مقتحمو الكونغرس الذين ندموا على الاعتذار

شجاكوب أنجيلي تشانسلي داخل مبنى الكابيتول خلال أعمال شغب السادس من يناير/كانون الثاني 2021

Getty Images
جاكوب أنجيلي تشانسلي داخل مبنى الكابيتول خلال أعمال شغب السادس من يناير/كانون الثاني 2021

تراجع عدد متزايد من المتهمين في أحداث اقتحام مبنى الكونغرس عن إقرارهم بالذنب واعتذارهم – بمن فيهم واحد من أشهر وجوه أحداث السادس من يناير/كانون الثاني عام 2021.

بدا جاكوب أنجيلي تشانسلي وكأنه رجل مختلف لدى مثوله أمام المحكمة.

فقد كان مجردا من القرنين والفراء وطلاء الوجه – تلك الأشياء التي جعلت وسائل الإعلام تطلق عليه لقب “عراف كيو أنون” – عندما وقف مقرا بذنبه فيما يتعلق بتهمة عرقلة إجراءات رسمية، التي وجهت إليه. تعود التهمة إلى دوره في عرقلة سير جلسة مشتركة لمجلسي الكونغرس، والتي تستوجب عقوبة سجن بحد أقصى 20 عاما.

وقال أنجيلي: “أنا نادم حقا على أفعالي، لأن الندم ليس مجرد أن تقول إنك آسف..فالندم يعني الاعتذار، ثم التحرك في اتجاه معاكس تمام لاتجاه الذنب الذي اقترفته.

“لو عاد بي الوقت لفعلت كل شيء بطريقة مختلفة في السادس من يناير/كانون الثاني”.

ووصف أحد القضاة اعتذاره بأنه “أكثر اعتذار مؤثر سمعته خلال الأعوام الـ 34 الماضية”، وحكم عليه بالسجن لمدة 41 شهرا – وهي مدة أقل بكثير من العقوبة القصوى التي يسمح بها القانون.

وبعد حوالي عام ونصف، خرج أنجيلي من السجن بالفعل واختفى شعوره بالندم.

يقول أنجيلي في تصريحات لـ بي بي سي: “الندم له وقع ثقيل على النفس..فهو بمثابة أكياس رمل موضوعة على منطاد هواء ساخن”.

أنجيلي - بدون ملابس العراف - متحدثا لـ بي بي سي

BBC
أنجيلي – بدون ملابس العراف – متحدثا لـ بي بي سي

لقد تغير موقفه إلى درجة أنه لجأ إلى القضاء لطلب إلغاء إقراره بالذنب. وهو ليس بأي حال من الأحوال الشخص الوحيد الذي غير رأيه بشأن أحداث الكابيتول.

فمنذ السادس من يناير/كانون الثاني عام 2021، وُجهت اتهامات إلى أكثر من 1000 شخص تتعلق بمشاركتهم في أحداث الشغب التي وقعت في ذلك اليوم، وأقر نحو نصف هؤلاء بارتكاب الأفعال المنصوص عليها في الاتهامات الموجهة إليهم. لكن بعض الدردشات على منتديات الإنترنت والتغطية الإعلامية تشير إلى أن عددا صغيرا ولكنه متنام من بين هؤلاء بدأوا يغيرون مواقفهم. وقد أدى التحول في اتجاهات الرأي العام بشأن أحداث الشغب إلى تشجيع البعض على تغيير مواقفهم، بل والاستفادة من سمعتهم السيئة.

ونظرا لأن أثاناسيوس زويغانيليس كان يواجه عقوبة السجن 30 يوما والخضوع للمراقبة لمدة ثلاث سنوات، فقد أقر العام الماضي بانتهاك القانون من خلال مشاركته في مظاهرة الكابيتول.

ولكنه غير رأيه مثل أنجيلي. فقد أخبر أحد الصحفيين خلال الشهر الحالي بأنه لم يرتكب أي مخالفة وأنه تم إقناعه بالاعتراف.

وقد طلب محاميه بتأجيل النطق بالحكم.

استغلال أحداث شغب الكابيتول

فضلا عن العدول عن الشعور بالندم، سعى عدد من المشاركين في أحداث الشغب إلى الاستفادة من تورطهم فيها بعدد من الطرق.

