مدونتي الخاصة بهذه الحلقة…

مدونتي الخاصة بهذه الحلقة…

بهذه الكلمات التي أختتم بها حلقة “بتوقيت مصر”، والتي أُنوِّه بها عن المدونة، أصبحت جملة غير مفعّلة، أقولوها لأنها من الجمل التي تُعلِن عن انتهاء الحلقة، ولكن ما السبب في أنني لم أعد أستطيع الكتابة منذ عودتي من الإجازة الإجبارية، منذ الرابع من نوفمبر حينما لم يمهلني القدر فرصة للخروج واستكمال باقي يومي كما خططت له.

في هذه الفترة من العام المنصرم، كنت أمُر بمجموعة من الأزمات، على صعيد العمل، ووصلت ذروتها قبل حادثتي بأيام، كان هناك صراع داخلي بين أمرين: الأول أن آخذ حقي والثاني أنني أعلم جيدًا أنني لو فعلتها لأضررت بأشخاص آخرين. حُسم الصراع لحظة سقوطي، ذهبت لتمريني اليومي في تمام الثامنة صباحًا، ويدور في رأسي ما حدث وكنت قاربت على اتخاذ قرار، لم أكن أتمرن بتركيز، فتركيزي كان منصب بالأساس على مشكلة العمل وهذا خطأ فادح، لم أدرك حجمه إلا حينما سقطت، وبدأت في الصراخ الذي كنت أصفه وقتها بالعويل، لم أكن أدرك أن حدثاً كبيراً قد ألمَّ بي. بعد دقائق معدودة، مرت عليَّ وكأنها سنين بدأت قدمي تأخذ شكل مختلف عما اعتدت أن أراها، في طريقي للمستشفى مر أمامي كل ما كان يضايقني، وظللت أتساءل هل كان يستحق كل هذا الإجهاد الذهني الذي أوصلني لهذا الألم الذي ظللت أسأل الله طوال الطريق أن تكون سليمة وأن أستطيع الحركة والوقوف عليها مرة أخرى.

في أثناء رحلة العلاج التي امتدت قرابة الشهرين، أيقنت شيئاً وهو “لا يوجد ما هو أهم منك”، فالعمل له وقته وهي عدد الساعات التي تمضيها فيه، ولكن حينما تخرج منه عِشْ حياتك، فالحياة أرحَب وأوسَع من نطاق العمل بكثير، تعلّم شيئاً جديداً، ساعِد أشخاص يحتاجون للمساعدة، اقترب أكثر من أهلك، اهتم بهم، استمتع بكل لحظة معهم، لأنهم في نهاية المطاف حينما يحدث أي شيء هم أول وآخر من يقف معك دون ملل أو كلل. والدتي – أطال الله في عمرها – كنت أوقظها في ساعات متأخرة من الليل لتساعدني على دخول دورة المياه، وليست مرة واحدة بل عدة مرات، لم تتأفف بل على العكس تماماً حينما أردد عبارات تنم عن أسفي، كانت تنهرني، وكأن ما تفعله هو الطبيعي ولا تنتظر “آسف أو شكراً”. أخي الذي كان يحملني بين ذراعيه كالطفلة وعيناه يترقرق فيهما الدمع ويتحاشى النظر إلى وجهي، كلها لقطات أعادتني إلى نفسي مرة أخرى، وبعد أن كنت متألمة لما حدث لي، أصبحت شاكرة لله عما جرى، بل أحببت اللحظات التي مرّت عليَّ وأنا أتأمل في حياتي. كانت عطية من الله لأرى كم النعم التي أمتلكها ولا أهتم لوجودها لأني ببساطة “أعتبرها حق مكتسب لن يضيع ولن يذهب سدى”، وفي نهاية الرحلة شكرت الله من قلبي على إعطائي هذه المحنة التي لم تلبث وأصبحت منحة.. أشكر الله عليها كثيراً.

