BBC

تفاصيل مذهلة عن فندق فاخر عمره 300 عام في النمسا ويعمل بالطاقة المولدة من الأشجار

مبنى فوق ربوة خضراء
Stanglwirt

فندق تديره عائلة، بدأ كحانة لعمال المناجم في عام 1567، وأصبح الآن أحد أبرز ملاذات جبال الألب في النمسا.

في منتصف الطريق إلى سلسلة جبال “وايلدر كايزر” المهيبة، قرر مرشدي “لويس مانزل” – الذي وُلد وترعرع هنا في ولاية “تيرول” بالنمسا – العزف على البوق لفترة.

كان يرتدي سروالاً من الجلد (لباس تقليدي في هذه المنطقة)، وعزف أغنية جبال الألب التقليدية، بينما كنت ألتقط أنفاسي وأشعر بالعرق يتصبب على جسدي. فكرت في المكافأة التي وعدني بها “مانزل” في نهاية التسلق: كوخ عمره 300 عام يقع على ارتفاع حوالي 5,000 قدم (1,524 متراً) فوق مستوى سطح البحر، وأسفل المنحدرات الصخرية الضخمة للجبل. قال بين نغمات متتالية وأنا أسير خلفه: “سيعجبك”.

توقف عن العزف، ونظر إليّ قائلاً: “الأطفال يكرهون المشي لمسافات طويلة بشدة. عندما أصطحب أطفالاً في إحدى هذه الرحلات، يسألونني دائماً تقريباً عن سبب اختياري العمل كمرشد جبلي لكسب عيشي. فأقول لهم: “كنت سيئاً جداً في المدرسة، وحُكم عليّ بالعمل في هذا لكسب عيشي”. ثم انفجر ضاحكاً.

أقرب ما قد تصل إليه من نسخة واقعية من فيلم The Sound of Music “صوت الموسيقى” أو Heidi “هايدي” هو قضاء بضعة أيام في ستانغلويرت، وهو منتجع فريد من نوعه في جبال الألب بولاية تيرول النمساوية، حيث تُعد هذه الرحلة المصحوبة بمرشد – لويس مانزل – مجرد واحدة من العديد من الأنشطة الترفيهية المتاحة.

بصفتي كاتب رحلات، أميل إلى استخدام الفنادق في ما وُجدت من أجله في الأصل: مكان للنوم أثناء استكشافي للوجهة. ولكن كلما أمضيت وقتاً أطول في ستانغلويرت، زاد شعوري بالرغبة في البقاء. في الواقع، باستثناء رحلة المشي، لم أغادر الفندق خلال زيارتي التي استمرت أربعة أيام.

تأسس فندق ستانغلويرت عام 1567 كحانة لعمال المناجم، ثم أصبح نُزُلاً مجهزاً بالكامل حوالي عام 1720. بعد عامين، استحوذت عليه عائلة هاوزر، التي تديره منذ ذلك الحين.

لكن وصف ستانغلويرت، الذي يضم 170 غرفة، بأنه “فندق” هو مجرد تسمية خاطئة. عندما قابلتُ بالتازار هاوزر، صاحب المكان ورب العائلة البالغ من العمر 80 عاماً، في أحد الممرات، قال لي وهو يهز إصبعه نحوي: “ستانغلويرت ليس فندقاً يحتوي على مزرعة عضوية. إنها مزرعة عضوية يوجد بها فندق”.

خيول ترعى في مزرعة
Ivana Larrosa
يزرع الفندق أو يربي معظم المنتجات التي يُقدمها في الموقع، ما يجعل الزراعة عنصراً أساسياً في نموذجه للاستدامة

لقد كان محقاً في كلامه. يقع فندق ستانغلويرت على مساحة 132 هكتاراً من الأراضي الصالحة للزراعة والمراعي، ويُنتج جبنه وحليبه ولبنه ولحمه البقري.

