غضب في الأردن من حملة دعاية متهمة بإهانة المرأة والرجل والأسرة الأردنية

GETTY/BBC

رصد أردنيون في العاصمة عمان قبل يومين إعلانا على ظهر حافلة نقل عمومي لشركة تنتج أرزا يعد أصحابه المرأة بأن زوجها لن يطلقها إذا استخدمت منتجهم.

أثار الإعلان حالة استهجان وغضب بين الأردنيات والأردنيين الذين رأوا فيه إساءة وإهانة للمرأة والرجل على حد سواء.

وقال معهد تضامن المرأة الأردني في بيان تنديد إن الإعلان “مسيئ لمنظومة الزواج ويستهتر بالقيم والروابط الأسرية”.

و إن فيه “تسخيف فاضح وواضح للعلاقات الأسرية والقيم المجتمعية التي تدعو الى تعزيز مكانة الرجل والمرأة داخل وخارج الأسرة”.

وطالب المعهد بإزالة الإعلان ومحاسبة المسؤولين عنه باعتباره مخالفا للقوانين المنظمة للإعلانات في الأردن ومخالفا أيضا “للاستراتيجية الوطنية للمرأة” التي تهدف إلى “مجابهة المفاهيم النمطية لأدوار النساء والرجال”.

https://twitter.com/SIGI_Jordan/status/1505521352412966916

وندد مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي في الأردن بالإعلان ودعا بعضهم إلى مقاطعة الشركة المنتجة.

“إهانة للمرأة والرجل والأسرة”

وتعددت أسباب الهجوم على الإعلان وأصحابه، إذ رفضه من رأى فيه إهانة للمرأة بأشكال مختلفة بدءا بالتنميط وربط قيمتها ودورها في حياة أسرتها بالطبخ باعتباره “واجبها” و “شرط قبول الرجل لها زوجة”. وهي الصورة النمطية التي تعمل منظمات وأفراد جاهدة منذ سنوات على محاربتها ومحوها من وعي المجتمع أو لا وعي أفراده ليرتقي إلى معاملة المرأة معاملة فرد من المجتمع بغض النظر عن الجنس أو التصنيف الجندري لا على أساس أي دور مسند لها في الحياة بحكم العادات والأعراف.

ورأى فيه الرافضون له إهانة للرجل الذي يصوره الإعلان منساقا وراء “بطنه” يحكّمه في قرارات مصيرية في حياته وحياة أسرته.

واعتبره آخرون مهينا لقيم الحياة الأسرية وللعائلة بشكل عام إذا يشير في معناه إلى أن الحياة الأسرية مرتكزة على إجادة المرأة للطبخ أو رضا زوجها على مذاق ما تصنعه من أكل.

واتفق كثير من المتفاعلين مع الموضوع على أن الإعلان يضم كل ما سبق.

https://twitter.com/CdfjNidal/status/1505641849037410304

ليس من الواضح بعد إذا ما كان منتجو الإعلان قد غفلوا عما يحمله شعار حملتهم من معان أو أنهم تعمدوا إثارة الجدل متبعين مبدأ “الدعاية السيئة هي دعاية جيدة” أي أن الجدل والهجوم على الإعلان متوقع ومقصود لزيادة التعريف بالمنتج.

فقد رفض مكتب الدعاية التابع للشركة المنتجة التعليق على الجدل عندما اتصل به فريق من بي بي سي نيوز عربي. وقال إنه سيرد لاحقا.

وكانت المخرجة والمدونة، ولاء حمدان، قد نشرت تعليقا على تويتر تقول فيه إنها اتصلت بالشركة المسؤولة عن المنتّج وإن الموظف الذي أجاب على اتصالها قال إنه يرى الأمر “نكتة عادية غير مؤذية” وتعهد بمراجعة الإدارة في الأمر.

المزاح وتطبيع التمييز ضد النساء

من الواضح أن الجملة المستخدمة بدت لصناع الإعلان “طريفة”.

وقد كان هذا أيضا منطلق دفاع بعضهم عن الإعلان وهو أنه أسلوب معتمد في الدعاية يقوم على السخرية والفكاهة ولا يرى فيه كثيرون ضيرا باعتباره “مزاحا لا تقصد به إهانة.”

هذه ليست المرة الأولى، ولن تكون حتما آخر مرة، يرد فيها بعضهم على الاتهام بإهانة المرأة بـ”حجة” أن “الأمر مجرد مزاح”.

وكثير من المزاح ما هو في الحقيقة إلا تطبيع.

وفي علاقة بوضع المرأة في المجتمع وصراعها مع التمييز والعنف المسلط ضدها، تلعب السخرية دورا في تخفيف خطورة إهانة المرأة والتمييز ضدها وتعنيفها في الأذهان وتسهم في ترسيخ العنف في العقول كأمر عادي شائع لا ضير فيه.

وتلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في نشر هذا العنف المغلف “بالدعابة” و “الإفيه المضحك”، لكنها تلعب أيضا دورا كبيرا في التوعية بخطورة هذا الأمر وضرورة مجابهته.

في مجملها تقوم هذه “الدعابات” على السخرية من فكرة المرأة القوية المستقلة أو تصور الأم العاملة في صورة المرأة العصبية التي لا تكترث لأبنائها قدر اهتمامها بعملها وبنفسها. وتلقى “نكات” حول “مزاج” المرأة و”الهرمونات” شعبية واسعة.

وبين كل هذا وذلك تزيد الصورة النمطية للمرأة ترسخا و تُختزل المرأة وقيمتُها في ما تقدمه للرجل وما تلعبه من دور في حياته.

ويعتبر الطبخ واحدا من أهم ركائز هذا الدور، إذا أجادته نالت الإعجاب و”نجت من الطلاق”.

المرأة في الإعلانات بين تسليع وتحديد للأدوار

قد لا يتسع المجال هنا للحديث باستفاضة عن الصورة التي ترسمها الإعلانات التجارية للمرأة منذ سنوات.

صورة ترسخت واستقرت في الأذهان لدرجة أنه أصبح من البديهي أن يكون إعلان أي منتج مرتبط بالمطبخ أو البيت والتدبير المنزلي يخاطب النساء حصرا ويستخدمهن في الإعلان.

حتى أن رؤية رجل في إعلان لمواد غذائية أو مواد تنظيف مثلا قد يبدو أمرا شاذا أو ثوريا في أحسن الأحوال.

منذ سنتين ثار جدل مشابه لجدل إعلان الأرز في الأردن بسبب حملة دعاية لسيارة اتهم أصحابها أيضا بإهانة المرأة وتسليعها.

https://twitter.com/NabilAlSharif/status/1227601304521973761

استخدمت هذه الحملة الدعائية صورة نمطية راسخة في عقول كثيرة منذ زمن تربط المرأة والسيارة وهما في إطار هذه الصورة ملكيتان خاصتان للرجل. وهذه الصورة كانت وراء إعلانات كثيرة لسيارات تكون بطلاتها بجانب السيارات نساء وبدرجات فجاجة متفاوتة تتحول المرأة في الصورة إلى سلعة تماما كالسيارة المسوّقة.

الإعلانات والدعاية التي تقوم على تنميط المرأة وتسليعها واستغلالها جسديا لا تقتصر فقط على مجتمعات عربية مازال طريق المرأة فيها للمساواة طويلا وإنما هو أيضا أمر مازال شائعا في مجتمعات “أكثر تقدما” في هذا المجال.

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.