لماذا رفعت الحكومة المصرية سعر الخبز المدعوم 300 في المئة؟

GETTY IMAGES

جالسا على مقعده داخل مقر الحراسة الضيق في المنطقة التي يخدم فيها في أحد المجمعات السكنية الراقية، فاجأته بسؤال عما قد يقع عليه من آثار جراء قرار زيادة سعر رغيف الخبز المدعوم بنسبة 300 في المئة.

وما أن استوعب السؤال، نهض محمد نبيل، 34 سنة، من جلسته بسرعة ورد التحية وباغتني بسؤال أعمق: “ما الذي قد يفعلوه بنا بعد ذلك؟ فكل شيء خرج عن السيطرة تماما ومنذ شهور طويلة”.

وقال نبيل لبي بي سي: “نصيبي من الخبز المدعوم أنا وزوجتي وولديَّ عشرة أرغفة من الخبز المدعم. ولأنها لا تكفينا، نشتري بحوالي 20 جنيهاً من الخبز السياحي حتى يشبع الطفلان”.

وأثناء حديثي معه، كان في حالة من الذهول من القرار حتى أنه قال: “لا أعتقد أن القرار سوف يُنفذ بهذا الشكل، فهم سوف يعالجون الموقف. فليس من المنطقي أن يكون نصيبي أنا وأسرة كاملة من الخبز المدعوم أقل من ثلاثة أرغفة”.

وقررت الحكومة المصرية زيادة سعر رغيف الخبز المدعوم بنسبة 300 في المئة لأول مرة منذ عقود، بحسب تصريحات لرئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي.

وأعلن مدبولي، في مؤتمر صحفي، الأربعاء، رفع سعر رغيف الخبز المدعوم إلى 20 قرشا اعتبارا من أول يونيو/ حزيران المقبل ارتفاعا من 5 قروش حاليا ضمن محاولات الحكومة للحد مما تصفه بالفجوة الكبيرة بين تكلفة إنتاجه وسعر بيعه.

وأضاف مدبولي أن تكلفة رغيف الخبز على الحكومة تصل إلى 125 قرشا، وأنه لم يتم تحريك سعر الخبز المدعم منذ 30 عاما.

وأشار إلى أن “الحكومة لا تزال ملتزمة ببرنامج الدعم لكنها تتطلع إلى ترشيده”، مشيرا إلى اعتزام الحكومة إطلاق حوار وطني بشأن التحول للدعم النقدي بداية من العام المالي المقبل أي في يوليو/ تموز.

لماذا اُتخذ القرار الآن؟

تقلل الحكومة المصرية في الفترة الأخيرة الدعم المخصص للخبز، إذ تراجع من 6 مليار دولار العام الماضي إلى 4 مليار دولار هذا العام، ومن المقرر أن ينخفض إلى 2.8 مليار دولار العام المقبل، وهو ما يرى وائل النحاس، المستشار الاقتصادي وخبير أسواق المال، أنه لا يجعل هناك ضرورة ملحة أو مبرر لاتخاذ مثل هذا القرار في الوقت الحالي في الأوضاع الطبيعية.

لكنه قال لبي بي سي: “دعم الخبز يتراجع بالفعل في السنوات القليلة الماضية، كما أن عمليات التعويم المستمرة جعلت الدعم يزداد أكثر بالعملة المحلية، لكنه ينخفض بالدولار الأمريكي، وهو ما أرى أنه مصدر الضغط الذي تعرضت له الإدارة المصرية لرفع أسعار الخبز المدعوم بهذه الحدة”.

وأضاف: “أعتقد أن السبب الحقيقي هو أوامر صندوق النقد الدولي التي صدرت للحكومة بالتوقف عن السحب على المكشوف، وطباعة النقد، والاقتراض من الخارج”.

والسحب على المكشوف يعني الالتزام بالأرقام الواردة في الموازنة المصرية فيما يتعلق بالدعم البالغة 144 مليار جنيه، من بينها 92 مليار جنيه لدعم الخبز. كما يرى الصندوق ضرورة للتوقف عن الاقتراض من الخارج والداخل أيضًا أي من البنوك المصرية.

“ليس أمامهم سوى المواطن”

قال النحاس: “وسط كل هذه المحاذير التي وضعها الصندوق على الحكومة، أصبح الوضع الحالي أنها ليس أمامهم سوى المواطن حتى يسدوا من خلاله ما يسمى بالفجوة التمويلية”.

وبالانتقال إلى مها، 32 سنة عاملة نظافة، قالت الأم لأربعة أطفال لبي بي سي إن “أمي تحصل على خمسة أرغفة يوميًا تعطينا منهم ثلاثة لأنها لا تستهلك الكثير منه بينما نحصل على 25 رغيفاً لا تكفينا لأن الخبز هو وجبتنا الأساسية ولا يمكن الاستغناء عن أي حصة منه”.

