كيف يتجلى الماضي الاستعماري في القصور الريفية البريطانية؟

قد يبدو التنزه حول أحد القصور الفخمة القديمة طريقة مثالية للكثيرين لقضاء الوقت في عطلة يوم الأحد. لكن مؤسسة ناشيونال تراست الخيرية التي تدير هذه المواقع تدعو الزوار إلى النظر إليها بعيون جديدة، على أنها تمثل المنتفعين من إمبراطورية بريطانية لها ماضٍ مظلم.

لم تكن البروفيسور كورين فاولر ” تتوقع تأثير حركة السود مهمة” حين اقترحت على مؤسسة ناشيونال تراست عام 2017 تنظيم مشروع يقوده أطفال يهدف للتعريف بصلات منشآتها بالعبودية.

ففي بريطانيا، أدت الاحتجاجات المناهضة للعنصرية إلى تنامي دعوات بإزالة التماثيل التي تمجد هؤلاء الذين كانت لهم صلات بالعبودية والعنصرية. وبالفعل تمت إزالة تمثال “مُهين” لرجل أسود خارج منشأة دونام ماسي في مانشستر.

متظاهرون في بريطانيا يسقطون تمثالا لتاجر رقيق

هل ينبغي أن يتلقى السود تعويضا ماليا عن العبودية؟

كيف تواجه المتاحف البريطانية ماضيها الاستعماري تضامنا مع حركة “حياة السود مهمة”؟

وتوصلت النتائج الأولية لمشروع البروفيسور فاولر إلى أن نحو ثلث المنازل البريطانية الفخمة القديمة المدرجة على لائحة ناشيونال تراست وعددها 300 لها صلات بالعبودية.

” توقعت أن تكون الصلات ممتدة، لكنني لم أتوقع أن تكون بهذا القدر. كانت صلات وثيقة”.

تشارليكوت بارك، وارويكشير

في تشارليكوت، وهو منزل يعود تاريخ إنشائه إلى القرن السادس عشر ويقع قرب بلدة ستراتفورد أبون إيفون، توجد لوحة رسمها غودفري نيللر عام 1680 تصور توماس لوسي – مالك تشارليكوت وقتها- وخادماً أسود.

تقول البروفيسورة فاولر أستاذة الدراسات الاستعمارية في جامعة ليستر ” نعتقد أن هذه كانت صفحته المظلمة. يظهر الصبي مرتدياً حلقة معدنية سوداء حول رقبته. لا ندري إن كانت هذه الحلقة المعدنية حقيقية أم رمزية”.

تقول البروفيسورة فاولر إن هذه اللوحة مثيرة للاهتمام لأنها كشفت عن تاريخ وجود السود في القصور الفخمة في القرن السابع عشر، مضيفة “من المحتمل أن يكون ذلك أقدم مما يتصوره كثيرون”.

” نعتقد أن الصبي ربما كان اسمه ويل أرتشوس. نعتقد أن صبياً بهذا الاسم كان موجوداً هناك في ذلك الوقت، لأننا بحثنا في سجلات الرعية، وقد كتب أحد زوار المنزل تعليقاً عن صبي كان يقدم مشروب الشيكولاته الساخنة آنذاك”.

“لا نعلم كم عاش هناك، ولا الكثير عن حياته بخلاف أنه تم تعميده بعدما صار بالغا. يظهر الصبي في الجانب الأيمن من اللوحة، في الظل، وتم تعليق الصورة فوق مدخل في تشارليكوت بطريقة غير بارزة”.

كيدلستون هول، ديربي

يقع منزل كدليستون الذي صممه روبرت آدم وسط أراض تضم بحيرات أفعوانية، ويعد واحداً من منشآت ناشيول تراست العديدة المبهرة في داربشير.

ويضم أعمالاً فنية من مختلف أنحاء العالم، إذ شغل مالكه السابق لورد كورزون منصب نائب الملك والحاكم العام للهند خلال الفترة بين عامي 1899 و1905.

تقول فاولر “يضم المنزل أعمالاً فنية عدة من الهند والشرق الأوسط جلبها خلال رحلاته. يوجد فيل من العاج، وبساط في صورة نمر، وبعض المجسمات الصغيرة من مدينة لاكناو الهندية التي شهدت أعمال عنف خلال الحقبة الاستعمارية”.

وتضيف أنه لا توجد إشارة إلى أن لانكاو شهدت أعمال عنف خلال الحقبة الاستعمارية وفقاً لما يظهر على ملصقات ناشيول تراست – والتي تعود في الأساس إلى متحف فيكتوريا آند ألبرت.

ويقول متحف فيكتوريا آند ألبرت إن بيانات الملصقات اعتمدت على فهرس تم إعداده عام 1907 أثناء عرض المحتويات في لندن.

” تقول المصلقات أشياء مثل (شخص من السكان الأصليين فوق فيل)، لا توجد أي إشارات إلى الجانب المظلم للتاريخ الاستعماري”، كما تقول فاولر.

“تُعد تفسيرات القائمين على المتاحف في الماضي ،والذين كانوا متشبعين بالفكر الاستعماري، جزءاً من إرث الاستعمار التي نحمله الآن”.

