إلغاء تصنيف الجامعة العربية لحزب الله بالإرهابي بين “تصحيح خطأ” و “سد الذرائع” أمام إسرائيل

مقاتلو حزب الله خلال تشييع جنازة وهبي محمد إبراهيم في قرية كفركلا في جنوب لبنان في 20 يونيو/حزيران 2024

Getty Images
مقاتلو حزب الله خلال تشييع جنازة وهبي محمد إبراهيم في قرية كفركلا في جنوب لبنان في 20 يونيو/حزيران 2024

قال السفير حسام زكي الأمين العام المساعد لجامعة الدول، إن تصريحاته حول عدول الجامعة عن وصف حزب الله بأنه منظمة إرهابية، “فُسرت في غير سياقها الصحيح”.

وأوضح في تصريح صحفي نقله موقع صحيفة الأهرام المصرية، أن “هذا لا يعني بأي حال زوال التحفظات والاعتراضات العديدة علي سلوك وسياسات وأفعال ومواقف حزب الله، ليس فقط داخلياً وإنما إقليمياً ايضاً”.

وأشار السفير زكي في حديثه إلى قرار الجامعة العربية الخاص بصيانة الأمن القومي العربي ومكافحة الإرهاب، فيما عدته بعض الصحف تراجعاً عن تصريحاته السابقة، الأمر الذي رفض زكي التعليق عليه، مؤكداً لبي بي سي أنه “يكتفي” بالتصريح الأخير.

وتنص الفقرة التي أشار إليها الأمين العام المساعد على “الامتناع عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم الصريح أو الضمني إلى الكيانات أو الأشخاص الضالعين في الأعمال الإرهابية، بما في ذلك إلى أي ميليشيات أو مجموعات مسلحة غير نظامية” واصفاً ذلك بأنه “قرار معتمد بإجماع الدول الأعضاء”.

جاء ذلك في تصريح صحفي سابق للسفير حسام زكي، لقناة القاهرة الإخبارية المصرية، وذلك عقب زيارته العاصمة اللبنانية بيروت، أوضح خلاله أن هناك توافقاً بين أعضاء الجامعة على عدم استخدام صيغة “إرهابي” في وصف حزب الله حالياً، بعد أن كانت مستخدمة في قرارات الجامعة لثماني سنوات.

وقال زكي في تصريحه السابق إن إلغاء تصنيف حزب الله “فتح الطريق أمامنا للتواصل باعتبار أن هذه التسمية لم تعد موجودة”، بعد قطع التواصل مع حزب الله، مؤكداً أن الجامعة العربية لا تملك قوائم إرهابية رسمية بالمعنى المُتعارف عليه.

“لم يكن هناك قرار أصلاً”

من اليمين رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، والشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله، والأمين العام لجامعة الدول العربية آنذاك عمرو موسى، والحاج حسين خليل المعاون السياسي لزعيم حزب الله، في الضاحية الجنوبية لبيروت في 15 مايو/أيار 2008

Getty Images
صورة أرشيفية لاجتماع عقد في الضاحية الجنوبية لبيروت في منتصف مايو 2008 (من اليمين رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، والشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله، والأمين العام لجامعة الدول العربية آنذاك عمرو موسى، والحاج حسين خليل المعاون السياسي لزعيم حزب الله)

في مارس/أذار عام 2016، صنف وزراء الداخلية العرب ومجلس التعاون الخليجي حزب الله منظمة إرهابية، متهمين الجماعة اللبنانية بزعزعة الاستقرار في المنطقة، في خطوة تحفظ عليها لبنان والعراق.

وقال محمد بن مبارك سيار، وكيل وزارة الخارجية البحرينية، الذي كانت تترأس بلاده دورة الجامعة العربية في ذلك الوقت: “يوجد عندنا قرار صادر من مجلس الجامعة يتضمن تسمية حزب الله إرهابي… مع تحفظ لبنان والعراق وملاحظة من الجزائر”.

ما تبعات تصنيف الجامعة العربية لحزب الله كمنظمة “إرهابية”؟

قصة الحظر الذي يتعرض له حزب الله في مختلف أنحاء العالم

ومع ذلك، أكد السفير حسام زكي أنه “لم يكن هناك قرار أصلاً” يحمل رقماً معيناً أو صيغة معينة ضمن قرارات الجامعة العربية” بشكل قانوني كما هو معتاد في القرارات الرسمية للجامعة.

وفي حديث خاص لبي بي سي، قال زكي إن الوصف جاء “في إطار قرار بشأن التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية”، مضيفاً أن ذلك حدث “بدون أن يكون هناك قرار أو تصنيف أو قائمة منظمات إرهابية”.

