محلي في موسكو، وحكم عليه بالسجن لمدة 8 سنوات ونصف بسبب بث مباشر على يوتيوب، دعا فيه إلى التحقيق في مقتل مدنيين، في بلدة بوكا الأوكرانية.

وفي أبريل نيسان 2023، حكم على المعارض البارز، فلاديمير كارا مورزا، بالسجن 25 عاماً، بتهمة الخيانة ونشر “الأخبار الكاذبة” عن الجيش الروسي.

واستندت قضيته جزئياً إلى خطاب اتهم فيه القوات الروسية في أوكرانيا بارتكاب جرائم حرب باستخدام القنابل العنقودية في المناطق السكنية وقصف مستشفيات الولادة والمدارس.

ويستعمل القانون أيضا ضد أشخاص أقل شهرة بكثير. فقد حكم على معلمة اللغة الروسية، رايسا بولدوفا، البالغة من العمر 61 عاماً، بعقوبة عام من العمل الاجتماعي، مع وقف التنفيذ، بسبب نشرها تعليقات تنتقد فيها استهداف المدنيين في أوكرانيا، بما في ذلك مستشفى التوليد في ماريوبول.

وأمرت المحكمة بإخضاعها لفحص عن صحتها النفسية. وهو قرار يشبه ممارسات النظام السوفييتي الذي كان يلقي بالمعارضين في مستشفيات الأمراض العقلية.

“تشويه سمعة” الجيش الروسي

وهناك قانون آخر يجرم “تشويه سمعة” الجيش الروسي. ويطبق هذا القانون على عدد كبير من الأعمال، التي تفهم أنها دعم لأوكرانيا أو اعتراض على الحرب.

ومن هذه الأعمال:

  • ارتداء ألبسة باللونين الأزرق والأصفر مثل العلم الأوكراني.
  • كتابة شعارات مناوئة للحرب على الحلوى، مثلما فعلت أناستازيا تشارنيشيفا.
  • صباغة الشعر بالأزرق والأصفر أو الاستماع للموسيقى الأوكرانية.
  • رفع لافتات عليها عبارة “لا للحرب”، أو رفع مجرد ورقة بيضاء.

وتعرض قسيس في منطقة كوستورما، إلى غرامة مالية بتهمة “تشويه سمعة” القوات المسلحة الروسية، بعدما صلى من أجل السلام، وأشار إلى الوصية السادسة “لا تقتل”.

استهداف “العملاء الأجانب”

يسمح قانون “العملاء الأجانب” في روسيا بفرض قيود على المنتقدين دون إدانتهم بأي مخالفة.

ويستهدف بذلك الأشخاص أو المنظمات، التي تنتقد أو تدقق في سياسات الحكومة، إذا هي تلقت أموالاً من الخارج، ولو كانت الأموال من الأقارب، أو كانت تحت “تأثير خارجي”.

وتلصق تهمة “التأثير الخارجي” بكل وسائل التواصل العامة، مثلما كان النظام السوفييتي يصف المعارضين بأنهم “أعداء الشعب”.

ومن بين “العملاء الأجانب” في روسيا، منظمة مراقبة الانتخابات غولوس، ومركز البحوث ليفادا، ومنظمة حقوق الإنسان أو في دي، وحركة زوجات المجندين، وعدد كبير من المواقع الإخبارية المستقلة، وصحفيون، من بينهم الحائز على جائزة نوبل دميتري موراتوف.

وأخذت الكتب التي ألفها هؤلاء “العملاء الأجانب” في الاختفاء من المكتبات والمتاجر.

منظمات “غير مرغوبة” و”متطرفون”

أليكسي نافالني مع زوجته يوليا تهمس في أذنه

Reuters
توفي أليكسي نافالني في السجن بعد إدانته بالتطرف، كما أن أرملته يوليا متهمة الآن بالتطرف أيضأ

يمكن لتهمة “العملاء الأجانب” أن تجعل حياتك صعبة، ولكن الذي يصنف “غير مرغوب” فإنه يتعرض للحظر التام.

وبهذه الطريقة منعت جميع المنظمات في روسيا، من منظمة السلام الأخضر إلى مركز البحوث البريطاني تشاتام هاوس، فضلاً عن وسائل إعلام روسية بارزة.

ومنعت منظمة مكافحة الفساد، التي كان يتزعمها المعارض البارز، أليكسي نافالني، بعدما وصفت بأنها “متطرفة”. وهذه تهمة أخرى تستعمل من أجل القضاء نهائياً على أي شخص أو منظمة.

وسجن نافالني نفسه، ومات في السجن في فبراير/شباط 2024. وتقول أرملته إن الرئيس بوتين هو الذي قتله. واعتقلت السلطات العديد من المحامين المدافعين عن نافالني، بتهمة التطرف أيضاً.

التجمعات والاحتجاج

كل من يريد تنظيم مظاهرة في روسيا عليه أن يحصل على الموافقة من السلطات. وإذا كان التجمع ضد الحكومة فيستحيل الحصول على الموافقة.

ويسمح لشخص واحد بأن يتظاهر، ولكن العديد من هؤلاء منعوا بذريعة قيود كوفيد.

وتعرض أحدهم لغرامة مالية بسبب انتعاله حذاء باللونين الأصفر والأزرق، على أساس أنه خالف قوانين التظاهر. وزارت الشرطة الصحفية أنتونيدا سمولينا في بيتها بمنطقة فولوغدا، بعد شكوى ضدها لأنها نشرت صوراً لها على الانترنت وهي ترتدي معطفاً أصفر اللون تحت سماء زرقاء.

ومن بين الأعمال الممنوعة قانوناً في روسيا “الإساءة” إلى السلطات والدعوة إلى فرض عقوبات على البلاد.

القوانين لإضفاء الشرعية على القمع

وتعتقد ناتاليا بريلوتسكايا من منظمة العدل الدولية، إن الكرملين يستعمل القوانين لإضفاء الشرعية على القمع، باستغلال العبارات الغامضة في القوانين الروسية.

وقالت بريلوتسكايا لبي بي سي : “الغموض يسمح لأجهزة تنفيذ القانون باعتبار أي نشاط ممنوعاً، أو يسهل عليها ذلك”.

ويرى دميتري أنيسيموف، المتحدث باسم منظمة حقوق الإنسان، أو في دي، أن القوانين مهمة بالنسبة للكرملين، بسبب طريقة عمل أجهزة الأمن في روسيا.

ويضيف أن “أجهزة الأمن بيروقراطية وبحاجة إلى معايير قانونية للتحرك”. وعليه فإن التشريعات صممت من أجل أن تسهل عليها عملية التنفيذ.

وتقول بريلوتسكايا إن هذا يخلق جواً عاما من القمع، تعتقد أن الرئيس بوتين يتحمل مسؤوليته.

فطموحات شخص واحد، على حد تعبيرها، وضعت روسيا على حافة الهاوية.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.