ما هي قصة السيارات المستعملة في الجزائر؟

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون

BBC
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عين حكومة تكنوقراطيين من بينهم وزير الصناعة، فرحات آيت علي لتنفيذ برنامجه الطموح

يكاد يجمع المراقبون على أن قطاع السيارات يعد عمودا فقريا لاقتصاد الجزائر الغني بالنفط والغاز.

وقد أسال وزير الصناعة، فرحات آيت علي برهام، لعاب الجزائريين من ذوي الدخل المنخفض – الذين لا يستطيعون امتلاك سيارات جديدة – منذ أكثر من سنة، بجعلهم ينتظرون قراره النهائي بشأن ما إذا كان سيعيد تفعيل قانون يسمح للمواطنين باستيراد سيارات مستعملة أم لا.

ويعد امتلاك أي سيارة في الجزائر رفاهية بالنسبة لكثيرين. فسيارة هيونداي يدوية جي ال سي عمرها ثلاثة عشر عاما، على سبيل المثال، ستكلفك 110 مليون دينار جزائري، أي ما يربو على خمسة آلاف دولار.

هذا المبلغ يضاهي نحو 55 ضعف مقارنة بالحد الأدنى القانوني للأجر او المرتب الشهري حسب القانون المالية لعام 2020، ما يُلغي تلقائياً إمكانية امتلاك سيارة جديدة لذوي الدخل المحدود.

وقبل حوالي خمس سنوات، كان القانون يسمح للمواطنين المقيمين في الجزائر باستيراد سيارات عمرها ثلاث سنوات، أو أحدث، إلى أن قررت السلطات منع ذلك عام 2016، ما شكل خيبة أمل لكثيرين.

تبون يعود إلى الجزائر بعد رحلة علاج في ألمانيا استغرقت شهرين

السيارات المستعملة في الجزائر باهظة الثمن ليست في متناول ذوي الدخل المحدود

BBC
السيارات المستعملة في الجزائر باهظة الثمن ليست في متناول ذوي الدخل المحدود

“مجموعات مشبوهة”

ومع ذلك، دافعت السلطات عن الحظر معللة موقفها بأن جوانب من سوق السيارات تخضع لسيطرة عصابات من على كل ضفتي البحر الأبيض المتوسط، دون تقديم أي تفاصيل عن هوية هذه العصابات. .

واتهم آيت علي، في كلمته أمام مجلس الشيوخ قبيل أيام، ما سماها “الجماعات المشبوهة ذات الدوافع المشبوهة وراء هذه الحملة” لإعادة تفعيل ما يعرف محليًا بقانون “السيارات الأقل من ثلاث سنوات”، ولعودة ” الممارسات القديمة”. “.

ولم يذكر الوزير شيئا عن هوية هذه العصابات، بيد أنه قال إنها: “تعمل بشكل رئيسي بين مرسيليا والجزائر”، مضيفا أنه هو شخصيا “تعرض لضغوط ليرضخ لها، لكنهم عندما أخفقوا، توجهوا مباشرة إلى وسائل الإعلام في محاولة لممارسة المزيد من الضغط”.

فرحات آيت علي براهم خلال مقابلة مع الإذاعة الوطنية

BBC
فرحات آيت علي براهم خلال مقابلة مع الإذاعة الوطنية

لكن في اتصال مع بي بي سي نيوز عربي ، أوضح السيناتور، عبد الوهاب بن زعيم، الذي قام بمساءلة الوزير في مجلس الأمة أن “قانون استيراد السيارات الأقل من ثلاث سنوات جاهز ورئيس الجمهورية قد صادق عليه”.

السيناتور أشار إلى المادة 110 المتضمنة في قانون المالية لسنة 2020، الذي صادق عليه، مشابهة لتلك التي ألغيت قبل خمس سنوات تنص على السماح لعامة الناس باستيراد سيارات قديمة.

لكن الوزير له اعتراضات جمة على تلك المادة، إذ أصر على أن تطبيق هذا المادة كما هي حالياً غير ممكن في الوقت الحاضر بسبب عوامل “عملية وتقنية وقانونية ومالية” تجعله غير مجد اقتصاديا.

“لا ضريبة على القيمة المضافة

وأكد الوزير الذي بدا عليه الانزعاج من تحدي السيناتور، أن استيراد السيارات القديمة لن يجلب “ضريبة القيمة المضافة إلى الخزينة العمومية.”

فرد عليه السناتور بن زعيم بنبرة شديدة قائلا: “مهما كان رأيكم صائبا، فالقانون يعلو عليه، ويجب منح المواطنين الحرية ليقرروا بأنفسهم السيارات التي يريدون امتلاكها”.

كما تساءل المُشرِّع عن سبب عدم دخول هذا القانون حيز التطبيق في حين أنه “وُقِع عليه بالفعل من قبل الرئيس”.