وأضاف أنه “حينما كان يشار [في القرار الخاص بالتدخلات الإيرانية] إلى حزب الله، كان يُقرن حزب الله بمسمى الإرهابي”، مضيفاً أن ذلك كان “سائداً” منذ عام 2016 وحتى عام 2023.

وأوضح الأمين العام المساعد للجامعة العربية أنه خلال القمة العربية الثانية والثلاثين التي عقدت في السعودية في عام 2023 والتي عرفت بقمة جدة، “حدثت تغييرات في قرار إيران عقب الاتفاق السعودي الإيراني، وبالتالي جرى عدد من التعديلات، من بينها عدم الإشارة إلى حزب الله بالإرهابي”.

وأشار السفير حسام زكي إلى أن “القرار الخاص بإيران لم يعد قائماً بعد حل اللجنة، نتيجة تطورات إقليمية عديدة” وذلك في قمة البحرين التي عقدت في مايو/أيار الماضي.

لبنانيون يلوحون بأعلام حزب الله وإيران خلال مشاهدة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية لبيروت في 24 مايو/أيار 2024، بعد مصرع الرئيس الإيراني رئيسي في حادث تحطم مروحية.

Getty Images
لبنانيون يلوحون بأعلام حزب الله وإيران خلال متابعة كلمة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية لبيروت في 24 مايو/أيار 2024، بعد مصرع الرئيس الإيراني رئيسي في حادث تحطم مروحية.

وأكد أحمد أبوالغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية أن التكليف الصادر للأمين العام المساعد السفير حسام زكي بزيارة لبنان موفداً شخصياً من جانبه للتواصل مع القوي السياسية اللبنانية كافة “هو تنفيذ لقرارات مجلس الجامعة بشأن التضامن مع لبنان وتكليفها للأمين العام في هذا الخصوص”.

تأتي الخطوة العربية في ضوء التطورات الإقليمية والمخاوف من توسع الحرب الإسرائيلية المستمرة في غزة منذ تسعة أشهر لتشمل لبنان.

بين “تصحيح خطأ” و “سد الذرائع”

قال الدكتور مكرم خوري- مخّول، المتخصص في العلاقات الدولية والإعلام السياسي، إن جامعة الدول العربية قامت “بتصحيح خطأ” حين توقفت عن وصف حزب الله بالإرهابي.

وأضاف لبي بي سي أن الخطوة جاءت في إطار رغبة الجامعة العربية في إنهاء ما وصفها بـ”العرقبادة”، اختصاراً لـ”الإبادة العرقية” في غزة، وبالتالي “يجب خفض التصعيد على الجبهة الجنوبية في لبنان” كي لا تندلع حرب إقليمية أوسع.

في حين ترى الدكتورة ليلى نقولا، أستاذة العلاقات الدولية بالجامعة اللبنانية، أن الجامعة العربية “لا تريد أن تعطي إسرائيل أي ذريعة أو أن تأخذ بعين الاعتبار أن حزب الله مصنف إرهابياً لدى جامعة الدول العربية، فيكون لديها مبررات أو تعتقد أن لديها دعم عربي لشن هذه الحرب على لبنان”.

ومع ذلك، يرى الدكتور مكرم أن الخطوة العربية “لم تهم” حزب الله في الماضي عام 2016، ولن تؤثر على عمله في الإقليم، لكنه وصفها بأنها “عمل إيجابي” بالنسبة للتحركات السياسية العسكرية في المنطقة، كما أنها قد تساعد حزب الله في ممارسة النشاط الاقتصادي في الخليج بدون ملاحقة.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة سبق أن حظرت حزب الله في أواخر التسعينيات، “ولم يؤثر ذلك على مجريات الأمور، بل ازدادت قوة إيران رغم أنها محاصرة، وسوريا تتعافى شيئاً فشيئاً رغم الظروف الصعبة، ولبنان ما زال صامداً رغم الحصار”.

“زيادة كبيرة في رصيد المقاومة”

لبنانيات خلال تشييع جثماني المقاتلين من حزب الله، محمد حسين قاسم وعباس أحمد سرور، في قرية عيتا الشعب بجنوب لبنان، في 29 يونيو/حزيران 2024

Getty Images
لبنانيات خلال تشييع جثماني المقاتلين من حزب الله، محمد حسين قاسم وعباس أحمد سرور، في قرية عيتا الشعب بجنوب لبنان، في 29 يونيو/حزيران 2024

قال الدكتور مكرم خوري- مخّول، إن السبب الرئيسي الإقليمي وراء الوصم السابق لحزب الله بالإرهاب يرتكز بالأساس على العلاقات العربية الإيرانية، موضحاً أن موقف الأنظمة العربية، خاصة الخليجية، من حزب الله، “ينبع من تحالفات عالمية وإقليمية”.

