مظاهرات فرنسا: السلطات الفرنسية تجاهلت عنف الشرطة العنصري منذ عقود والآن تدفع الثمن – الغارديان

الشرطة الفرنسية

AFP
لجأت الشرطة الفرنسية إلى مواجهات عنيفة مع متظاهرين في عدة مناسبات في السنوات القليلة الماضية

سيطرت التظاهرات وأعمال الشغب التي اجتاحت فرنسا منذ أربعة أيام ولاتزال مستمرة على اهتمام الصحف البريطانية بشكل ملحوظ.

ففي صحيفة الغارديان، كتبت رقية ديالو مقال رأي بعنوان “فرنسا تجاهلت عنف الشرطة العنصري منذ عقود، والآن تدفع ثمن ذلك بالتظاهرات”.

وتقول الكاتبة إنه منذ أن انتشر فيديو القتل الوحشي للفتي نائل، البالغ من العمر 17 عاما، على يد ضابط شرطة بالرصاص ومن مسافة قريبة، على نطاق واسع، أضحت الشوارع والمباني السكنية في العديد من الأحياء الفرنسية الفقيرة في حالة تمرد مفتوح.

وتضيف الكاتبة أن لسان حال وسائل الإعلام الدولية ربما كان “فرنسا تواجه لحظة جورج فلويد”، وكأننا استيقظنا فجأة على قضية عنف الشرطة العنصري. وتعكس هذه المقارنة الساذجة في حد ذاتها إنكارا للعنف العنصري المنهجي الذي كان ملازما لعقود من الزمن للشرطة الفرنسية.

ففي 2005، تروي الكاتبة، وقع حادث مشابه لثلاثة مراهقين مات اثنين منهم بالصعق الكهربائي بعد ان لجأوا إلى محطة كهرباء فارغة هربا من ملاحقة الشرطة، التي طاردتهم دون أن يرتكبوا أي خطأ، بينما أصيب الثالث بحروق مروعة وإصابات غيرت حياته.

واشتعلت النيران في فرنسا لأسابيع بسبب أعمال الشغب التي أعقبت ذلك – وهي الأسوأ منذ سنوات. ولكن كما هو الحال الآن، مع وفاة نائل، كان رد الفعل الإعلامي والسياسي الأولي في عام 2005 هو تجريم الضحايا، والتدقيق في ماضيهم، كما لو أن أيا من ذلك يمكن أن يبرر موتهم الفظيع، كما تقول الكاتبة.

وتنقل الكاتبة عن نيكولا ساركوزي، الذي كان وزيرا للداخلية في ذلك الوقت، قوله الذي لطخ ذكرى الفتيان الذين أدى خوفهم إلى موتهم: “إذا لم يكن لديك ما تخفيه، فلن تهرب عندما ترى الشرطة”.

وتوضح أن عدد حالات وحشية الشرطة تتزايد بلا هوادة كل عام. في فرنسا، وفقا لمنظمة للمدافعين عن الحقوق، فإن الشباب الذين يُنظر إليهم على أنهم من السود أو من أصل شمال أفريقي أكثر عرضة بنسبة 20 مرة لعمليات التحقق من الهوية من قبل الشرطة مقارنة بباقي السكان. ونددت تلك المنظمة بعدم وجود أي مراجعة ضد نظام التحقق من الهوية باعتباره شكلاً من أشكال التمييز المنهجي من قبل الشرطة.

كما أدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، في عام 1999، فرنسا، التي يفترض أنها مهد حقوق الإنسان، بسبب التعذيب، بعد الاعتداء الجنسي على شاب من أصل شمال أفريقي من قبل الشرطة. وفي عام 2012، قالت هيومن رايتس ووتش إن “نظام التحقق من الهوية مفتوح للانتهاكات من قبل الشرطة الفرنسية، وتنطوي هذه الانتهاكات أحيانا على الإساءة الجسدية واللفظية”.

والآن، بعد وفاة نائل، حثت هيئة حقوقية تابعة للأمم المتحدة فرنسا على معالجة “المشاكل العميقة للعنصرية والتمييز العنصري” داخل وكالات إنفاذ القانون.

وعلى الرغم من إدانة المحاكم للدولة الفرنسية بسبب “الإهمال الجسيم”، والحكم عام 2016 بأن “ممارسة التنميط العرقي كانت حقيقة يومية في فرنسا تندد بها جميع المؤسسات الدولية والأوروبية والمحلية، والالتزامات التي تم التعهد بها من قبل السلطات الفرنسية على أعلى مستوى، إلا أن هذه النتيجة لم تؤد إلى أي تدابير إيجابية”، وفقا للكاتبة.

بل إن لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز العنصري، شجبت في ديسمبر/ كانون الأول 2022، الخطاب العنصري للسياسيين وعمليات التحقق من الهوية التي تمارسها الشرطة “التي تستهدف بشكل غير متناسب أقليات معينة”.

