موسيقى جهجوكا المغربية تبهر رواد مهرجان غلاستونبري في إنجلترا

عزف كبار موسيقيي جهجوكا على المسرح الهرمي، في مهرجان غلاستونبري في مقاطعة سومرست. الجمعة 23 يونيو/ حزيران عام 2023

PA Media

في شمال المغرب وتحديدا في قرية جهجوكا الجبلية، اعتادت فرقة ” كبار الموسيقيين في جهجوكا” وعلى مدى مئات السنين أن تطرب مسامع الناس بعزفها الفريد على الطبول و المزامير،الذي تناقلته الأجيال.

مؤخرا، افتتحت فرقة كبار الموسيقيين الشعبية مهرجان غلاستونبري في جنوب غرب إنجلترا، والذي يعد أحد أكبر الفعاليات الموسيقية في الهواء الطلق على مستوى العالم.

لا أحد يعلم بالتحديد كم عمر تلك الموسيقى التي اعتادت الوديان والتلال المحيطة بقرية جهجوكا على سماعها. تشير بعض الأبحاث إلى أن تاريخ هذه الموسيقى يعود إلى القرن الخامس عشر.

يقول ريكي شتاين، والذي ساعد في تنظيم عروض الفرقة في مهرجان غلاستونبري لهذا العام: ” أطلق عليها عالم النفس الأمريكي تيموثي ليري اسم فرقة الروك أند رول ذات الـ 4000 عام”.

ويضيف شتاين لبي بي سي: “ربما يكون في هذا بعض المبالغة، ولكن مع ذلك، علينا أن نعلم أن هذه الموسيقى ومنذ دهر بعيد انتقلت من جيل إلى جيل، من الأب إلى الابن”.

في عام 1971 وبمحض الصدفة، تعرّف شتاين لأول مرة على فرقة كبار الموسيقيين في جهجوكا.

يقول شتاين: “لقد أذهلني وسحرني ما وجدته هناك، لدرجة أنني مزقت تذكرة العودة الخاصة بي وعشت في القرية لمدة عامين”.

وفي تلك الفترة أيضا، اكتشف مناهضا الثقافة الأمريكية بول بولز وويليام بوروز، وكذلك الفنان البريطاني الكندي بريون جيسين هذه الفرقة الموسيقية.

قال جيسين:” هذه هي الموسيقى التي أود الاستماع إليها ما تبقَّى من حياتي”، مضيفا أن فترة مغيب الشمس لا يمكن أن تمرّ دون الاستماع إلى كبار الموسيقيين.

وفي عام 1968 تعاون مؤسس فرقة “رولينغ ستونز” بريان جونز، مع موسيقيي جهجوكا في تسجيل وتقديم ألبوم موسيقي.

يتذكر بشير عطار الذي كان حينها فتى يرعى أغنام القرية، كيف تلقى خبر وصول أسطورة موسيقى الروك أند رول إلى قريته: ” عندما وصل بريان جونز إلى القرية، جاء إليّ أخي الصغير مصطفى وقال إن شخص ما بشعر كثيف هنا. ركضت وركضت لرؤية والدي ورأيت هذا الرجل بشعره الأشقر الكثيف. صافحته وبدا رائعا!”.

مكث جونز في القرية ليلة ويوماً واحداً، كما أنه حضر مهرجان الموسيقى هناك والذي استمر لعدة أيام بعد رحيله.

وعلى غلاف ألبومه الموسيقي الذي سجله عام 1968 كتب جونز”لا أعلم ما إذا كنت أمتلك القدرة الكافية لتحمل سحر هذه الموسيقى طوال فترة المهرجان الكاملة”.

صورة تعود لعام 2021 لفرقة " كبار موسيقيي في جهجوكا"

Getty Images
على مرّ السنين، تناقص عدد أعضاء الفرقة

يستخدم كبار الموسيقيين في عزفهم الآلات المغربية التقليدية. وتسمى المزامير المستخدمة “الغيطة” بالدارجة المغربية، كما أن هناك نوعان من الطبول المستخدمة: الزواك والفاراد.

يقول أحمد العطار، والذي يُشار إليه أحيانا بقائد الفرقة: “عندما أعزف الموسيقى أشعر بسعادة بالغة تماما مثل طائر يحلق عاليا”.

ويضيف العطار لبي بي سي: “لهذا السبب أريد عزف هذه الموسيقى إلى الأبد. عندما أشعر بالغضب أو الحزن أستمع لها، وفجأة أشعر بالسعادة مرة أخرى، أشعر وكأنني طائر يحلق بعيدا”.

يقول عضو آخر في الفرقة يدعى عبد السلام رتوبي: “عندما تعزف الغيطة، فأنت تصبح جزءا من هذا الإيقاع الرائع”.

ويضيف: ” أحب رؤية الناس وهم متأثرون بموسيقانا. كلما احتجت لتهدئة نفسي أقوم بالعزف منفردا. إن الدعم الجماهيري المتمثل في رقصهم وسعادتهم هو أجمل هدية تقدم لنا”.