” نعيد تقديم القصور الفاخرة القديمة كظاهرة عالمية تعكس صلاتنا بباقي العالم. هذا تحول مهم ينبغي أن يحدث لطريقة تفكيرنا، لأن المنازل الفاخرة القديمة ينظر إليها على أنها تلخص الطابع البريطاني”.

سبيك هول، ليفربول

للوهلة الأولى يبدو سبيك مجرد منزل مزرعة على الطراز التيودوري يخلب الأنظار في ليفربول، لكنه كما تقول فاولر “مثال واضح لقصة مهمة حول تجارة الرقي ، لن تتضح معالمها لك قبل أن تعرف الخلفية التاريخية للمنزل”.

كان سبيك مملوكاً لعائلتين. إحداهما هي عائلة نوريس التي ينتمي إليها تاجر الرقيق ريتشارد نوريس، والذي قام بدور رئيسي في تطوير أرصفة ميناء ليفربول مما سمح بدخول السفن العملاقة.

وتقول فاولر “وفقاً للمؤرخ لورنس ويستغاف، لعبت أنشطة نوريس دوراً مهماً في هيمنة ليفربول على تجارة الرقيق خلال أربعينيات القرن الثامن عشر”.

” وكانت العائلة الثانية هي عائلة وات. وقد بدأ ريتشارد وات (1751-1803) حياته كسائق عربة جر في هاكني وكان يمتلك سفينة رقيق، ودأب على بيع الرقيق لأصحاب المزارع، كما كان يمتلك شركة لشحن السكر والروم. وساهمت الأموال التي ورثها أبناء إخوته في ترميم المبنى على صورته التي نراها حاليا”.

كالك أبي

يعد كالك واحداً من بين أكثر منشآت ناشيول تراست إثارة للاهتمام.

بطلائه المقشر وحدائقه غير المرتبة يحرص القائمون على المبنى على أن يظهر في صورة منزل قديم متهالك، ليعبر عن أفول زمن أسلوب للمعيشة كان مهيمناً على الريف الإنكليزي فيما مضى.

تقول فاولر ” يعد كالك أفضل نموذج للمنزل ذي الصلات المباشرة بالإمبراطورية، وتظهر تفاصيله كيف كان غارقاً في الإمبراطورية”.

” توجد العديد من الأشياء التي جُلبت من مستعمرات سابقة، ويتم عرضها بأسلوب يعكس الحقبة الاستعمارية. توجد كأس على شكل جمجمة تبتية (تستخدم في الطقوس الدينية)، بجانب قطعة من بلاط مسجد من جنوب أفريقيا. وقد وضعت القطعتان في عهد سابق بهذه الطريقة التي تبدو تماماً خارج السياق.

وتضيف فاولر “لدينا مجموعة من المعروضات دون معلومات حول المكان الذي جُلبت منه أو الطريقة التي استخدمت بها”.

وعلى الأرجح فإنها قد جُلبت إلى كالك، بسبب الولع آنذاك باقتناء أشياء من مناطق بعيدة.

وكانت عائلة هاربر التي امتلكت المنزل منذ عام 1622 تتمتع بعلاقات مصاهرة مع أصحاب مزارع في جزيرة باربادوس وتاجر في شركة الهند الشرقية وعالم مصريات، وفقاً للبروفيسور فاولر.

” من بين المعروضات المثيرة للاهتمام في كالك يوجد مجسم للكرة الأرضية يعود تاريخه لعام 1870، وتظهر عليه خطوط حمراء تمثل حدود الإمبراطورية البريطانية آنذاك، والتي اتسعت بالطبع مع نهاية ذلك القرن”.

المنشآت الأخرى التي يشتمل عليها المشروع

• باكلاند أبي، ديفونشاير

• دارام بارك، قرب باث

• أوستيلري بارك، غرب لندن

• قلعة بينراين، ويلز

• سادبيري هول، أشبورن، داربيشر

• ساتون هاوس، هاكني، لندن

• بازيلدون بارك، قرب ريدنغ

•وايتويك مانور قرب وولفرهامتون

تنصح البروفيسور فاولر كل من يقوم بزيارة هذه القصور أن يسعى للتعرف على صلاتها بالحقبة الاستعمارية بالتالي:

• ابحث عن المنشآت التي تم بناؤها أو ترميمها خلال القرون الاستعمارية الأربعة لبريطانيا (من القرن السادس عشر إلى القرن العشرين)

• ابحث عن المُلاك الذين كانوا يعملون موظفين إداريين لدى السلطات الاستعمارية في الداخل أو الخارج، مثل ويليام بلاثوايت الذي كان يمتلك دارام بارك خلال القرن السابع عشر.

•ابحث عن رموز شركة الهند الشرقية السابقة، مثل روبرت كلايف صاحب قلعة بويس، أو السير فرانسيس سايكس صاحب بازيلدون بارك، أو العائلات التي كانت تمتلك منشآت عدة وعُرفت بصلاتها بتجارة الرقيق مثل بيكفورد وفيرنون.

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.