رسائل من السودان: أصوات تنقل مآسي الحرب إلى أثير الإذاعة

السودان

BBC
البث الإذاعي الخاص منصة للسودانيين للحديث عن الأوضاع الإنسانية التي يعيشونها في ظل القتال

لا تتوقف إشعارات هاتف برنامج “للسودان سلام” الذي يبثه راديو بي بي سي عربي، عن التنبيه بوصول مئات الرسائل الصوتية والنصية التي يبعث بها السودانيون إلى البرنامج عبر رقم خاص.

يروي السودانيون للعالم قصص معاناتهم اليومية والمآسي التي يعيشونها في ظل استمرار المعارك الشرسة بين طرفي الصراع، وينادون بوقف القتال الذي أودى بحياة المئات ودفع بالآلاف إلى النزوح عن منازلهم داخل البلاد وعبر الحدود، إلى البلدان المجاورة بحثاً عن الأمن والأمان.

“نستمع إليكم قبل أن تستمعوا إلينا”

وكانت بي بي سي عربي قد أعلنت إيقاف خدمة البث عبر الأثير في يناير/كانون الثاني من العام الحالي، وتحويل بعض برامجها إلى المنصات الرقمية بهدف تعزيز تفاعلها مع جمهورها في جميع أنحاء العالم العربي.

لكن، بعد اندلاع العنف في السودان قبيل شهرين، أعادت الإذاعة – التي لها باع طويل في تغطية الصراعات التي اندلعت في جميع أنحاء العالم – إطلاق برنامج خاص بالسودان، بغية تغطية أحداث الحرب وإتاحة منصة للسودانيين لإيصال صوتهم.

سمية ونجلاء وحكيم وغيرهم كثيرون، ممن تتردد أسماؤهم في غرفة الأخبار، يروون عبر رسائلهم الصوتية كيف تأثروا بالحرب.

“نداء استغاثة”

رسائل عديدة، وصلت إلى البرنامج، تتحدث عن جرائم الاغتصاب التي تستهدف النساء.

من الصعب معرفة عدد الضحايا، لكن أطباء في الخرطوم يخشون من أن كثيرا منها، لا يبلغ عنها.

تقول طبيبة في مستشفى بحري في العاصمة الخرطوم: “هناك خمس حالات اغتصاب، استطعنا التواصل معهن، ونحاول توفير العلاج لهن، لكن هناك حالتان لم نستطع التواصل معهما بعد”. نبرة صوتها في الرسالة توحي بخطورة الوضع.

“لم نستطع أن نصبر على هذا الوضع. نحاول إيصال هذه الحالات إلى قسم التوليد للكشف عليهن لكن مشكلتنا في بحري، تكمن في صعوبة توفير العلاج اللازم”.

ما يثير المخاوف هو أن هذه الظاهرة ليست جديدة، إذ سبق واتُهمت الجماعات المسلحة بسلسلة من الاغتصابات والانتهاكات خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة في السودان التي بدأت في نهاية عام 2018.

كما اتهمت ميليشيا الجنجويد، التي كان يقودها حميدتي، سابقاً، باستخدام الاغتصاب كسلاح في الحرب التي استمرت عقدين في دارفور.

يتابع فريق “للسودان سلام” القضية للوصول إلى المزيد من معلومات عن مدى انتشار هذه الجريمة.

كيف تحولت أحياء سكنية في الخرطوم إلى “مقابر”؟

أفراد من الجالية السودانية في بريطانيا يطالبون الحكومة بإعادة أقاربهم

تقول سليمة إسحاق، رئيسة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة ،في مكالمة هاتفية مع البرنامج : “أكثر الحالات موجودة في منطقة بحري. أعمار الفتيات التي تأتينا تتراوح ما بين 12 إلى 18 عاماً. نحاول الوصول إلى الحالات وتوثيقها عن طريق شهود العيان والمعطيات الموجودة، لكن الأرقام التي توصلنا إليها أقل بكثير من العدد الفعلي، قد تشكل 2 بالمئة فقط من مجمل ما يحدث” .

وتوضح سليمة إسحاق أن “الوحدة لا تقدم خدمات مباشرة لكن تحاول تنسيق توفير الدعم الصحي والنفسي عبر المجتمع المدني وبمساعدة أفراد متخصصين يقدمون الدعم النفسي عبر الهاتف في حال وافقت الناجية، إذ أن بعضهن لا يرغبن بأي نوع من التواصل. بالنسبة لهن، الدعم الصحي هو أقصى حاجاتهن.