لماذا تحدثت الآن؟ وما علاقة هذه المقدمة الطويلة بحلقة هذا الأسبوع من بتوقيت مصر؟

صراحة، لا أعلم.. أحاول اكتشاف ذلك وأنا أكتب هذه الكلمات، فحلقة الأسبوع الماضي حثّتني أكثر على الكتابة، وساعدني زميلي أحمد وبعث لي عدة أخبار ولكنني لم أستطع أن أكمل أكثر من سطرين، هل لا زلت أحتاج لوقت آخر حتى أشفى تماماً من كل الضغوط، ولكن ما علاقة مشاهد ومتابع البرنامج والذي ألتزم أمامه بمدونة أسبوعية بما يدور في داخلي؟

أعتقد أن الإجابة تأتي من الالتزام، وتحديداً حلقة هذا الأسبوع كانت مع معلمي وأستاذي الذي احتل فقرة من البرنامج دكتور جمال الشاعر للحديث عن التطوير داخل “ماسبيرو”، حينما تُقابل من أعطاك يوماً فرصة ووثق فيك، حينما تقف أمامه وتسأله.. تتذكر كلمات أهمها الالتزام. حديثي مع دكتور جمال أعاد إليَّ شجون التطوير، فالتطوير كلمة في مجملها تدعو للتفاؤل والأمل، أما في باطنها بالنسبة لأبناء ماسبيرو هي كلمة سيئة السمعة وتدعو للقلق. فالتطوير دائماً ما يأتي من الخارج، في الغالب تأتي شركة تختار مذيعين محددين من ماسبيرو والباقي من خارج المبني، وبقية العاملين يجلسون في كراسي المتابعة، أعلم مدى شدة الموقف على زملائي من أبناء المهنة. دكتور جمال تحدَّث عن أنه لن يكون هناك مساس بالمقدرات المالية، وماذا ياأستاذي عن العمل؟ عن الإحساس بعدم القيمة والإهمال الذي يستطيع أن يقتل كل من يعمل بمهنتنا؟

حزنت كثيرًا لزملائي ولكن من يقرأ التاريخ يَعْتَبِر. فعلى مدار عمر هذا المبنى الذي أعتز بانتمائي إليه، يبدأ التطوير وينتهي طالما كان التطوير بأيدٍ خارجية.

أما التطوير الحق فيحتاج إلى الحرفية، الشكل مهم ولكن المضمون أهم بكثير، حينما يعلو سقف الحرية، حينما يستطيع التليفزيون الإتيان بمسؤول لمواجهته أمام المواطن، حينما يكون إعلام للخدمة العامة، حينما لا تصل الأوامر برسائل نصية على الواتس آب، حينما تنتهي المحسوبية والواسطة والبقاء يكون للأصلح، حينما نهتم بالتدريب ومعرفة كل جديد ونواكب المؤسسات الإعلامية الكبيرة، أعتقد في هذه الحالة ممكن أن نصل لما يُدعى بالتطوير.

الكتابة ليست بالفعل الهيّن، فهي مسؤولية كبيرة، ومنذ بداية عملي في “بي بي سي” لم أستهن بها، وأواجه دائماً صعوبة لاختياري الموضوعات والكلمات التي أُعبِّر بها عما يجول في نفسي، على الرغم من أن كتابتي أسبوعية وفي مواضيع محددة، ولكنني تفاجأت أن هناك بعض الأشخاص يسعون للربح وللأسف (دور نشر) عل حساب المحتوى. فاسمحوا لي أن أستعرض جزءاً مما جاء في أحد الكتب المعروضة في معرض الكتاب ويقول كاتبها (شلّح هدومك يا زمن وامشي بعيد، ليا لسان وودنا وهين ولياً آيد ومهنا تطفي فرحتي ليه وليد، عايش حياته بيدي نرنو كائن جديد) هذا غيث من فيض، جادت به بعض دور النشر علينا في محاولة منهم لجذب المتابعين لهؤلاء الشباب على السوشال ميديا للشراء، هذه الظاهرة العجيبة التي تُدْعَى المؤثرين، من الواضح أن دور النشر أيضاً تدعو للتطوير.

بتوقيت مصر يأتيكم في تمام السابعة وخمس دقائق بتوقيت جرينتش، التاسعة وخمس دقائق مساءً بتوقيت القاهرة، كل خميس على شاشة بي بي سي عربية.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.