وعلى الرغم من كل ذلك، تقول الكاتبة باستغراب، لا يزال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يعتبر استخدام مصطلح “عنف الشرطة” أمرا غير مقبول. وعلى الرغم من أنه هذه المرة أدان بشكل قاطع ما حصل لنائل ووصفه بأنه “غير مقبول”، تخشى الكاتبة أن يتم التركيز على ضابط شرطة واحد، بدلاً من التشكيك في المواقف والهياكل الراسخة داخل الشرطة التي تكرس العنصرية. ولم يؤد أي من التقارير والأحكام القضائية إلى أي إصلاح ذي مغزى للشرطة كمؤسسة، كما ترى الكاتبة.

مسيرة

Reuters
باريس شهدت مسيرة تطالب بالعدالة لنائل

وزاد الطين بلة، بحسب الكاتبة، القانون الذي صدر عام 2017 وسهل لجوء الشرطة إلى استخدام الأسلحة النارية بحجة الدفاع عن النفس. ومنذ هذا التغيير في القانون، وفقا للباحث سيباستيان روشيه، زاد عدد حوادث إطلاق النار المميتة ضد المركبات، بمقدار خمسة أضعاف. وفي العام الماضي، قُتل 13 شخصا بالرصاص في سياراتهم.

وتخلص الكاتبة إلى أن جرائم الشرطة هي السبب الجذري للعديد من الانتفاضات في المناطق الحضرية الأكثر فقراً في فرنسا، وهذه الجرائم هي التي يجب إدانتها أولاً. فبعد سنوات من المسيرات والعرائض والرسائل المفتوحة والطلبات العامة، لا يجد الشاب الساخط أي طريقة أخرى لسماعه سوى أعمال الشغب.

“الأمور تزداد سوءاً”

وفي صحيفة الإندبندنت كتب أنثوني كوثبيرتسون مقالا بعنوان “خوف من عدم انتهاء أعمال الشغب في جميع أنحاء فرنسا بعد قتل الشرطة لمراهق: “الأمور تزداد سوءاً”.

ويقول الكاتب إن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حث الآباء على إبقاء أبنائهم المراهقين في المنزل. بينما تدرس حكومته “جميع الخيارات” لاستعادة النظام بعد أن أضرم مثيرو الشغب النار في سيارات ومبان ونهبوا متاجر في جميع أنحاء البلاد في ثالث ليلة من أعمال العنف، التي اندلعت بسبب قتل الشرطة لمراهق أثناء توقيف مروري في إحدى ضواحي باريس.

كما قال إنه سيطلب من منصات التواصل الاجتماعي إزالة لقطات الشغب “الأكثر حساسية”، قائلا إنها تغذي العنف. ولم يحدد ما كان يدور في خلده لكنه قال: “أتوقع روح المسؤولية من هذه المنصات”.

وعندما سئلت رئيسة الوزراء، إليزابيث بورن، خلال زيارة إلى إيفري كوركورون خارج العاصمة باريس، عن إمكانية إعلان حالة الطوارئ، قالت إن “كل الخيارات” مطروحة على الطاولة وإن “الأولوية هي ضمان الوحدة الوطنية وطريقة القيام بذلك هي استعادة النظام”.

كما طالب وزير الداخلية، جيرالد دارمانين، السلطات المحلية بوقف حركة مرور الحافلات والترام من الساعة 9 مساء في جميع أنحاء البلاد، بينما حظرت السلطات في مدينة مرسيليا الجنوبية، ثاني أكبر مدينة في فرنسا، التظاهرات العامة يوم الجمعة وقالت إن جميع وسائل النقل العام ستتوقف عند الساعة 7 مساءً بالتوقيت المحلي.

وأصيب أكثر من 200 شرطي، بعد أن تم نشر 40 ألف ضابط في عشرات المدن. وقالت وزارة الداخلية إن 79 موقعا للشرطة تعرض للهجوم خلال الليل، فضلا عن مئات المباني. كما تم استدعاء خدمة الإطفاء لأكثر من 6000 حريق في جميع أنحاء البلاد. وأضرمت النيران في المتاجر والمركبات في ضاحية نانتير بباريس، التي أطلق شرطي النار فيها على نائل، وقتله أثناء توقيف مروري يوم الثلاثاء – مع قلق السكان من تصاعد الاضطرابات.

وفرض عدد من المدن حول باريس حظر تجول كلي أو جزئي أثناء الليل، في حين توقع تقرير استخباراتي للشرطة تم تسريبه إلى وسائل الإعلام الفرنسية حدوث “عنف واسع النطاق خلال الليالي القادمة”.

وأدى مقتل نائل إلى ظهور مظالم بشأن التنميط العنصري وعنف الشرطة. ففي العام الماضي، قُتل 13 شخصا بالرصاص أثناء توقيف مروري في فرنسا، وكان حادث قتل نائل هو الثالث حتى الآن خلال هذا العام. وتظهر أرقام من وكالة رويترز أن غالبية الضحايا من السود أو من أصول عربية.

وقال مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إن الاضطرابات الحالية في فرنسا تمثل فرصة للبلاد “لمعالجة القضايا العميقة للعنصرية في تطبيق القانون”.

لكن الحكومة الفرنسية قالت ردا على ذلك إن “أي اتهام بالعنصرية أو التمييز المنهجي في قوة الشرطة في فرنسا لا أساس له من الصحة على الإطلاق”.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.