السيناتور بن زعيم

BBC
السيناتور بن زعيم يصر على أن القانون يعلو على رأي الوزير وإن كان رأيه صائبا

عمليا، يبقى صعباً تصور كيف يمكن تطبيق هذا القانون بشكل يخدم اقتصاد البلاد، إذ أن النظام المصرفي في الجزائر لا يوفر الوسائل لإجراء مثل هذه الصفقات المالية للمواطنين العاديين.

فتحويل العملات الصعبة للعملاء في الخارج مسموح به فقط للمتخصصين في قطاع الاستيراد والتصدير “الذين يحملون سجلا تجاريا”، وفقا للوزير الذي شغل منصب مفتش ضرائب سابقا.

“السوق السوداء”

وبصوت ينم عن إحباط وتأسف، قال عضو الحكومة إن “الطريقة الأخرى الوحيدة التي يمكن للجزائري أن يستورد من خلالها سيارة مستعملة هي اللجوء إلى السوق السوداء للحصول على العملة الصعبة”.

.

ففي الجزائر، حيث لا توجد مكاتب صرف العملة، يستبدل التجار الصغار، الذين يرغبون في اقتناء سلع بكمية صغيرة من الخارج، وكذلك الأشخاص العاديون الذين يرغبون في السفر إلى الخارج للسياحة أو العلاج الطبي، دنانيرهم باليورو أو الجنيه الاسترليني أو الدولار في السوق السوداء.

منذ وصول الحكومة الجديدة بقيادة عبد العزيز جراد قبل أكثر من عام، أصبح الطلب على السيارات الجديدة شبه منعدم، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المستعملة بشكل كبير..

ويعتقد الصحفي المتخصص في سوق السياراتنبيل مغيرف، أن “تعليق استيراد السيارات الجديدة إلى جانب إغلاق مصانع تجميع السيارات الأجنبية ساهم في تفاقم وضع سوق السيارات حاليا”.

موضحا أن “رؤساء هذه الشركات يقبعون حاليا في السجن في انتظار المحاكمة، إذ تٌنسب إليهم تهم متعلقة بالتمتع بمزايا مفرطة وجرائم أخرى لها علاقة بالنظام القديم”.

الصحفي يشير هنا إلى حكم رجال الأعمال الكبار الذين يُزعم أنهم كانوا يتمتعون بنفوذ واسع على قطاع صناعة السيارات نتيجة لعلاقتهم الوثيقة مع المقربين من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة الذي أجبر على الاستقالة في أبريل نيسان 2019، في مطلع حراك شعبي ضد حكمه والمقربين منه.

أحكام مشددة بالسجن على رئيسي وزراء سابقين في عهد بوتفليقة

تبرئة السعيد بوتفليقة من تهمة “التآمر ضد الدولة” في الجزائر

“ممارسات سيئة”

بالإضافة إلى ذلك، يقول مغيرف إن “بعض الممارسات سيئة النية من قبل بعض المتعاملين في سوق السيارات” خلقت مضاربة في سوق السيارات المستعملة ” بهدف جني أقصى الأرباح”.

لكن الحكومة تصر على أنها تضع مصلحة المواطن أولاً.

من الأسباب التي سردها الوزير تلك الحالات التي “يتعذر فيها على موظفي الجمارك تحديد التاريخ الدقيق لتصنيع السيارة المستعملة المستوردة” لدى وصولها إلى الميناء في الجزائر،”.

إذ تحسر آيت علي قائلا إنه في هذه الحالة ” تحتجز الجمارك السيارة ما يعني أن صاحبها يجد نفسه في وضعية “خسر فيها السيارة ومبلغ السيارة” على حد سواء.

“السيارات المستعملة الدبلوماسية”

إلا أن بن زعيم اعترض على هذا النقطة مشيرا إلى وجود “رقابة صارمة على جودة المركبات في أوروبا للسيارات المستعملة التي تعمل لأقل من ثلاث سنوات”، مضيفا أن “تزوير وثائق السيارات في أوروبا أمر مستحيل”.

لكن القضية الأكثر إثارة خلال هذه المكاشفة تبقى ما كشفه الوزير آيت علي، مصرحاً بأن “بعض التمثيليات الدبلوماسية في البلاد كانت تستفيد من القانون” عندما كان ساري المفعول.

فحسب ما ذكره الوزير، “كان دبلوماسيون يبيعون سياراتهم المستعملة إلى المواطنين” لدى اكتمال مهامهم في الجزائر.

وبنبرة ساخرة، تساءل آيت علي “لماذا تلجأ أي تمثيلية دبلوماسية لبيع سيارة يقل عمرها عن ثلاث سنوات؟ ” قبل أن يرد على نفسه قائلا “إلا إذا كانت تريد خلق مضاربة في سوق السيارات في الجزائر”.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.