لماذا يعتبر الشراء بالجُملة “أوفر” مادياً و”أفضل” بيئياً؟

امرأة في متجر بقالة

Getty Images
حاولت الشراء بالجُملة للحدّ من مخلفات الأغلفة، فضلا عن تقليص فاتورة الشراء

للوهلة الأولى يمكن أن تبدو عملية شراء المواد الغذائية بالجُملة مهمة شاقة، لكنها رغم كل شيء مفيدة للبيئة وموفّرة للنقود.

سَمِّها لحظة يقظة، تلك التي داهمتني بينما كنت أنتظر دوري في متجر للبقالة بمدينة لوس أنجلوس، ووقعتْ عيني على علبة من رقائق الشوفان العضوي، سعرها 11.99 دولار، وهي بالكاد تكفي عائلتي لمدة أسبوع.

وكنت في العادة، إذا ذهبت للتسوّق، أفكّر في الخيارات الأسهل، لا الأكثر توفيرا للنقود، وقد بدا لي ذلك غير منطقي في تلك اللحظة بالذات.

عندئذٍ لم أستطع التفكير إلا بأنني كنت ضحية للاحتيال، لا سيما من المَحلات التجارية القريبة من مقر إقامتي.

وقد قررتُ من ذلك الحين أن أبحث عن طريقة للشراء من المنتجين مباشرةً، دون الحاجة إلى وسطاء (المَحلّات التجارية)، وقد أردتُ من ذلك أن أعرف ماذا بإمكاني أن أشتري؟ وكم من المال سيتعيّن عليّ أن أنفق؟ وعلاوة على ذلك، أردتُ توفير عمليات التعبئة والتغليف التي تتطلبها عملية البيع بطبيعة الحال.

وكانت أول خطوة أقدمتُ عليها هي أن قمتُ بكتابة قائمة بالمنتجات المجففة التي أُقبل على شرائها أكثر من غيرها، وكانت البداية بالبحث عن منتجات ألبان من المصدر مباشرةً، لكن سرعان ما تعقدت الأمور، لذا بدأتُ في البحث عن شراء زيت طعام، وشوفان، وأرز، ولوبيا، وشاي، كلها بالجُملة.

امرأة في محل بقالة

Getty Images
وجدتُ أن شراء البقالة بالجُملة أكثر توفيرا للنقود

وكان عليّ أن أجد مصادر مواد غذائية عضوية محلّ ثقة، وأن أتتبّع سلسة الإمداد – بدءًا من مقرّ البائع، والمكان الذي يجلب منه منتجاته، وكيف يقوم بعملية النقل – ثم بعد ذلك كان عليّ أن أحسب النفقات، وأن أعرف كيفية تعبئة كل مُنتج وطريقة تغليفه.

وبالفعل أنجزتُ البحث، وقد كلّفني الكثير من الوقت، لا سيما فيما يتعلق برقائق الشوفان.

توفير النقود

لقد استحضرتُ كل مهاراتي في الرياضيات التي تعلّمتها في المدرسة لكي أعرف هل شراء عبوة من الشوفان العضوي زِنة 11.4 كيلوغرام بسعر 48 دولارا أكثر توفيراً للنقود من شراء عبوة من نفس المادة (الشوفان العضوي) زنة 1.18 كيلوغرام بسعر 8.99 دولارات؟ وكانت الإجابة “نعم”.

فشراء العبوة الكبيرة (بالجُملة) قيمة الرطل الواحد فيها تناهز 1.92 دولارا، بينما تناهز قيمة الرطل في العبوة الصغيرة 3.46 دولارات.

ثم كان زيت جوز الهند العضوي: ويُكلّف شراء عبوة 3.8 لترات مبلغ 30.75 دولارا، بينما يُكلّف شراء عبوة 400 مليلتر مبلغ 7.49 دولارات.

ثم جاء دور اللوبيا: وقد كنت أشتري عبوة زِنة 0.91 كيلوغرام بمبلغ 11.99 دولارا، بينما كلّفني شراء عبوة زنة 11.4 كيلوغراما مبلغ 71.75 دولارا.. فوفّرت مبلغ 78.13 دولار.

نعم، تبلغ التكلفة الضِعف تقريبا، عند شراء كميات صغيرة من اللوبيا.

وعليه، يتبين بسهولة أن الشراء بالجُملة أكثر توفيرا للنقود.

البصمة الكربونية

أمّا إثبات فكرة أن عملية الشراء بالجُملة أفضل للبيئة فلم تكن مهمة يسيرة. وهذا ليس رأيي أنا وحدي.

