بي بي سي: كيف تابع سجناء مصريون الإذاعة خلف القضبان؟

إسماعيل الإسكندراني

BBC
أمضى إسماعيل 7 سنوات في السجن بعدما أدانته محكمة عسكرية ببث أخبار كاذبة، وحكمت عليه بالسجن لمدة 10 سنوات، قبل أن يخفف الحكم عليه مؤخرا لـ7 سنوات.

“بعد دقيقتين من العاشرة والنصف مساء، كنت أجلس في الزنزانة وحدي، وسمعت صياحا في الزنازين القريبة. كانوا يهتفون باسمي. قال لي أحدهم: مبروك يا إسماعيل، ستخرج من السجن قريبا. سألتهم عن مصدر الخبر، فعلمت أنه ورد للتو عبر إذاعة بي بي سي”. يحكي إسماعيل الإسكندراني، الصحفي المصري الذي أطلق سراحه من السجون المصرية قبل أسابيع.

أمضى إسماعيل سبع سنوات في السجن بعدما أدانته محكمة عسكرية ببث أخبار كاذبة، وحكمت عليه بالسجن لمدة عشر سنوات، قبل أن يخفف الحكم عليه مؤخرا لسبع سنوات.

يقول “علمت أن إذاعة بي بي سي ستغلق، وسيختفي معها بصيص الأمل والنور الذي كان يضيء الظلام الذي يعيش فيه السجناء. سيفتقدون بي بي سي، ليس لأنها أفضل إذاعة في العالم، ولكنها الأفضل في عالمهم”.

بي بي سي عربي الأكثر انتشارا بين خدمات بي بي سي العالمية، حسب إحصاء حديث

بي بي سي عربي من “هنا لندن” إلى العصر الرقمي

بالصور: حكاية مبنى بوش هاوس الذي احتضن بي بي سي عربي لعقود

في 27 من يناير كانون الثاني الحالي، تتوقف إذاعة بي بي سي عربي عن بث برامجها عبر موجات الراديو، في إطار خطة للتحول للبث الرقمي وتوفير النفقات.

علاقة وطيدة

حظيت إذاعة بي بي سي عربي بمتابعة حثيثة داخل السجون المصرية، إذ أخبرنا كثير من سجناء الرأي الذين أطلق سراحهم في مصر في الآونة الأخيرة، أن بي بي سي كانت نافذتهم الوحيدة على العالم.

لم يكن الوصول لموجات إذاعة بي بي سي عربي على الراديو أمرا يسيرا، فقد كانت تبث في مصر عبر الموجة القصيرة، التي عادة ما يصاحبها بعض التشويش، ويصعب التقاطها إلا في أوقات معينة من اليوم.

الوقت الأفضل لالتقاط الإشارة، عادة ما كان في وقت متأخر من الليل، أو في الساعات الأولى من النهار.

في مناسبات عديدة، حكى لنا سجناء سابقون عن استيقاظهم من النوم فجرا لسماع برنامج العالم هذا الصباح، الذي كان يستمر 4 ساعات، وهو أطول برنامج يبث الأخبار عبر راديو بي بي سي عربي.

مهمة عسيرة .. لكن البعض نذر نفسها لها

“الوصول لإشارة بي بي سي كان أمرا مجهدا، ولم أكن أفعله عادة. كنت أنتظر الآخرين ليخبرونا بملخص الأخبار، فهناك من نذر نفسه لهذه المهمة”، يقول إسماعيل.

في الأشهر الأخيرة نقلت السلطات المصرية عددا كبيرا من السجناء إلى ما تعرف بمراكز الإصلاح والتأهيل، والتي بنيت في مناطق صحراوية، بدلا من السجون التي حبسوا فيها داخل القاهرة وباقي المحافظات.

منذ ذلك الوقت، صار التقاط بث بي بي سي أصعب، حيث كان سُمك الجدران في تلك السجون يجلب المزيد من التشويش. يقول الإسكندراني “كنا نلف أوراق الألومنيوم ونوصلها بجهاز استقبال الراديو، ونمرر أوراق الألومنيوم من بين طبقتين من الأسلاك الشائكة تغطيان النافذة، وبينهما قضبان حديدي، ثم نرفع جهاز الراديو قرب الشباك”.

ويرى إسماعيل أن بي بي سي منحت السجناء ما هو أهم من الأخبار والبرامج. “من أصعب ما في السجن هو فصل الإنسان عن العالم الخارجي، وحجب أو انتقاء المعلومات التي تصله، بما فيها المعلومات الشخصية والعائلية المحزنة، وهذا مؤلم أكثر من وصول الأخبار، لأنه يشعرك أنك ميت. لكن أن تصل إذاعة للسجناء في هذا القبر المؤقت الذي يدفنون فيه، كان بمثابة أنبوبة أكسجين، تمدهم ببعض أسباب الحياة”.

“لولا أن راديو بي بي سي عربي سيتم إيقافه، لم أكن لأحكي هذه الحكاية، لأن أبسط إجراء سيتخذ هو مصادرة كل أجهزة استقبال الراديو من المساجين”، يتابع إسماعيل.

مصدر ثقة

لم تكن بي بي سي مصدر الأخبار الوحيد داخل السجون المصرية، وفقا لما حكاه سجناء سابقون. فالصحف وقنوات التلفزيون الحكومية تتاح أحيانا في بعض السجون.

لكن الوصول لهذه الوسائل غالبا ما كان حكرا على غير السياسيين، وفقا لإسماعيل الإسكندراني. حتى في حال توافرها، “فالسجناء السياسيون عادة لا يثقون بوسائل الإعلام الحكومية. لكن بي بي سي كانت مصدر ثقة بالنسبة لهم، على الأقل لم تكن مصدر شائعات، ولم تكن تتلاعب بعقولهم”.

أفق جديد

قبل حبسه، عمل الاسكندراني صحفيا استقصائيا وباحثا متخصصا في علم الاجتماع السياسي، وتركزت كتاباته حول شؤون الجماعات الإسلامية والجماعات المهمشة في المناطق النائية مثل النوبة وسيناء.

يؤمن إسماعيل أن الأخبار المهمة ستظل تصل إلى زملائه في السجن، كما ستجد أخبارهم طريقها للوصول لمن هم خارج الأسوار، حتى مع إن تأخرت بعض الشيء. ويقول “نحن في عصر تنكسر فيه كل الحواجز أمام انتقال المعلومات”.

وبينما يستعد للعودة لعمله الذي انقطع عنه سبع سنوات، لا يغيب عن حديثه زملائه في السجن. “أنا حريص على مشاركة هذا الكلام لأقول لزملائي أنني لن أنساكم. ذقت ما ذاقوا، وعانيت ما عانوه. من يخرج من السجن لا ينسى تجربة السجن أبدا”.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.