عادة يستغرق تعلم الموسيقى بشكل صحيح عدة سنوات، لكن أحمد العطار يقول إن الوصول إلى مرحلة الإتقان قد يستغرق عمرا كاملا.

يقول العطار: ” منذ أن كنت طفلا صغيرا في عمر التاسعة تقريبا، بدأت أرقص وأعزف على الطبل. وعندما كبرت في السن التحقت بفرقة كبار الموسيقيين، هناك وبشكل يومي تعلمت الموسيقى على يد قائد الطبول بردوز، وساعدني أيضا زملائي. تعلم الموسيقى ليس بالأمر الصعب، إذا كانت هي حياتك وشغلك الشاغل”.

أنت صوفي إذن أنت درويش زاهد؟

ما هي الصوفية التي استهدف مسجدها في سيناء؟

تعود جذور موسيقى الجهجوكا إلى زمن نشأة التصوف حيث تتميز بطابع صوفي، ولكن من المحتمل أن تكون قد بدأت قبل الإسلام.

في منتصف الطريق إلى أعلى تلة فوق القرية يوجد هناك كهف، يقول أهل القرية إنه مكان سكن الإله القديم بوجلود. والإله بوجلود الذي يظهرعلى هيئة نصف رجل ونصف ماعز، ربما يكون مرتبطا بالإله اليوناني القديم بان.

يعتقد أهل جهجوكا أن بوجلود هو إله الخصوبة، ويؤدي أحد أبناء القرية دور بوجلود في مهرجاناتهم الموسيقية، إذ يغطي جسده بجلود الحيوانات ويقوم بالرقص أمام الموسيقيين وهم يقرعون طبولهم.

في الأيام الخوالي، كانت الماعز تُذبح وتُسلخ، ثم يُخاط جلدها المخلوط بالملح حول جسد صبي صغير. يُقال أن الدم والعرق والملح ينعشان البصيرة الصوفية.

محمد حاتمي

BBC/ Richard Hamilton
يؤدي محمد حاتمي دور الإله القديم بوجلود

أما في الوقت الحاضر، يقوم محمد حاتمي، والذي يدير مقهى محليا في القرية، بهذا الدور مرتديا تلك الجلود.

في ليالي الأعياد السنوية، يرقص محمد مثل المهووس ويجلد الناس بأغصان الزيتون. إنه فكاهي، لكنه مزعج نوعا ما.

تضم القرية أيضا مزارا لولي صالح من القرن الخامس عشر أسلم على يديه أهل جهجوكا.

يقول العطار:” سيدي أحمد شيخ هو تقي قريتنا، هذه الموسيقى تعود له. بدأت الموسيقى معه وعندما نعزفها تكون روحه فيها”.

في العصور القديمة، كان الأشخاص الذين يعانون من أمراض عقلية يقيدون بسلاسل حول جذع شجرة في القرية، ومن ثم يقوم الموسيقيون وعلى مسافة قريبة من وجه المريض بالعزف على الغيطة. يُقال أنه بمجرد إطلاق سراح المريض بعد هذا التقليد، يتعافى ويشفى.

اليوم يأتي الزوار من أماكن بعيدة مثل اليابان لحضور هذا المهرجان، حيث الرقص والعزف على الطبول. ويعتقد الزوار أن هذا التقليد قادر على علاجهم وشفاء أرواحهم.

قال العطار:” موسيقى الجهجوكا فيها بركة من روح سيدي أحمد شيخ، الذي كان حكيما، ومنذ العصور القديمة بات مرقده مكانا يزوره الناس للشفاء والتبرك. إن الآلات التي يعزف عليها الموسيقيون والمرقد نفسه يشفي الناس. يستمر الناس بالقدوم إلى هنا من أجل التعافي وحتى عندما نكون خارج البلد يطلبون منا المساعدة والشفاء”.

في الثمانينيات كانت الفرقة تضم 27 موسيقيا، أما الآن فإن عدد اعضائها لا يتجاوز الـ 11 موسيقيا، أغلبهم من كبار السن، وليس من الواضح ما إذا كان هناك جيل جديد سيظهر ليكمل المسيرة.

هل يشعر الموسيقيون بالقلق من زوال هذا التقليد القديم المقدس؟

يقول رتوبي: ” يسألنا البعض عن هذا الأمر، لكننا لا نعتقد أن هذه الموسيقى يمكن أن تموت. وإذا حدث ذلك، فسيكون هذا أمرا مؤسفاً للغاية. هناك العديد من التغييرات التي تحدث في قريتنا وفي العالم، ولكن لا يزال الأطفال يحبون الموسيقى”.

يقول العطار:” موسيقى الجهجوكا لا يمكن أن تختفي من هنا؛ لأن أطفال القرية يتعلمون هذه الموسيقى والتي تشكل تراثنا في المدرسة. توقف الموسيقى في جهجوكا، تماما يشبه فكرة أنه لم يعد هناك المزيد من الموسيقى في العالم”.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.