الفلسطينيون يخشون من التصعيد بعد الاقتحام الإسرائيلي الواسع لمخيم جنين

مواطنون يمرون بجوار سيارة مدمرة في مخيم جنين

BBC
انسحبت القوات الإسرائيلية من جنين خلال الليل بعد هجوم عُد الأكبر الذي تشنه على مخيم جنين للاجئين منذ عشرين عاماً

تبدو الأجواء العامة في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين شبيهة بأجواء شهدتُها في مكان آخر- وهذا المكان هو غزة بعد الحروب مع إسرائيل.

لكن هذه هي الضفة الغربية المحتلة، حيث القوى المحركة مختلفة تماماً. والآن يبدو وكأن انحداراً سريعاً إلى شيء ما أكثر خطورة في طريقه إلى الحدوث.

الدمار في المخيم هائل. فإسرائيل أطلقت صواريخ من طائرات مُسيّرة- الغارات الجوية لم تُستخدم في الضفة الغربية منذ عقدين- ومزقت شوارع لتطهيرها مما قالت إنها قنابل زرعها المسلحون على جانبي الطرقات. واندلعت معارك ضارية بالأسلحة بين القوات الإسرائيلية والمسلحين الفلسطينيين.

وتدفق آلاف المواطنين إلى الشوارع لرؤية الدمار بأنفسهم بعد أن شعروا الآن بالأمان للمرة الأولى منذ الأحد الماضي.

لقد تسلقوا فوق الأنقاض، والتقطوا صوراً بهواتفهم النقالة للدمار وقارنوا بين التجارب، مشيرين إلى المنازل التي اقتحمت واعتقل أبناؤها وإلى الأماكن التي سقط فيها القتلى. أحد الرجال سار نحوي وقال إن المنظر يذكره بالصور التي وردت من تركيا وسوريا في وقت سابق من هذا العام بعد الزلزال.

سكان مخيم جنين للاجئين يتفقدون حجم الدمار الذي خلفه الهجوم الإسرائيلي

BBC
الأمم المتحدة قالت إن هناك دماراً هائلاً لحق بشبكات المياه والكهرباء في المخيم

لقد سُحقت السيارات التي كانت متوقفة على جانبي الطرق وألقي بها جانباً بعد أن اقتلعت من طريق الجرافات الإسرائيلية المدرعة من طراز “دي9”. رصيف الشارع محطم وتنتشر قطع منه في كل مكان على شكل كتل ضخمة. مشينا فوق ما كان تحت الشوارع: الحصى والرمل والغبار.

والكثير من المنازل ليس فيها ماء ولا كهرباء. ومتطوعو الإغاثة يجلبون صناديق مملوءة بزجاجات المياه. وينضمون إلى العاملين على رفع الأنقاض- حيث يقود البعض منهم الحفارات القليلة المتوفرة.

وكانت الأرتال المدرعة الإسرائيلية قد انسحبت خلال الليل وسط معارك بالأسلحة النارية مع المسلحين. وعلى الرغم من الهدوء الذي ساد اليوم، إلا أن الجميع يخشى من أن المزيد في طريقه إليهم. فإسرائيل تقول إنها ستواصل هذا النوع من العمليات “طالما اقتضت الضرورة من أجل اقتلاع الإرهاب” بينما تدّعي الجماعات المسلحة الفلسطينية تحقيق “الانتصار” وتتعهد بالانتقام.

واصلنا طريقنا عبر المخيم وبدأت مراسم تشييع جنازات القتلى. وعلت حناجر الآلاف من المعزين بالهتافات بينما كانوا يحملون نعوشاَ ضمت جثث بعض من الفلسطينيين الـ 12 الذين قتلوا منذ الاثنين. أربعة منهم كانوا في عمر أقل من 18 عاماً. وقالت إسرائيل إنها كانت تستهدف المسلحين.

آلاف الفلسطينيين في جنازة القتلى الذين سقطوا في العملية الإسرائيلية

BBC
الآلاف انضموا إلى جنازات الفلسطينيين الـ 12 الذين قتلوا في العملية الإسرائيلية

وانضمت صفوف طويلة من الأشخاص إلى مراسم التشييع. وأثناء سيرهم، كان بعض الرجال مقنعين ويحملون الأسلحة، بينما ارتدى آخرون عصابة الرأس الخاصة بحركة الجهاد الإسلامي ورفرفت رايات حركة حماس فوق مبنى مجاور. وسيطر الغضب على الحشود عندما كانت تشق طريقها نحو منازل القتلى، حيث تنتظر أمهاتهم وزوجاتهم.

لكن إطلاق النار- في العلن على الأقل- بدا أقل كثافة مما كان في جنازات سابقة.

كنت آتي إلى جنين بشكل متكرر خلال العام ونصف العام المنصرمين، حيث تشكل جيل جديد من المسلحين الفلسطينيين الذين يرفضون القيادة الفلسطينية الهرمة ويطلقون النار على الجيش الإسرائيلي خلال مداهماته المتصاعدة للمدينة.

وهذا جيل يعتقد بأن السلطة الفلسطينية الرسمية باعت مستقبله وأصبحت مجرد شركة أمنية تعمل لصالح الاحتلال العسكري الإسرائيلي، الذي يُؤمّن المستوطنات الإسرائيلية التوسعية في الضفة الغربية، التي بُنيت على الأراضي الفلسطينية التي يريدونها لإقامة دولتهم المستقبلية، والتي تعتبر غير شرعية وفق القانون الدولي.

جدار مدمر عليه ملصق لمسلح فلسطيني

BBC
جنين هي مدينة خرجت بالفعل من نطاق سيطرة السلطة الفلسطينية

إطلاق نار أقل اليوم، لكن الإحباط يزيد. وخلال الليلة الفائتة، اشتبك شبان فلسطينيون أيضاً مع قوات الأمن الرسمية التابعة للسلطة الفلسطينية. وجنين هي مدينة خرجت بالفعل عن نطاق سيطرتها المحدودة.

والآن تخضع البقايا المؤسساتية لثلاثة عقود من عملية السلام في الضفة الغربية المحتلة لاختبار صمود أمام الدمار.

وتقول إسرائيل إنها ستواصل اقتلاع ما تصفه بـ “ملجأ الإرهاب” في جنين، لكن الفصائل الفلسطينية المسلحة تقول إنها ستكثف أنشطتها. فقد وصفت حركة الجهاد الإسلامي عملية الصدم بالسيارة والطعن في تل أبيب الثلاثاء والتي خلفت سبعة جرحى في صفوف الإسرائيليين بأنها “الرد الأول” على ما كان يجري في جنين.

كما أن العنف المتنامي يعتبر مؤشراً آخر على انهيار أي أفق سياسي. ويخشى البعض من أن المدن الفلسطينية في الضفة الغربية ستشهد المزيد من الهجمات العسكرية المكثفة وعمليات القمع- بحيث تصبح أكثر شبهاً بمحنة السكان في قطاع غزة، الذي تحكمه حركة حماس وتحاصره إسرائيل.

ويرفض الكثير من الفلسطينيين قيادتهم المعترف بها دولياً ويدعمون المقاومة المسلحة، بينما تظل إسرائيل في قبضة أكثر الحكومات التي عرفتها تطرفاً على الإطلاق، والتي تعهدت بتوسيع ما تصفه بالحقوق اليهودية الحصرية في الأرض كلها.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.