السعودية: “لا سلام مع إسرائيل قبل ضمانات لحل الدولتين”

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان

AFP
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان

منذ نهاية أبريل/نيسان الماضي توالت التقارير الصحافية المتعلقة بإبرام اتفاقية أمنية دفاعية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، بُعيد اللقاء الذي جمع وزيري خارجية البلدين أنتوني بلينكن والأمير فيصل بن فرحان على هامش الاجتماع الخاص لمنتدى الاقتصاد العالمي في الرياض.

لقاء الوزيرين كان مناسبة رسمية لإعلان “قرب” توقيع الاتفاقية من دون إعطاء المزيد من التفاصيل حول الموعد أو حول نوعية الاتفاقية، ذلك أن لواشنطن أنواعا مختلفة من الاتفاقيات الدفاعية التي تبرمها عادة مع حلفائها، إذ لا تتشابه تلك الاتفاقيات لا في البنود ولا في التعهدات.

وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن متحدثاً في الاجتماع الخاص لمنتدى الاقتصاد العالمي في الرياض الشهر الماضي

EPA
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن متحدثاً في الاجتماع الخاص لمنتدى الاقتصاد العالمي في الرياض الشهر الماضي

الجديد في هذه التقارير الصحافية والتصريحات الرسمية الصادرة من البيت الأبيض هو ربطها بمسألة التطبيع مع إسرائيل، كشرط أمريكي، وتحديدا من مجلس الشيوخ، لإبرام اتفاقية دفاعية بين البلدين، مع ضمان التفوق العسكري لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط قبل أي ضمانات أخرى.

تلك الضمانات تشمل نوعية الأسلحة التي ستباع للسعودية وكميتها وكيفية صيانتها ومراقبتها، وأيضا ضمان عدم إنتاج الرياض لأسلحة نووية، ذلك أن الرياض لم تخف رغبتها وفي أكثر من مناسبة في إنشاء برنامج نووي لأغراض سلمية.

رئيس مجلس الوزراء ,ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مستقبِلاً وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في الرياض الشهر الماضي

Getty Images
رئيس مجلس الوزراء وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مستقبِلاً وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في الرياض الشهر الماضي

وبحسب ما هو متداول في الكواليس الأمريكية فإن الاتفاقية الأمنية المزمع إبرامها تتضمن تسليح الرياض بأسلحة متقدّمة وضمانات بالدفاع عن المملكة مقابل وقف الأخيرة لمشتريات الأسلحة الصينية وتقييد أو الحدّ من الاستثمارات الصينية في السعودية.

والمعلوم أن السعودية تريد اتفاقية دفاعية على غرار تلك المبرمة مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو مع كوريا الجنوبية أو اليابان. بمعنى آخر، أي هجوم على السعودية هو هجوم على الولايات المتحدة الأمريكية.

هذا الالتزام الذي تحاول قطفه الرياض يندرج في إطار المادة الخامسة من معاهدة الناتو التي تنص على أنه “إذا وقع أحد أعضاء حلف شمال الأطلسي ضحية لهجوم مسلح، فإن كل عضو آخر في الحلف سيعتبر هذا الهجوم بمثابة هجوم مسلح ضد جميع الأعضاء وسيتخذ الإجراءات التي يراها ضرورية لمساعدة الحليف الذي تعرّض للهجوم …. بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لاستعادة والحفاظ على أمن منطقة شمال الأطلسي”.

شعار حلف شمال الأطلسي

Reuters
شعار حلف شمال الأطلسي

وفي مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي، أشار الخبير العسكري والاستراتيجي العقيد السعودي المتقاعد سعيد الذيابي إلى أن “الدول عادة ما تبني تحالفاتها وفق مصالحها الاستراتيجية”، وأضاف: ” الولايات المتحدة الأمريكية حليف استراتيجي للسعودية منذ سنوات طويلة”.

واعتبر الذيابي أن السعودية موجودة في منطقة “ملتهبة” على حد وصفه. لذا تريد الرياض برأيه اتفاقية أمنية تبعد المخاطر الأمنية عنها ومبنية على ركائز ثلاث: أولا، مظلة دفاعية نووية ضد أي تهديد نووي للسعودية كما هو الحال مع اليابان أو كوريا الجنوبية؛ ثانيا، ضمان الكونغرس والإدارات الأمريكية المتعاقبة عدم تعطيل هذه الالتزامات الدفاعية، ومن بينها موضوع التسليح النوعي وتزويد الذخائر وقطع الغيار للمنظومات الدفاعية؛ وثالثا، أن يكون للمملكة نصيب في تصنيع الرقائق الإلكترونية الدقيقة، لأن ذلك يتماشى مع رؤيتها 2030 التي تسعى لأن تكون 40 في المئة من المكوّنات الدفاعية من التصنيع المحلي.

ومن المحتمل أن تتضمن الاتفاقية المزمع إبرامها بين الرياض وواشنطن بندا يتعلق ببرنامج نووي لأغراض سلمية، غير أن المعلومات تشير إلى أن هذه الجزئية تحديدا تثير مخاوف عدة لدى معارضي الاتفاقية الأمنية. ذلك أن برنامجا نوويا، وإن كان سلميا، قد يفتح الباب أمام رغبة سعودية بالتسلّح، خصوصا إن أخذنا بعين الاعتبار الكلام السابق لرئيس مجلس الوزراء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حول عزم بلاده الحصول على أسلحة نووية في حال امتلكت إيران ذلك.

