“هنا لندن” تاريخ إذاعة في صفحات مكتوبة

لا يزال رفعت عبد الرزاق يحتفظ بنسخ من إصدارات مجلة "هنا لندن"

BBC
لا يزال رفعت عبد الرزاق يحتفظ بنسخ من إصدارات مجلة “هنا لندن”

لا يزال رفعت عبد الرزاق يحتفظ بنسخ من إصدارات مجلة “هنا لندن” التي كانت تصدر عن بي بي سي التي كانت تعرف آنذاك بالقسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية.

يروي رفعت عبد الرزاق لنا كيف كان والده يطلب منه شهريا الذهاب إلى مقر السفارة البريطانية في منطقة الكريمات في الجانب الغربي من بغداد آنذاك، في ستينيات القرن الماضي، للحصول على نسخ من المجلة، ومنذ ذلك الوقت أصبحت الإذاعة والمجلة جزءا من مشوار حياته الثقافية، إذ أثرت ثقافته لاحقا هو وكثير من أبناء جيله.

يصف عبد الرزاق دقات ساعة ” بيغ بن” كمنبه في منزل عائلته القديم للنهوض الصباحي، إذ كان والده من الشغوفين بهذه الإذاعة العريقة، ويقول وهو ينظر إلى راديو قديم بجانبه، إن دقات الساعة لا تزال تذكره بكافة تفاصيل منزله القديم، في بقايا منطقة الكريمات العريقة التي كانت شاهدا على سقوط بغداد بيد المغول، كما هي المجلة التي تضم في صفحاتها شواهد على تاريخ مضى.

بناء على طلبه، التقيته في شارع المتنبي وسط بغداد، شارع الثقافة وملتقى المثقفين، للحديث عن مجلة “هنا لندن”، وعندما سألته عن السبب؟ قال إن “لهذا الشارع ذكرياته الخاصة المرتبطة بالمجلة”، على ما يبدوا أن عبد الرزاق أراد أن يستحضر روح المجلة في هذا المكان، وهذا ما لمسته من صوته وهو يتحدث عن المجلة، التي تعد له ذكرى لمكان وزمان وتاريخ خاص به، وكيف كان يجلس مع رفاق قد فارق قسم منهم الوطن أو غيبهم الموت، في مقهى الشابندر الشهير في الشارع ذاته، وهم يتناقشون عن تحقيق قد قرأه عن “طاق كسرى” كما يعرف محليا.

بي بي سي عربي من “هنا لندن” إلى العصر الرقمي

مذيعو راديو بي بي سي العربي عبر العقود

كتب ذلك التقرير عبد الرزاق الهلالي، ويعد رفعت هذا التحقيق من “التحقيقات نادرة المثال عن مراحل تطوير وتجديد هذا البناء في الستينيات”

ويتابع “كان في مجلة هنا لندن كثير من الكتاب العراقيين المرموقين آنذاك، أمثال المرحوم صلاح نيازي، خالص عزمي، حارث طه الراوي، الذي كان يكتب ذكرياته مع الأدباء العرب”.

“طاق كسرى” أو إيوان المدائن هو الأثر الباقي من أحد قصور كسرى أنوشروان، ويعود إلى حقبة الإمبراطورية الساسانية، ويقع في موقع مدينة “طيسفون” بمنطقة المدائن التابعة إداريا إلى محافظة بغداد. وبُني إيوان المدائن في عهد كسرى الأول المعروف باسم “أنوشروان” بعد الحملة العسكرية على البيزنطيين عام 540، وسيطر المسلمون على المبنى عام 637 وحولوه إلى مسجد.

وهو يقلب ما تبقى من إصدارات المجلة التي يحتفظ بها، أجده يتلمس كل صفحة فيها بعناية شديدة، وكأن أحرفها طبعت على ورق غاب عن عصر الثقافة العراقية في وقتنا هذا.

يقول رفعت عبدالرزاق "من محاسن الأيام وما أقل هذه الأيام، إن تبقى في مكتبتي أعداد من مجلة هنا لندن"

BBC
يقول رفعت عبدالرزاق “من محاسن الأيام وما أقل هذه الأيام، إن تبقى في مكتبتي أعداد من مجلة هنا لندن”

وهنا يعلق عبد الرزاق، “جيلنا رغم الحروب التي شهدها والنكسات التي ألمت بوطننا الكبير بقصد هنا العالم العربي، إلا أننا عرفنا قيمة أن يكون الإنسان مثقفا، كنا نستغرق ساعات نقرأ، ونناقش ما نسمعه أن نقرأه سواء في الإذاعة أو المجلة” يتوقف قليلا ويتابع: “تعلم أن لغتي الإنكليزية جيدة إلى حد كبير، بسبب برنامج كنت أحرص على سماعه، وقرأته في المجلة، يطلق عليه “تعلم الإنكليزية مع بي بي سي”.

وفجأة يبتسم، ويقول من محاسن الأيام وما أقل هذه الأيام، إن تبقى في مكتبتي أعداد من مجلة هنا لندن، في السبعينات وقبل السبعينيات، وعندما أتصفح هذه المجلة هذه الأيام أجد الجهد الكبير في إخراج هذه المجلة بهذه اللغة، ما نسميه اللغة المانعة الجامعة، بأسلوب بسيط وبحروف جميلة.

رائدات بي بي سي عربي: نساء كسرن النمطية وتحدين التابوهات

من الشخصيات التي استضافتها بي بي سي عربي في عقودها الثمانية؟

ومن الإعداد التي لايزال يحتفظ بها عدد خاص بمناسبة العدد 500 مجلة هنا لندن وبمناسبة الذكرى الخميس لتأسيس القسم العربي في إذاعة لندن في هذا العدد الجليل صور لأعضاء القسم العربي سهام الكرمي، وهاني العربي، وفاروق الدمرداش، وفاطمة عزوز، وآخرين.

ويختتم حديثه بحسرة كما بدأه، القسم العربي في إذاعة لندن قدم للثقافة العربية الكثير من الفوائد العامة، وأنا متأسف جدا لأغلاق إذاعة لندن بعد هذا التاريخ الطويل، التاريخ الفكري والإعلامي الذي لا يضاهى.

أمامي الآن صور القائمين على القسم العربي، وأتذكر ما قدمته هذه الإذاعة في تاريخيها الزاهر من فوائد جليلة للمستمع العراقي، أنا أتحدث كمستمع عراقي، ولكنني متأكدا، أن إذاعة لندن في سائر البلدان العربية هي الإذاعة الأولى، وخبر إغلاقها مفجع بالنسبة لهم كما هو لنا.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.