وأضاف خوري لبي بي سي أنه على الرغم من أن حزب الله يعد حركة مقاومة لبنانية، “إلا أنه جزء من جبهة مقاومة تمتد من إيران إلى العراق إلى سوريا إلى اليمن إلى لبنان وإلى فلسطين”.

ما هو “محور المقاومة” وما علاقته بالنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط؟

وأشار الدكتور مكرم إلى أن وجود اختلاف في المواقف بين دول خليجية كالسعودية والإمارات في دعم المعارضة السورية، في مقابل حزب الله “الذي دعم النظام السوري بشكل كبير، وكان له دور في صمود الدولة السورية”.

وأوضح أن هناك “انفراجة” حالياً في العلاقات السعودية – السورية، والإماراتية – السورية، لاسيما بعد أن حضر الرئيس السوري بشار الأسد مؤتمرين للقمة العربية.

ووصفت الدكتورة ليلى نقولا، هذه الخطوة بـ”المنطقية” التي جاءت “ضمن موجات التسوية والتصالح” في المنطقة، لاسيما في ضوء التفاهم السعودي الإيراني وعودة سوريا إلى الجامعة العربية .

وأضافت لبي بي سي أنه مع انفتاح الخليج بشكل عام على حركة حماس الفلسطينية، كان من المنطقي الانفتاح على حزب الله ضمن هذا الإطار.

فيما يرى الدكتور مكرم أن “الجبهة العريضة للمقاومة” حين دعمت الشعب الفلسطيني، أدى ذلك إلى “ارتفاع كبير في رصيد المقاومة”، لدى الشعوب العربية.

وفسّر الخطوة بأن أنظمة تلك الدول لا ترغب في أن تخسر “القواعد الشعبية” التي باتت تفهم بعد تسعة أشهر الحرب في غزة، أن حزب الله “يضحي بالمئات من عناصره لمساندة فلسطين” وهو أمر “لا يمكن تجاهله” بحد وصفه.

خطوة “مريحة” للبنان

وصفت المحللة السياسية الخطوة بأنها “تريح الساحة اللبنانية، وتدفع نحو دور عربي أكبر” في لبنان، الذي كانت ساحته عرضة للكثير من التجاذبات، خاصة بعد دعم حزب الله “لليمنيين ضد السعودية”، وبعد ما وصفته نقولا بأنه “انسحاب خليجي نوعاً ما”، من لبنان أحدث “اختلالاً في التوازن”، أثر سلباً على اقتصاد لبنان.

جورج قرداحي: التوتر حول تصريحاته “عارض جديد لأزمة أعمق” في العلاقات اللبنانية السعودية

لبنان: هل انتهت الأزمة بينه وبين دول الخليج بعودة سفيري السعودية والكويت؟

في الإندبندنت: لماذا أشاحت السعودية بوجهها غاضبة عن لبنان؟

فيما وصف الدكتور مكرم زيارة الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، للبنان، بأنها “مؤشر على أن هناك هبوطاً تدريجياً في الموقف المناوئ لحزب الله من بعض الدول العربية، لاسيما الخليجية”.

وأكد على أن حزب الله “مكون أساسي من نسيج المجتمع اللبناني”، ويتمتع بتمثيل برلماني، وبالتالي “لا يُعقل” تصنيفه بالإرهابي، مستنكراً بالأساس تصنيف الجامعة العربية لحزب الله بأنه إرهابي.

وأشار المحلل السياسي إلى وجود “ضغط أمريكي” سابق على بعض الأنظمة العربية لكي تقوم “بحظر أو تهميش حزب الله أو المقاومة في القُطر العربي بشكل عام”، قبل أن تشهد الأعوام الأخيرة تحولات عدة.

جدير بالذكر أن الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، وصف القمة الثالثة والثلاثين التي عقدت العام الجاري في العاصمة البحرينية المنامة بأنها “كانت بعيدة كل البعد عن الخلافات والتجاذبات”.

وكان الوفد السعودي قد انسحب لبعض الوقت من اجتماعات الدورة 145 لوزراء خارجية الجامعة العربية عام 2016، اعتراضاً على وزير خارجية العراق آنذاك إبراهيم الجعفري، حين قال إن “الحشد الشعبي وحزب الله حافظوا على كرامة العرب، ومن يتهمهما بالإرهاب هم الإرهابيون”.

كما قال وزير الخارجية اللبناني آنذاك جبران باسيل، إن “التحفظ على وصف حزب الله بالإرهابي، جاء بسبب عدم توافق القرار مع المعاهدة العربية لمكافحة الإرهاب، ولأن حزب الله مكون لبناني أساسي”.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.