قالت آنا آيتشينغر، صانعة الجبن في الفندق، خلال جولة في مستودع صنع الجبن: “كلما كان الجبن أكثر دسماً، قصر عمره الافتراضي. ولكن لأنني أُنتج الجبن للفندق فقط، فإنه يُستهلك بسرعة كبيرة”. ناولتني شريحة سميكة من جبن “بيرغكاس”، وهو جبن جبلي شبه طري مصنوع من حليب البقر الخام ومُطعَّم بالأعشاب. كان أكثر أنواع الجبن دسماً ذُقته في حياتي.

يتميز فندق ستانغلويرت الصديق للبيئة بـ”الاستدامة” منذ زمن طويل، قبل أن تصبح تلك الكلمة مصطلحاً شائعاً في قطاع السفر. لكن التزامه بالاستدامة يتجاوز أساليب إنتاج الغذاء: ففي ثمانينيات القرن الماضي، بدأ الفندق باستخدام محطة لتوليد الطاقة تعمل بالكتلة الحيوية من لحاء (قشرة) الأشجار، ما جعله من أوائل الفنادق في العالم التي تُولّد الطاقة المتجددة في موقعه.

في خريف عام 2024، قامت عائلة هاوزر بتركيب محطة طاقة متطورة تُسمى “ستانغلويرت بيو-إنرجي”، من ابتكار شركة سينكرافت، ومقرها ولاية تيرول. تُحوّل هذه التقنية رقائق الخشب من الأخشاب المحلية المتساقطة طبيعياً إلى غاز الخشب، الذي يُنتج الكهرباء والحرارة، بل ويُنتج الفحم الحيوي، وهو مُحسِّن للتربة غني بالمغذيات.

يُعدّ هذا الفندق أول فندق في العالم يستخدم هذه التقنية، وبعد عام من الاختبارات، أعلنت إدارة ستانغلويرت أن النظام يُزوّد الفندق بالطاقة بشكل كامل. وقالت ماريا، ابنة بالتازار، وهي من الجيل الثامن عشر من مُديري نُزُل هاوزر: “إنه خال من انبعاثات الكربون ويؤثر إيجابياً على المناخ”.

إحدى غرف الفندق
Stanglwirt
غرف النزلاء مبنية من أخشاب محلية المصدر، ويُغذّى الفندق بنظام طاقة خاص به يعتمد على غاز مولد من الأخشاب

الخشب ليس وقوداً للفندق فحسب، بل هو الفندق نفسه. يُعدّ الصنوبر السويسري، وهو خشب متين لا ينمو إلا في المرتفعات، مادة البناء الرئيسية، إلى جانب الجص الأبيض (الجِبس).

تقول ماريا: “في سبعينيات القرن الماضي، كان والدي يطلب من المزارعين أخذ بقايا خشبهم. كانوا يعتقدون أنه مجنون، لأن الخشب بالنسبة لهم مجرد نفايات. أما بالنسبة لوالدي، فكان خشباً سيُعاد تدويره – وهذا ما استخدمناه لمواصلة توسيع الفندق”.

ولكن حتى لو لم تكن الاستدامة، الموجودة وراء الكواليس، عامل جذب لك لزيارة فندق ستانغلويرت، فهناك الكثير مما يستحق الإعجاب.

الاهتمام بالتفاصيل في الفندق مثير للإعجاب. يرتدي الموظفون أزياء الديرندل (فستان تقليدي للنساء) والليدرهاوزن (سراويل قصيرة للرجال مصنوعة من الجلد)، – وهي أزياء تقليدية تُعرف بها ولاية تيرول النمساوية وبعض مناطق في ألمانيا – وكل غرفة مُزينة بتفاصيل تيرولية، من الوسائد المصنوعة من النسيج المحبوك إلى النوافذ الكبيرة المطلة على جبال الألب.

صُمم فندق ستانغلويرت بحيث لا تنسى أبداً مكانك أينما كنت في الفندق، ومهما كان ما تركز عليه عيناك.

يضم المنتجع أيضاً مجموعة كبيرة من الخيول من سلالة “ليبيزانر”، ومدرسة خاصة لركوب الخيل، يمكن رؤيتها مباشرةً من ردهة الفندق ذات النوافذ، حيث يمكن للضيوف التدرب على ركوب هذه السلالة البيضاء الثمينة.

