بين فكر الفرد وفكر الدولة..

دعاني أحد الأصدقاء لزيارة مستشفى يختص بعلاج الأطفال بالمجان، لبيت الدعوة وذهبت، لأجد نفسي وكأنني في فندق خمس نجوم.

بدايةً من موظفي الاستقبال، مروراً بغرف المرضى، للعناية المركزة، العمليات، حتى ألوان طلاء الحوائط كانت مدهشة بالنسبة لي، فهي مريحة للنظر.

جميع الغرف بها نوافذ، حتى العناية المركزة!!

نعم العناية المركزة، فالمعروف أن أغلب غرف العناية المركزة — على حد علمي وتجاربي الشخصية معها — لا تطل على أي نوافذ، لأنها غرف ذات حوائط صلدة، المريض يظل حبيس جدرانها حتى تنتهي مدة إقامته بها.

من فرط انبهاري بالمستشفى “المجاني” سألت صديقي: كيف تنفقون على هذا الصرح الضخم؟ ومن وضع هذا النظام شديد الإنضباط؟ فكانت إجابته: سوف أقص عليك من هو صاحب الفضل الأول.

قال صديقي: بدأت قصة هذ الصرح العملاق بمبادرة من أحد رجال الأعمال في مصر – توفاه الله – والذي لاحظ أن العاملين لديه لا يتلقون رعاية صحية جيدة، فقرر أن يبني مستوصفا، “مركز طبي صغير”، في أحد الأحياء القريبة من مصنعه.

بعد فترة زمنية مرض الرجل مرضا شديدا وعلى إثر ذلك ذهب للعلاج في كليفلاند، وهو منتجع طبي، في ولاية أوهايو بالولايات المتحدة، وأثناء رحلة العلاج طلب ورق وأقلام وأخذ في تدوين ما يرى!

دون الرجل في الأوراق كل ما لفت انتباهه في المستشفى التي يتلقى فيها العلاج من ألوان الحوائط وعرض الطرقات وشكل غرف العناية المركزة وأنواع الأطعمة التي تقدم.

وحينما عاد جمع أولاده وقال: “أنا عايز أعمل المكتوب في الورق ده”، ليكون ذلك نواة لهذا الصرح الطبي العملاق الذي يقدم جميع خدماته بالمجان.

إلى هنا ينتهي فكر فرد، رجل أنعم الله عليه بقدر من الثراء وأنزل على قلبه رحمة بحال غير المقتدرين في بلده مصر.

هذه الحكاية هي مقدمة لحكاية أخرى كنت أناقشها في حلقة هذا الأسبوع من برنامج بتوقيت مصر عن تطوير التعليم الجامعي، حيث قالوا قديما إنه إذا أدرت أن تنهض بمجتمع فعليك بتعليمه، ومن هنا أرادت الدولة المصرية كما جاء على لسان وزير التعليم العالي بعد الإعلان عن إنشاء أربع جامعات أهلية.

حيث قال الوزير: “إن الجامعات المصرية الأهلية تسهم في تحقيق أهداف الخطة الإستراتيجية للتعليم العالي حتى عام ٢٠٣٠ ومنها تقديم مستوى تعليمي عالي أكاديميا وتطبيقيا، يسهم في زيادة فرص التعليم العالي بجودة عالية في فروع كثيرة من العلوم الثقافية والعلمية والتطبيقية، فضلا عن تأهيل الخريجين ليكونوا قادرين على المنافسة بأسواق العمل المحلية والاقليمية والعالمية”… إلى آخر ما جاء بكلامه عن أهمية إنشاء الدولة للجامعات الأهلية غير الهادفه للربح.

ما ورد على لسان الوزير لا يمكن وصفه إلا بأنه كلام جميل، أو كلام معقول، لكن السؤال: ما هي قيمة المصروفات لهذه الجامعات الأهلية ؟!

هل يستطيع أي طالب الإلتحاق بها مهما كان مستواه المادي والاجتماعي؟

أم أن حجم المصروفات يفوق إمكانات الطالب المتوسط؟

وما هو حجم المنح الذي يقدم للطلبة المتفوقين؟

من الموضوعات التي ناقشناها أيضا مشكلة النقل النهري في مصر بعد غرق إحدى المعديات النيلية التي راح ضحيتها أكثر من سبعة أشخاص وتاهت المسئولية بين الجهات المختلفة، وعادت الأصوات تتعالى مرة أخرى بضرورة توحيد الولاية على نهر النيل، بدعوى أن الجهات المشرفة عليه تتسبب في هدر موارد وضياع أرواح لا ذنب لها سوى أنها تعبر النهر عبر المعدية.

هذان المشهدان وغيرهما أخذاني للمقارنة بين كيفية تفكير الدولة وكيفية تفكير الأفراد.

بتوقيت مصر يأتيكم في تمام السابعة وخمس دقائق بتوقيت غرينتش، التاسعة وخمس دقائق بتوقيت مصر، على شاشة بي بي سي عربي.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.