BBC

ما دور السعودية والإمارات في اليمن؟

أنصار يرفعون صور قادة السعودية والإمارات وأعلام الجنوب في تظاهرة بعدن، في ذروة التنسيق بين حلفاء التحالف خلال السنوات الأولى من حرب اليمن.
Getty Images

بعد اتهامات سعودية مباشرة لأبوظبي “الشقيقة” بالوقوف خلف تحركات عسكرية في شرق اليمن، وقرارات تصعيدية غير مسبوقة من الحكومة اليمنية والتحالف، هل يمكن القول إن خلافاً بين السعودية والإمارات قد ظهر إلى العلن؟

لا يمكن اعتبار ما جرى في اليمن الثلاثاء، أنه حادث أمني عابر، بل يمكن القول إنه امتداد لتصدّع داخل تحالف عمره سنوات.

في هذا التقرير، نجيب عن الأسئلة التالية: لماذا دخلت السعودية والإمارات حرب اليمن، كيف تشابكت مصالحهما، ومتى ولماذا بدأ الخلاف؟

خلفية التحالف والتدخل في اليمن

صحفي أجنبي يقف إلى جانب مجسّم لدبابة تابعة للقوات المسلحة الإماراتية خلال إحاطة إعلامية لعملية "عاصفة الحزم" في قاعدة جوية بالرياض، أبريل 2015.
Getty Images
إحاطة إعلامية للتحالف الذي تقوده الرياض بشأن عملياتها العسكرية في اليمن، في نيسان/أبريل 2015.

في مارس/آذار 2015، شكّلت السعودية تحالفاً عسكرياً عربياً دعماً للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً باسم “التحالف العربي لدعم الشرعية اليمنية” لمواجهة حركة أنصار الله الحوثية، وانضمّت الإمارات إلى هذا التحالف بوصفها شريكاً رئيسياً، حيث سعى الجانبان إلى إعادة الحكومة الشرعية، ووقف توسع الحوثيين الذين سيطروا على صنعاء وأجزاء واسعة من الشمال في أيلول/سبتمبر 2014.

وتشاركت الرياض وأبوظبي طوال الحرب، أهدافاً معلنة تتعلق بدعم الحكومة اليمنية ومنع تهديد أمني تقوده جماعة أنصار الله التي تقول السعودية إنها مدعومة من إيران.

الدور السعودي في اليمن

الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال توقيع "اتفاق الرياض" في العاصمة السعودية، في تشرين الثاني/نوفمبر 2019.
Getty Images
توقيع اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة من الإمارات، برعاية سعودية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019.

تعتبر السعودية وبحكم الجوار الجغرافي (يشترك البلدان بحدود تتجاوز 1300 كم)، استقرار اليمن مسألة أمن قومي.

وقادت الرياض العمليات العسكرية للتحالف منذ 2015، وتحمّلت العبء الأكبر في التصدي لهجمات الحوثيين عبر الحدود.

حيث تعرّضت المملكة على مدى سنوات الحرب لمئات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، بينها ما استهدف منشآتها النفطية ومطاراتها، ما دفعها إلى التركيز على تأمين حدودها الجنوبية كأولوية قصوى.

وفي الوقت ذاته، دعمت السعودية الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، واستضافت قيادتها في الرياض.

كما رعت مبادرات سلام أبرزها اتفاق الرياض 2019 لتقاسم السلطة بين قوات الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بانفصال جنوب البلد عن شمالها،، ثمّ المجلس القيادي الرئاسي عام 2022 الذي جمع مختلف المكونات المناهضة للحوثيين تحت مظلة واحدة.

كما عبرت المملكة مرات عدة عن تمسكها بوحدة اليمن وسيادته، مع إقرارها بخصوصية القضية الجنوبية وضرورة حلها في إطار حوار وطني شامل.

الدور الإماراتي في اليمن

مشهد من المكلا يعكس الحضور الإماراتي في حضرموت خلال سنوات الحرب، حيث امتزج النفوذ العسكري بالرمزية السياسية، أغسطس 2018.
Getty Images
جندي موالٍ للحكومة اليمنية المدعومة من السعودية والإمارات قرب جدارية للشيخ زايد في مدينة المكلا، في آب/أغسطس 2018.

دخلت الإمارات الحرب حليفاً قوياً للسعودية، وساهمت بعمليات التحالف خصوصاً في جبهات الجنوب والساحل الغربي.

نشرت أبوظبي قوات على الأرض في عدن ومناطق أخرى، ولعبت دوراً بارزاً في طرد الحوثيين من الجنوب عام 2015.