بل تشاركني فيه فاليري باترو، الباحثة في جامعة بولي تكتنيك مونتريال الكندية، قائلة: “من وجهة نظر المستهلك، ليس من السهل إثبات أفضلية الشراء بالجُملة بيئياً، نظراً لغياب ما يكفي من المعلومات لقياس الأثر البيئي لهذه العملية.. فبينما نستطيع قياس الفوائد الناجمة عن تقليص المخلفات (في غياب الكثير من الأغلفة والفوارغ مقارنة بعمليات الشراء بالقطعة)، تتطلب عملية احتساب البصمة الكربونية لتلك العملية المزيد من المعلومات التفصيلية المتعلقة بتقييم دورة حياة المنتج حتى الوصول إلى يد المستهلك”.

ولقد قررتُ أن أبسّط الأمور قدر المستطاع. وقد عثرتُ على إحدى الشركات التي تبيع كل ما أحتاجه لهذه التجربة، وبالفعل طلبتُ لوبيا، ومسحوق جذور الهندباء [التي يمكن تناوُلها كشاي أو كقهوة]، وأرز، ورقائق شوفان.

وعبر طلب كل هذه المنتجات بالجُملة مرة واحدة من نفس الشركة، أكون قد خفّضتُ في انبعاثات الكربون الناجمة عن نقل المنتج وتوصيله إلى حيث أقيم، مقارنة بعمليات شراء نفس المنتجات بالقطعة.

خضروات

Getty Images
كثير من الأمريكيين يتطلعون إلى تقليص المخلفات البلاستيكية، لا سيما التي تُستخدم مرة واحدة فقط

وتُسهم عملية نقل المواد الغذائية حول العالم بنسبة 19% من حجم انبعاثات الكربون الناجمة عن النظام الغذائي.

ومن هنا، تكمن أهمية الشراء من متاجر محلية -قريبة من محل الإقامة- قدر المستطاع.

ورغم أن مقرّ الشركة التي اشتريتُ منها يقع في واشنطن، لكن المنتجات نفسها التي طلبتُها جِيء بها من حول العالم، فجذور الهندباء جيء بها من الصين، والأرز من تايلندا، واللوبيا من الهند، وزيت جوز الهند من الفلبين، فقط رقائق الشوفان جيء بها من الولايات المتحدة.

وهكذا، وجدتُ أنه من المستحيل عليّ أن أحتسب كمية انبعاثات الكربون في عملية شراء بالجُملة كهذه. كما لم يكن ممكنا كذلك أن أحتسب كمية انبعاثات الكربون لو كانت عملية الشراء بالقطعة.

تقول آلانا لافيرن، المتحدثة باسم شركة إسينشال أورغانيكس للبيع بالتجزئة عبر الإنترنت، إن الشركة تستهدف تشجيع الشراء بالجُملة، لأن ذلك “يقلّص نسبة البلاستيك نظراً لخفض عدد الأغلفة والعبوات، مما يخفض بدوره النفقات الإجمالية للمنتج”.

وفي الولايات المتحدة، تتم عملية إعادة تدوير 4% فقط من المخلفات البلاستيكية، وقد تزيد هذه النسبة قليلاً في بلدان أخرى حول العالم حتى تصل إلى 9%.

لكن مع ذلك لا تزال نسبة تدوير المخلفات البلاستيكية ضئيلة بالنظر إلى كمية البلاستيك التي نستهلكها، وما لذلك من آثار مدمرة على البيئة.

وقد دفعني ذلك إلى التساؤل: “فضلاً عن توفير النقود، هل الشراء بالجُملة يقلّص المخلفات؟”

ومن دواعي الأسف، أن هذا السؤال لم يجد ما يكفي من دراسات البحث العلمي للإجابة عليه.

ومع ذلك، هناك دراسة نُشرت في عام 2023، وجدتْ أن المستهلكين في الولايات المتحدة يتطلعون إلى حلول للحدّ من المخلفات، لا سيما البلاستيكية الناجمة عن تغليف البضائع والتي تُستخدم لمرّة واحدة.

لكنّ دراسة أخرى أجريت في عام 2023 أيضا، وجدت أنّ معظم المستهلكين لم يكونوا مستعدين لدفع المزيد من المال للشراء بالجُملة منتجات ذات تغليف قابل لإعادة الاستخدام، وكان السبب الرئيسي وراء عدم استعدادهم متعلقاً بمخاوف صحية.

وعلى الرغم من أن إجمالي النفقات في عملية الشراء بالجُملة يكون أقلّ مقارنةً بعمليات الشراء بالقطعة، لكنّ دفع مبالغ كبيرة كتلك التي تتطلبها أحيانا عمليات شراء بالجُملة قد لا يناسب أصحاب الميزانيات الصغيرة.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.