استقال ديريك إيفانز العضو السابق بالمجلس التشريعي لولاية وست فيرجينيا من منصبه بعد اعتقاله. أقر إيفانز بأنه مذنب واعتذر في المحكمة وقضى ثلاثة أشهر في السجن.

ولكنه الآن يعتزم خوض سباق الترشح لعضوية مجلس النواب في الكونغرس، ويصف نفسه هو وغيره من المتهمين بأنهم “سجناء سياسيون”.

هذا المصطلح شائع الاستخدام من قبل قطاع عريض من الساسة اليمينيين واليمينيين المتطرفين في الولايات المتحدة لتصوير الأشخاص الذين شاركوا في أحدث الشغب على أنهم أبطال ووطنيون.

وقد صرح إيفانز لـ بي بي سي مؤخرا قائلا: “أظن أنه مع مرور الوقت، سوف يتأكد أنني على الجانب الصحيح من التاريخ”.

وتقول كريستينا بال-أوينز المديرة التنفيذية لمنظمة Public Wise المعنية بالدفاع عن حقوق التصويت والتي تسعى إلى منع انتخاب المدانين في أعمال شغب السادس من يناير لعضوية الكونغرس، إن عددا متزايدا من هؤلاء باتوا يستخدمون شهرتهم لتحقيق طموحاتهم السياسية، ولا سيما مع اقتراب انتخابات عام 2024.

وتضيف: “اليمين المتطرف ومنفذو أحداث شغب السادس من يناير يحاولون تغيير السردية وتصوير أنفسهم على أنهم شهداء”.

ومن اللحظات المهمة بالنسبة لكثيرين هي عرض المعلق السياسي تاكر كارلسون لقطات قصيرة محرَرة لأحداث ذلك اليوم أظهرت منفذي أحداث الشغب وهم يتصرفون بطريقة سلمية داخل الكونغرس.

وكانت اللقطات، التي عرضها خلال برنامجه التلفزيوني الذي ألغته قناة فوكس نيوز فيما بعد، بمثابة وقود أشعل السردية التي تقول إن ما حدث في ذلك اليوم كان في معظمه مظاهرات سلمية، كما شجع البعض، بمن فيهم إيفانز، على الترشح لعضوية الكونغرس.

يقول إيفانز: “لقد وصلنا أخيرا إلى مرحلة صار بإمكان أشخاص مثلي واجهوا إجراءات السادس من يناير تلك وقضوا بالفعل عقوبة السجن أن يتحدثوا علنا ويظهروا الحقيقة”.

قوة المشاعر في بعض الدوائر مكنت بعض منفذي أعمال الشغب من جمع تبرعات – أو على الأقل اكتساب زخم على وسائل التواصل الاجتماعي – مستغلين شهرتهم.

على أحد المواقع المسيحية ذات الشعبية على شبكة الإنترنت، موقع GiveSendGo، هناك ما لا يقل عن 150 حملة تشير إلى أحداث الكابيتول تمكنت من جمع أكثر من 4.1 مليون دولار.

في بعض الحالات، يسعى ممثلو الادعاء إلى مصادرة تلك الأموال.

بعد إقراره بالذنب فيما يتعلق بتهمة دخول مبنى محظور دخوله، ظهر دانيال غودوين، وهو عضو في جماعة Proud Boys “براود بويز”، في حوار تلفزيوني أطلق خلاله على متهمي السادس من يناير لقب “سجناء سياسيين”.

وناشد غودوين الشعب الأمريكي التبرع لهم بالأموال، وتمكن من جمع أكثر من 25 ألف دولار. وقد عكف ممثلو الادعاء منذ ذلك الحين على تغريمه نفس المبلغ.

اعتقل أكثر من 1000 شخص على خلفية أحداث الشغب

Getty Images
اعتقل أكثر من 1000 شخص على خلفية أحداث الشغب

منطقة محفوفة بالمخاطر

يقول جون بي غروس، خبير القانون الجنائي بجامعة ويسكونسين إن تغيير المواقف قد ينطوي على مخاطر قانونية.