الأولوية دائماً هي تقديم الحد الأدنى من العلاج لآثار الاعتداءات الجنسية، من قبل مساعد طبي أو أي كادر طبي، خلال 48 ساعة. وإذا كانت هناك آثار أخرى مثل النزيف، يجب أن يتدخل طبيب”

“هناك حملات من أجل نشر التوعية، لكن ليست جميع حالات التعدي تحصل في الخارج. والظروف حاليا صعبة في الخرطوم، كل شيء يسير بشكل فوضوي. الآن نحاول التركيز على التوعية حول كيفية الوصول إلى المساعدة في حال حدوث اعتداء ما” .

“جمود في الحياة”

يقول مبارك، وهو عامل مياومة في الخرطوم: “الوضع صعب وحرج للغاية. كنا في السابق نوفر بعض المال، أما الآن، نفد كل شيء. لا توجد فرص عمل والأسواق في حالة جمود. لدي أطفال ويعيش معي إخوتي وأمي أيضاً، أنفقت كل مدخراتي”.

يعول مبارك على التضامن بين سكان حيه لتوفير مستلزمات العيش، لكن نبرة صوته لم تخف القلق الذي ينتابه حول مستقبل عائلته في حال نفد مدخراتهم من الطعام الأساسي.

الحرب أثرت على كل جوانب الحياة في السودان، وتواجه المنظمات صعوبات في تقديم المساعدة للمدنيين، الذين يعانون أيضاً من انقطاع التيار الكهربائي ونقص الإمدادات في المتاجر والصيدليات.

ولعل المرضى في السودان هم الأكثر تضرراً، ثمانية أسابيع من القتال، والعبء الأكبر بات على مستشفيات البلاد. في الخرطوم لم يتبقَ سوى ستة مستشفيات فقط في الخدمة من بين 88 مستشفى.

الكثير من الرسائل التي تلقاها فريق “للسودان سلام” تسلط الضوء على مأساة المرضى الذين يعانون من فشل الكلى، وبحاجة إلى عمليات غسيل منتظمة لكنهم يجدون صعوبات في التنقل إلى المستشفيات ومراكز العلاج، وهذا إن وجد.

“الدواء حالياً شبه معدوم، لم أستطع الحصول عليه من أجل شقيقي. لحسن حظي التقيت بشخص يعاني من نفس المرض في الصيدلية، فمنحني بعضاً من أدويته التي كنت أبحث عنها. نحتاج مساعدة من أي جهة كانت لتوفير الدواء الضروري”. تقول نجلاء مستغيثة.

يتبادل الجيش وقوات الدعم السريع الاتهامات بشأن الأزمة الإنسانية، متهمين بعضهما البعض بالهجوم على المستشفيات واستخدام المناطق المدنية كدروع بشرية وعرقلة عبور المساعدات. وبينما يستمر القتال، يجد السودانيون أنفسهم عالقين وسط أزمة تزداد سوء يوما بعد يوم.

علاقة وطيدة بإذاعة بي بي سي

تقول زميلتي ميس باقي التي تابعت قصص العديد من السودانيين الذين تواصلوا مع البرنامج: “تفاعلهم وثقتهم من أكثر الأمور التي تأثرت بها، فبالرغم من صعوبة الاتصالات، إلا أنهم يشاركونك تفاصيل عن حياتهم لأنهم يثقون بأنك تصغي إليهم وتوصل صوتهم”.

ولطالما حظيت إذاعة بي بي سي عربي، التي تأسست عام 1938، بمكانة مرموقة لدى المستمعين السودانيين على مر العقود. وبالرغم من قرار وقفها، كان من الضروري أن يعود البث في السودان الذي تواجه الكثير من مناطقه نقصا في خدمات الإنترنت وصعوبة في الوصول إلى المعلومة.

يذاع برنامج “للسودان سلام” يوميا لمدة نصف ساعة، صباحا في السابعة بتوقيت غرينيتش على الموجة القصيرة 21510 KHZ، ومساء في الثالثة بتوقيت غرينتش على الموجة القصيرة 15310 KHZ. ويمكن الاستماع لأحدث بث على موقع بي بي سي نيوز عربي.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.