وأضافت: “رغم هذا العدد الكبير من الأرغفة، نضطر إلى استكمال احتياجاتنا من الطعام بالأرز وغيره من المعجنات بتكلفة أصبحت عالية جدا في الفترة الأخيرة. والمحزن أيضاً أن وزن الرغيف يتضاءل كل فترة ولا نعرف متى يتوقف عن التراجع”.

وأشار النحاس إلى أن الضوابط التي وضعها صندوق النقد الدولي تضع الحكومة تحت ضغط شديد في اتجاه الخصم من نصيب الشعب المصري في الدعم، خاصة دعم الخبز.

وأكد أن “الفجوة التمويلية هائلة بالفعل، إذ يسجل الناتج المحلي الإجمالي المصري 2.1 ترليون جنيه في حين أن أقساط القروض وخدمة الدين 2.5 ترليون جنيه، مما يشير إلى عجز مالي بحوالي 400 مليار جنيه”.

“جودة ووزن الرغيف”

ويقول وائل النحاس المستشار الاقتصادي إن “الخبر هو الوجبة الرئيسية للمواطن المصري”، مؤكداً أن هناك الكثير من العوامل التي كان من شأنها أن تسهم في عدم رفع أسعاره لولا الضوابط التي وضعها الصندوق للحكومة المصرية من أجل الإصلاح الاقتصادي.

ومن بين هذه العوامل أن عدد “المستفيدين من الخبز المدعوم تراجع هذا العام من إلى 72 مليون شخص مقابل 82 مليون مواطن العام الماضي”، وهو ما يراه النحاس أحد الأسباب الوجيهة التي كان من شأنها أن تثني الحكومة عن مضاعفة الأسعار عدة مرات.

وطرح النحاس عدة تساؤلات حول الطريقة التي تتعامل بها الحكومة مع ملف الدعم، أبرزها “هل تتحسن جودة رغيف الخبز بعد رفع الأسعار؟ هل تزيد وزن الرغيف؟”، مؤكداً أن “إذا كان المواطن سوف يتحمل كل شيء، فلابد من أن يتم ذلك بطريقة منطقية”.

“الدعم النقدي”

قال محمد إسماعيل، موظف في شركة خاصة، لبي بي سي: “هناك قدر كبير من الجودة طرأ على رغيف الخبز المدعوم، ما جعله أفضل من الخبز السياحي. لكن هذه الجودة جاءت على حساب الوزن”.

وأضاف: “بالطبع يوفر الخبز المدعوم بنداً من تكلفة المعيشة، كما أننا نستغل نقاط الخبز في بطاقة التموين لاستبدالها بسلع تموينية أخرى. لذلك أعتقد أن كمية الخبز أو بديله من السلع التموينية سوف تتضاءل إلى حدٍ قد يجعلها غير ذات قيمة”، معرباً عن قلقه إزاء الأثر الذي قد يقع على الطبقات الفقيرة في المجتمع كونه لا يهتم كثيراً بهذه الزيادة المبالغ فها في أسعار الخبز.

وأشار النحاس إلى أن الأمر قد لا يقتصر على رفع الدعم عن الخبز، إذ رجح أن الأمر “قد يتجاوز ذلك إلى موجة من الغلاء قد تجتاح البلاد في الفترة المقبلة، والتي قد تتضمن رفع أسعار المحروقات وأسعار الأدوية وغيرها من السلع الرئيسية”.

وتوقع أن تكون الدولة في اتجاهها إلى “الدعم النقدي” الذي تحدد نصيب كل مواطن منه وتسلمه له نقداً ليفعل به ما يشاء دون التقيد بتسليمه سلعة بعينها، لكنه تسائل هنا قائلا: “هل الدولة مستعدة للدعم النقدي؟”.

ويقول النحاس إن الحكومة “تختار الحل الأسهل عملياً والأصعب سياسياً، إذ قد يؤدي بها الوضع الحالي والاستمرار في رفع الأسعار إلى المواجهة مع الشعب”.

ويصرف الخبز المدعم على بطاقات التموين التي يبلغ عددها 23 مليون بطاقة تموينية يستفيد منها 64 مليون مواطن يصرفون سلعا مختلفة، فيما يعتمد 73 مليون مواطن على الخبز المدعم حيث يحصلون على خبز فقط، بحسب وزارة التموين المصرية.

وتتفاوض مصر منذ فترة على قرض من صندوق النقد الدولي حصلت على دفعات منه بالفعل، ويشترط الصندوق لاستكمال القرض إجراء إصلاحات اقتصادية منها رفع الدعم عن السلع.

وتُصنف مصر ثاني أكبر مستورد للقمح عالميا بعد إندونيسيا.

وكان رئيس الوزراء المصري قد كشف في وقت سابق أنه كلف وزير الكهرباء بأن يقوم على مدار 4 سنوات قادمة بتحريك الأسعار بحيث تكون الفئات الأقل مدعومة وتتحمل بعض الفئات الأخرى الأسعار مثل المحال التجارية، مؤكدا أن الدولة لا يمكن أن تتحمل إلى الأبد الفاتورة المتزايدة من أسعار الدعم.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.