الجائحة الصامتة .. خطر يتفاقم مع انتشار الحروب
يتذكر توم بوتوكار عودة المرضى في مستشفى الشفاء في غزة من أجل الحصول على استشارة بعد جراحة في الأطراف لعلاج إصابات الأسلحة النارية والقنابل. يتناقض تعافيهم الظاهر مع الإصابات الكامنة الخطيرة – وهي جزء من اتجاه متزايد مع انتشار الصراع من الشرق الأوسط إلى أوكرانيا وخارجها.
يقول بوتوكار، كبير الجراحين في اللجنة الدولية للصليب الأحمر: “إنهم يمشون على عكازين. لكن جروحهم ليست معافاة، فالأطراف متكسرة والقيح يتسرب. أنت تعلم أن هذه مشكلة كبيرة. في كثير من الأحيان، يمكن أن تبدو كأنها لا شيء، لكنها في الواقع تشبه إلى حد ما جبلا جليديا”.
اضطر بوتوكار إلى تقديم علاج متابعة مكثف وإعادة فتح الجروح وتنظيفها ووصف مضادات حيوية قوية لمعالجة الالتهابات التي يمكن أن تكون قاتلة للمرضى ويمكن أن تنتقل للآخرين.
بوتوكار هو واحد من عدد متزايد من الإخصائيين الطبيين الذين يشعرون بالقلق من نمط ناشئ لبكتيريا مقاومة للأدوية منتشرة داخل مناطق الحرب وخارجها.
في حين أن الموضوع لا يزال غير مفهوم بشكل جيد، هناك أدلة متزايدة على أن الحرب تركز على كثير من العوامل، وتضخمها، التي تسهم في جائحة مقاومة مضادات الميكروبات الصامتة. إنها تقتل أكثر من مليون شخص سنويا حول العالم.
تصدر تقارير غير رسمية منذ فترة طويلة عن بكتيريا خاصة مقاومة للأدوية في مرضى مناطق الحرب – ولا سيما البكتيريا الراكدة البومانية، التي يطلق عليها “بكتيريا العراق”، والتي تم تحديدها في الجرحى الأمريكيين. الآن، الأدلة المؤكدة تأتي من مكان آخر.
يقول بوتوكار، الذي كان من بين مرضاه فلسطينيون أصيبوا بطلقات من أسلحة عسكرية عالية السرعة، وكذلك بجروح من السكاكين: “ربما يكون الشرق الأوسط هو البؤرة عالميا لمقاومة مضادات الميكروبات. إنها بلا شك مشكلة كبيرة”.
أظهر بحث في مشروع جراحي ترميمي تابع للجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان، أن المرضى الذين تم إدخالهم خلال 2016 إلى 2019 أظهروا نسبة عالية من البكتيريا المقاومة لأدوية متعددة في عينات مأخوذة من جلودهم وأنسجتهم اللينة وعظامهم.
منظمة أطباء بلا حدود، وهي مؤسسة طبية خيرية، تدير برنامج جراحة ترميمية إقليمي في عمان في الأردن للمرضى المصابين في النزاع في العراق وسورية ولبنان واليمن وفلسطين. تشير إلى أن أكثر من نصف مرضاها يصلون مصابين بعدوى مزمنة، وأكثر من 60 في المائة منهم لديهم مقاومة لأدوية متعددة.
يقول أنطوان أبو فياض، الأستاذ المساعد في الجامعة الأمريكية في بيروت، إنه بدأ بدراسة هذه الظاهرة في 2018. حلل منذ ذلك الحين عينات من مرضى في عدد من الدول التي مزقتها النزاعات في المنطقة.
يقول: “لاحظنا عدوى مقاومة لمضادات الميكروبات غير معتادة في المناطق التي لا تشهد صراعا. كانت هناك أنماط غريبة – وليست سلالة واحدة فقط – لا تراها عادة في المرضى في أوروبا أو الولايات المتحدة أو أستراليا”.