فما يعرف بمفهوم “جزاء المحاكمة” يعني أنه، بشكل عام، المتهمون الذين يقرون بالذنب يتلقون عقوبات مخففة مقارنة بهؤلاء الذين تتم إدانتهم بعد المحاكمة. كما أن القضاة يحق لهم توقيع عقوبات أشد إذا ما ارتأوا أن المتهمين ليسوا صادقين في ندمهم.

يقول غروس: “بإمكان القاضي بكل تأكيد أن يأخذ في الحسبان عدم تعبير المتهم عن ندمه عند إصدار أحكامهم. وعادة ما أنصح موكليّ بألا يدلوا بأي تصريحات للإعلام تحت أي ظرف من الظروف في الفترة ما بين الإقرار بالذنب والنطق بالحكم”.

لكن ماذا يحدث إذا ما كان شخص ما قد قضى بالفعل عقوبة السجن، ويرغب في سحب اعترافه بالذنب واعتذاره؟

لكي يتمكن من تغيير إقراره بالذنب، سيتعين على أنجيلي أن يقنع القاضي بأنه لم يحصل على تمثيل قانوني مؤثر من محاميه الأصلي، ألبرت واتكينز. وحاليا، يقول أنجيلي إن الشهادات التي أدلى بها محاميه نيابة عنه بهدف تخفيف جرائمه لم تكن صحيحة.

وقال: “لم أقل مطلقا إن ترامب خدعني. لم أندد أبدا بكيو أو مجتمع كيو أنون..كما أنني لست مصابا بانفصام الشخصية أو اضطراب ثنائي القطب، أو الاكتئاب ولست منفصلا عن الواقع”.

وفي رسالة إلكترونية، قال واتكينز إنه لم يقل إن موكله ندد بكيو أنون أو كان منفصلا عن الواقع، ووصف أنجيلي بأنه “شاب هادئ الطباع” و”ذكي وموهوب”، مضيفا أنه يتمنى له التوفيق.

من الناحية القانونية، منفذو الشغب الذين يحاولون سحب إقرارهم بالذنب يضعون أنفسهم في منطقة يحتمل أن تكون محفوفة بالمخاطر، على حد تعبير غروس. فنادرا ما تسمح المحاكم للمتهمين بذلك، وعندما تفعل، فإن هؤلاء المتهمين يخاطرون بمواجهة محاكمة جديدة – وهو الشيء الذي أكد عليه ممثلو الادعاء الفيدراليون في ردهم على طلب أنجيلي سحب إقراره بالذنب.

يقول غروس: “لا أنصح بذلك كاستراتيجية قانونية”.

ولأن قضيته ما تزال معروضة على القضاء، لم يجب أنجيلي على الأسئلة التي وجهت له بشأن تصرفاته خلال أعمال الشغب. لكنه أشار ضمنيا إلى أن قضاءه بعض الوقت في الحبس الانفرادي – الذي وصفه بأنه “شكل من أشكال التعذيب الناعم” – كان السبب في قراره الأصلي الاعتراف بالذنب.

وقد استغل أنجيلي شهرته في تلميع صورته منذ خروجه من السجن. فهو يقدم بثا صوتيا “بودكاست” ويدير دورات تدريبية على الإنترنت، كما يبيع بضائع على موقعه على الشبكة – بما في ذلك أعلام ثمن الواحد منها 44 دولارا وقمصان بسعر 33 دولارا للقميص وأكواب مقابل 17 دولارا للكوب الواحد.

كما أنه استأنف نشره لنظريات المؤامرة على الإنترنت، مؤكدا أن ما يفعله ليس إلا محاولة لنشر حقيقة عدد كبير من المخططات الحكومية.

ورغم أنه تراجع عن شهادته في المحكمة التي قال فيها إنه كان سيفعل كل شيء بطريقة مختلفة لو عاد به الوقت، فإنه قال شيئا واحدا بدا وكأنه أقرب إلى الندم.

“لقد حاولت بالفعل أن أمنع الناس من التصرف بجنون..لو كنت أعلم ما سيحدث لكنت بذلت جهدا أكبر.

“لكن من عساه أن ينصت لذاك الشخص المجنون ذي القرنين وطلاء الوجه عندما يدعو الجميع إلى التزام الهدوء؟”

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.