كما يضم ثلاثة مسابح، منها مسبح طبيعي يشبه البركة في منطقة “للبالغين فقط”، حيث يسبح الضيوف بطريقة طبيعية ويشاركون في طقوس “أوفغوس” الألمانية والنمساوية المميزة، وهي طقوس ساونا (حمَّام بخار) يقودها خبير ساونا يُدعى غاري، يرش الزيوت العطرية على الصخور الساخنة، ويستخدم مروحة كبيرة الحجم لتحريك الهواء الساخن على الضيوف، خلال الجلسات التي تستغرق 15 دقيقة.

بركة سباحة
Stanglwirt
تُنقى بركة السباحة الطبيعية في المنتجع بنظام ترشيح نباتي، وتُغذّى من ينبوع خاص بها

تتراوح خيارات تناول الطعام في ستانغلويرت بين مطعم فاخر وحانة تقليدية (أقدم جزء في العقار)، ومطعم “كوهستال ستيوب” أو “حانة كاوشيد”، وهو مطعم فريد من نوعه يضم 12 طاولة، حيث تُطل نوافذه على حظيرة حيث تقف الأبقار تنظر إلى رواد المطعم، وهم يتناولون غولاش اللحم البقري وشرائح اللحم.

قال يوهانس، ابن بالتازار: “لقد سهّلت التوجهات السائدة حالياً تبني نهج أكثر استدامة. في هذه الأيام، يرغب معظم الناس في الجعة أو غيرها من المنتجات الغذائية المحلية، وهو أمر جيد لأننا نستطيع توفيرها بالتأكيد”.

يأتي حوالي 75 في المئة من الطعام من المنطقة. “يمكننا صنع أشياء أخرى، مثل مشروب الشنابس. ولكن لماذا نفعل ذلك، في حين أن هناك مثل هؤلاء المنتجين الرائعين لمشروب الشنابس على بُعد بضعة كيلومترات فقط؟”. يُنتج ستانغلويرت جعة خاصة به خفيفة ونقية تُسمى ستانغل.

لعل أقل ما يُثير الاهتمام في الفندق هو المشاهير الذين زاروه. فالممرات مُزينة بصور مؤطرة لمشاهير زاروا ستانغلويرت: أرنولد شوارزنيغر، وهيلاري كلينتون، ومحمد علي كلاي، وبينغ كروسبي، وأودري هيبورن، من بين قائمة طويلة من المشاهير.

تقول ماريا: “كان الصحفيون يسألونني دائماً عن المشاهير الذين أقاموا هنا. أما اليوم، فيسألون عن ممارساتنا في مجال الاستدامة”.

خيول
Stanglwirt
ستانغلويرت هو أحد الفنادق القليلة في العالم، التي تمتلك مدرسة لتربية وركوب الخيول من سلالة “ليبيزانر”

عند عودتنا إلى الجبل واصلنا أنا ومرشدي، لويس مانزل، رحلتنا بصعوبة عبر قمم جبال “وايلدر كايزر” شديدة الانحدار إلى كوخ ستانغلويرت على القمة، حيث استقبلتنا أطباق من جبن الجبل الدسم، ونقانق لاندجاغر المدخنة، وجعة ستانغل الباردة، ومشروب شنابس النعناع، وكلها منتجات من إنتاج الفندق أو من إنتاج محلي في مناطق تقع على بعد بضعة أميال منه.

بدا لي أن مكافأتي على هذه الرحلة لم تكن فقط بعضاً من أجود أنواع الجبن التي ذُقتها في حياتي، وإنما درس في كيف يمكن لفندق جبال الألب العتيق أن يقود الطريق نحو مستقبل أكثر خضرة.

تفاصيل مذهلة عن فندق فاخر عمره 300 عام في النمسا ويعمل بالطاقة المولدة من الأشجار

BBC Arabic

🛈 تنويه: موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً أو مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

زر الذهاب إلى الأعلى