أيضا يشير إلى التفاعل بين هذه البكتيريا والمعادن الثقيلة، مثل النحاس والرصاص والزنك. توجد هذه المعادن في الرصاص والقذائف، وكذلك مواد البناء التي تتطاير في الجو عند قصف المباني.
يقول بوتوكار إن الاختراق العميق للرصاص القوي يعرض الجسم لمخاطر معينة من العدوى، لأنه يتسبب في أضرار داخلية كبيرة ويوجد فراغا يجذب الملوثات.
إضافة إلى السبب المباشر للجروح، فإن سوء النظافة أثناء العلاج هو عامل مساهم آخر. غالبا ما تحدث إصابات النزاع بعيدا عن المرافق الطبية، ما يتطلب نقل المرضى لعدة ساعات أو أيام دون وقت كاف لتنظيف جروحهم أو تضميدها أو علاجها.
حتى في المراكز الطبية الأكثر استقرارا البعيدة عن جبهة القتال، يمكن أن تؤدي البنية التحتية غير الملائمة، مثل ضعف إمدادات المياه أو مرافق الصرف الصحي إلى تفاقم المشكلة.
حددت دراسة أجرتها الإخصائية الصحية ريم توفيق أبو شومر اليازوري، أن أكثر من ثلث المسحات المأخوذة من المياه والأسطح في مستشفيين في غزة، تحتوي على مستويات عالية من التلوث البكتيري.
كما في أجزاء أخرى من العالم، قد تفتقر مراكز العلاج إلى إمكانية الوصول إلى التشخيصات الموثوقة والمضادات الحيوية الفاعلة والآمنة والمناسبة. قد يأخذ المرضى – حتى من دون وصفات طبية أو إشراف متخصص – أدوية غير مناسبة أو دورات علاج قصيرة جدا أو أدوية منتهية الصلاحية أو دون المستوى أو مغشوشة. كل هذه عوامل تدفع مقاومة مضادات الميكروبات.
حددت دراسة نشرتها هاتي لوي من كلية لندن للصحة والطب الاستوائي العام الماضي – مع موظفين في مراكز اللجنة الدولية للصليب الأحمر في إفريقيا الوسطى وجنوب السودان والكونغو الديمقراطية ومالي ونيجيريا ولبنان واليمن وأفغانستان – سلسلة من المخاطر.
من بينها بنية تحتية رديئة للمستشفيات، ونقص الموارد والقوى العاملة، ونقص تعليم الموظفين، وضعف التدريب والإشراف، وأعداد الزوار الكبيرة، فضلا عن اضطرابات سلسلة التوريد، وارتفاع معدلات الإصابة، والهجمات المباشرة على البنية التحتية للرعاية الصحية.
تقول كلوديا تروبا، منسقة الصحة في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان: “عندما ينشأ نزاع، علاوة على مسببات مقاومة مضادات الميكروبات الموجودة مسبقا، فإنك تتعرض لمزيد من الاضطراب. غالبا ما يفر العاملون الطبيون الأكثر خبرة، وبالنسبة إلى الآخرين، يقل التدريب”. تعمل وكالتها على تطوير أساليب جديدة، بما في ذلك نشر مزيد من الجراحين المتخصصين.
يتطلب فهم الروابط بين الحرب ومقاومة مضادات الميكروبات مزيدا من البحث.
لطالما دعت الدكتورة علا عبارة، استشارية الأمراض المعدية والرئيسة المشاركة لشبكة الصحة العامة السورية، إلى اتخاذ تدابير لتحسين التدريب والمراقبة والوصول إلى الأدوية المناسبة.
تقول: “قبل ثمانية أعوام، عندما بدأنا، شعرت أنني أفرض ذلك. لكن الضغط يأتي من الأطباء العاملين في الميدان، الذين يقولون إنهم يواجهون فشل علاج جرحى الحرب حتى أولئك غير المرتبطين بالنزاع”.
Comments are closed.