وعلى الرغم من إعلان أبوظبي سحب قواتها المقاتلة عام 2019، إلا أنها كوّنت شبكة من القوات المحلية الحليفة لها في الجنوب، سيطرت من خلالها على مناطق استراتيجية مثل عدن وموانئ ساحلية وجزيرة سقطرى.

دعمت الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو كيان سياسي وعسكري تأسس عام 2017، يرفع مطلب إعادة دولة جنوب اليمن المستقلة التي كانت قائمة قبل توحيد الشطرين عام 1990.

دأبت دولة الإمارات العربية المتحدة على تمويل اغتيالات بدوافع سياسية في اليمن، كما كشف تقرير استقصائي لبي بي سي، الأمر الذي ساهم في تفاقم النزاع هناك بين الفصائل المتناحرة التي ظهرت من جديد تحت الأضواء الدولية في البحر الأحمر.

وكشف تقرير استقصائي لبي بي سي أنه تم إجراء تدريبات لمكافحة الإرهاب وفرتها قوات من المرتزقة الأمريكيين لوحدات إماراتية عاملة في اليمن استخدمت في تدريب عناصر محليين يمكنهم العمل بتستّر، ما أدى إلى زيادة ظاهرة في الاغتيالات السياسية المقصودة، وفقًا لما أفصح عنه أحد المبلِّغين ضمن تحقيقات بي بي سي عربي.

كذلك اكتشفت بي بي سي أنه رغم الهدف المعلن للمرتزقة الأمريكيين وهو القضاء على الخلايا الإرهابية للقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في جنوب اليمن، ذهبت دولة الإمارات أبعد من ذلك لتجنيد عناصر سابقين في القاعدة لحساب جهاز أمني أنشأته للعمل الميداني لقتال حركة الحوثيين وفصائل أخرى مسلحة.

غير أن حكومة دولة الإمارات نفت تلك المزاعم الواردة في التحقيق، وقالت إنه من غير الصحيح أنها تستهدف أفرادا لا صلة لهم أصلًا بالإرهاب، وليس لذلك أساس.

الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز يلتقي حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على هامش قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، مايو 2015.
Getty Images
لقاء خليجي في ظل تصاعد القلق الدولي من الحرب الجوية التي يقودها التحالف السعودي في اليمن، في أيار/مايو 2015.

أهداف مشتركة وشراكة حذرة

في سنوات الحرب الأولى، بدا التنسيق وثيقاً بين الرياض وأبوظبي. توزّعت الأدوار ميدانياً؛ السعودية قادت الضربات الجوية ووفرت الإسناد اللوجستي، بينما الإمارات دفعت بقواتها الخاصة وحلفائها المحليين لتحقيق انتصارات على الأرض، خصوصاً في عدن والساحل.

الهدف المشترك كان واضحاً: إضعاف الحوثيين وإعادة الحكومة الشرعية إلى صنعاء.

ضمن هذا الإطار، حافظت الدولتان على خطاب موحّد يدعو لوحدة اليمن واستقراره، مع دعم أي ترتيبات انتقالية يتفق عليها اليمنيون.

وقد أثمر هذا التعاون عن نجاحات تكتيكية مثل استعادة مدينة عدن ومينائها وتثبيت حكومة الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي هناك بمساعدة إماراتية في 2015. كما شاركت الدولتان ضمن قيادة مشتركة للتحالف العربي للتنسيق مع بقية الدول المشاركة كالبحرين ومصر والسودان.

وحتى وقت قريب، استمرت الرياض وأبوظبي في تنسيق سياسي؛ فمثلاً أشارت تقارير صحفية ومصدر خاص لوكالة رويترز إلى أنّ السعودية والإمارات أرسلتا وفداً عسكرياً مشتركاً إلى عدن منتصف ديسمبر/كانون الأول 2025 لمحاولة نزع فتيل التوتر الأخير بين المجلس الانتقالي والقوات الحكومية.

على الصعيد الاستراتيجي الواسع، تلاقت مصالح السعودية والإمارات في عدة نقاط خلال الحرب.

فالجانبان ينظران إلى الحوثيين كذراع إيراني يهدد أمن المنطقة، وبالتالي يشتركان في هدف كبح نفوذ طهران في اليمن.

كما أنّ استقرار اليمن وعدم تحوله إلى ملاذ للتنظيمات المتشددة يصب في مصلحة كلا البلدين.

اقتصادياً، تأمين خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن كان هاجساً مشتركاً لدول التحالف، نظراً لأهمية هذه الممرات للتجارة العالمية.

إضافة لذلك، أراد البلدان التأكيد على دورهما القيادي إقليمياً؛ السعودية بصفتها القوة الأكبر في الخليج، والإمارات بتطلعاتها لتعزيز حضورها العسكري والدبلوماسي في المنطقة.