السعودية تهدد بامتلاك قنبلة نووية فور حصول إيران عليها

“البرنامج النووي السعودي” .. هل هو سباق تسلح مع إيران؟

وحول هذا الموضوع، قال الذيابي لبي بي سي إن السعودية تريد تنويع مصادر الطاقة لديها خصوصا أنها تملك 6 في المئة من احتياطي اليورانيوم على مستوى العالم، لافتا إلى أن المفاعلات النووية السلمية أمر مشروع وكل دولة لديها الإمكانية المادية والبشرية تسعى إلى أن تكون لديها برامج نووية، لذا السعودية مصرة برأيه على مسألة تخصيب اليورانيوم لأنه مستقبل إدارة المفاعلات النووية السلمية.

وأضاف: “لقد أعلنت السعودية بكل وضوح وشفافية أن برنامجها سيكون سلميا وتحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.

ولفت العقيد المتقاعد إلى أن أفضل التقنيات لجهة البرامج النووية السلمية في العالم هي في الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه لم يستبعد أن تدخل التقنيات الروسية أو الصينية في مفاعلات نووية سلمية أخرى على الأراضي السعودية، قائلا: “السعودية مساحتها كبيرة ويمكن أن يكون هناك أكثر من مفاعل سلمي على أراضيها”.

أمر آخر تطمح إليه الرياض وهو امتلاكها طائرات F35، وهو أمر قد يواجه صعوبة أيضا في الداخل الأمريكي. صفقة مماثلة كادت أن تُبرم منذ نحو ثلاث سنوات بين الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية عقب اتفاق التطبيع الشهير الذي وقعته الإمارات مع إسرائيل في سبتمبر/أيلول عام 2020.

الصفقة التي كانت تبلغ قيمتها حينها نحو 23 مليار دولار أمريكي جُمّدت بعد مخاوف أمريكية من أن يتم استخدام شبكة الهاتف المحمول 5G التي تديرها شركة هواوي الصينية في الإمارات لتتبّع وجمع المعلومات الاستخباراتية عن الطائرات الأمريكية الصنع من دون علم الإمارات، التي رفضت – بحسب المعلومات المتداولة – قطع علاقاتها مع شركة هواوي، وهو ما أدى إلى تجميد صفقة البيع الخاصة بطائرات F35 .

طائرة F35

Reuters
طائرة F35

أما فيما يخص السعودية، فقد قال الذيابي إن “أي دولة على مستوى العالم تبني استراتيجية التسليح الخاصة بها بناء على مصادر التهديد وهو ما يسمى بـ ‘بناء القوة’، والسعودية دولة استراتيجية وفي منطقة ملتهبة، لذا فهي حريصة على الحصول على كل المنظومات الدفاعية المتطورة على مستوى العالم شرط أن يترافق ذلك مع تأمين قطع الغيار وأنواع التسليح والذخائر المستقبلية.”

وأضاف: “طائرات F35 من أفضل الطائرات على مستوى العالم، والسعودية مهتمة بالحصول عليها لأنها تضمن التفوق الجوي في أي معركة كانت، وأعتقد أنها ستكون جزءا من الاتفاقية الدفاعية التي تناقشها الرياض وواشنطن”.

وبالعودة إلى شروط التطبيع، فإن السعودية كرّرت في أكثر من مناسبة أنها لن تقدم على خطوة مماثلة إلا في حال تحقق شرط حل الدولتين على أساس حدود يونيو/حزيران 1967 والقدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين.

غير أن تقارير حديثة بدأت تشكّك في الموقف السعودي المتمسّك بهذا الشرط في حال حصلت على مبتغاها من الاتفاقية الدفاعية مع واشنطن.

لماذا تشترط واشنطن على الرياض التطبيع مع إسرائيل قبل توقيع معاهدة الدفاع المشترك؟

الإمارات “واثقة”من حصولها على طائرات “إف-35” الأمريكية رغم تعليق إدارة بايدن لصفقات الأسلحة مؤقتا

آخر هذه التقارير هو ما نشرته صحيفة “واشنطن بوست” من أن الرياض خففت لهجتها بشأن المطالبة بحل الدولتين إلى المطالبة بـ “مسار موثوق نحو حل الدولتين”، لاسيما في ظل رفض الحكومة الإسرائيلية لأي حل يتضمّن حل الدولتين باعتبار أن إقامة دولة فلسطينية سيشكّل “ملاذا للإرهاب” على حدّ وصف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في تصريح سابق له.

لكن المواقف الرسمية الواردة من السعودية تؤكد أن شرطها بحل الدولتين هو أساس لأي عملية تطبيع، ولا يمكن المضي قبل تحقيق هذا الشرط.

وعن هذا الشرط يقول العقيد المتقاعد سعيد الذيابي: “من مصلحة السعودية استقرار المنطقة، وهذا أمر لا يمكن التوصل إليه من دون حل الدولتين”.

وأضاف: “على إسرائيل أن تدفع الثمن، لكنها تريد السلام مجانا وهذا أمر لن توافق عليه السعودية المتمسكة بشرط حل الدولتين، لاسيما بعد ما ارتكبته إسرائيل من مجازر في غزة في الأشهر الماضية بحق الفلسطينيين”، على حدّ تعبيره.

في الختام، لا شك أن أي اتفاقية دفاعية، سواء اقترنت بشرط التطبيع المرتبط بدوره بحل الدولتين، هي مسألة لا تخلو من المصاعب على الأرض، رغم محاولات تصوير الأمر من قبل مسؤولين سعوديين وأمريكيين على أنه وشيك. لكن استمرار الحرب في غزة بين حركة حماس وإسرائيل يجعل التوصل إلى اتفاق ثلاثي أمرا مستبعدا في ظل الظروف السياسية والأمنية الراهنة.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.