تباين الرؤيات وبوادر الخلاف

مطاحن البحر الأحمر في الحديدة، التي تضم كميات قمح تكفي ملايين اليمنيين، وسط توتر الهدنة الأممية وخطر تفاقم الأزمة الإنسانية، يناير 2019.
Getty Images
جنود من قوات يمنية مدعومة من التحالف بقيادة السعودية والإمارات يؤمّنون منشأة مطاحن البحر الأحمر في الحديدة، في كانون الثاني/يناير 2019.

رغم وحدة الهدف المعلن، بدأت الخلافات بين الشريكين بالظهور تدريجياً مع طول أمد الحرب.

برز التباين الأول عام 2019، عندما اندلع اقتتال بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً وقوات الحكومة الشرعية الموالية للسعودية في عدن.

أسفرت تلك الأحداث عن سيطرة الانتقالي على المدينة وطرد الحكومة منها مؤقتاً، مما استدعى تدخلاً سعودياً لتهدئة الموقف وتوقيع اتفاق الرياض لتقاسم السلطة.

هذا الحادث كان مؤشراً واضحاً على اختلاف الأجندات: الإمارات أيّدت فعلياً مسعى حلفائها الجنوبيين للحصول على حكم ذاتي واسع أو استقلال، فيما أصرّت السعودية على بقاء الحكومة الموحدة وعدم تقسيم البلاد.

الخلاف يظهر إلى العلن

في كانون الأول/ديسمبر 2025 قام المجلس الانتقالي الجنوبي بشنّ عملية عسكرية بامتداد المحافظات الشرقية (حضرموت والمهرة) والسيطرة على منشآت حيوية ومعسكرات هناك.

اعتُبر هذا التحرك تصعيداً خطيراً لأنه وسّع نفوذ الانتقالي إلى مناطق على الحدود السعودية والعمانية، بما يشكّل تحدياً مباشراً لنفوذ الرياض وأمنها.

ردت السعودية بخطوات حازمة؛ فأصدرت وزارة خارجيتها بياناً ندّدت فيه بضغط “دولة الإمارات الشقيقة على قوات الانتقالي للتمرد والتصعيد عسكرياً قرب الحدود الجنوبية للمملكة”. ووصفت الرياض تلك الخطوات بأنها “بالغة الخطورة” وتهديد للأمن الوطني السعودي لا يمكن التهاون معه.

وفي تطور لافت، نفّذ التحالف بقيادة السعودية ضربة جوية محدودة استهدفت ميناء المكلا في حضرموت، حيث رصدت سفينتان قادمتان من ميناء الفجيرة الإماراتي أفرغتا أسلحة ومركبات عسكرية لدعم قوات الانتقالي دون إذن مسبق.

أكدت الرياض أن الضربة دمرت المعدات دون وقوع أضرار جانبية أو إصابات، لكنها مثّلت رسالة واضحة على جاهزية المملكة للتصدي عسكرياً لأي دعم خارجي للفصائل المناوئة لها داخل اليمن.

بالتوازي، خرج رئيس المجلس الرئاسي اليمني رشاد العليمي (المدعوم سعودياً) ليعلن تعليق الترتيبات والاتفاقات الدفاعية مع الإمارات ويطالب بانسحاب كافة القوات الإماراتية خلال 24 ساعة من البلاد. كما فرض حالة الطوارئ وحظر شامل مؤقت على المنافذ للسيطرة على الموقف.

من جانبها أعلنت الإمارات إنهاء وجودها العسكري في اليمن، وقالت وزارة الدفاع الإماراتية “إن القوات المسلحة الإماراتية أنهت وجودها العسكري في اليمن عام 2019 بعد استكمال المهام المحددة ضمن الأطر الرسمية المتفق عليها”.

واقتصر ما تبقى من وجود على فرق مختصة ضمن جهود مكافحة الإرهاب بالتنسيق مع الشركاء الدوليين المعنيين، وفق وزارة الدفاع.

وأضاف البيان الإماراتي: “نظراً للتطورات الأخيرة وما قد يترتب عليها من تداعيات على سلامة وفاعلية مهام مكافحة الإرهاب، فإن وزارة الدفاع تعلن إنهاء ما تبقّى من فرق مكافحة الإرهاب في اليمن بمحض إرادتها، وبما يضمن سلامة عناصرها، وبالتنسيق مع الشركاء المعنيين”.

أما المجلس الانتقالي (حليف الإمارات) رد برفضه الانسحاب من حضرموت والمهرة، مصراً أنه ماضٍ في “استعادة دولة الجنوب” ومتحدياً بذلك التحذيرات السعودية.

ما دور السعودية والإمارات في اليمن؟

BBC Arabic

🛈 تنويه: موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً أو مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

زر الذهاب إلى الأعلى