طفل مصاب من قطاع غزة يخطو خطواته الأولى بعد إجراء عملية جراحية في الأردن

تبتسم والدة رامي قطوش بفخر، بعد أن رأت ابنها البالغ من العمر تسع سنوات يركل كرة القدم بحذر لأول مرة منذ إصابته. في لحظة فارقة من مرحلة تعافيه، بعد أن حصل الشهر الماضي على موافقة الجيش الإسرائيلي لمغادرة غزة والتوجه إلى الأردن لتلقي العلاج.

ويحلم رامي بأن يصبح يوماً ما، لاعب كرة قدم مثل كريستيانو رونالدو، لكنه لا يزال يعاني من الألم وسرعان ما يتعب، ويضطر للجلوس على كرسي بلاستيكي من شدة الإرهاق.

ساقاه المضمدتان، إحداهما مثبتة بجبيرة، وعليهما ندوب شديدة، ويبدو عليهما الوهن.

وتمثل كل خطوة إلى الأمام تحدياً كبيراً.

نصح الأطباء في غزة عائلته ببتر ساقيه، لكن والدته إسلام توسلت إليهم لإنقاذ أطرافه، خاصة بعد أن فقد شقيقه الأصغر عبد السلام، البالغ من العمر ثماني سنوات، ساقه اليمنى السفلية بسبب إصابته.

تحذير – يحتوي هذا التقرير على محتوى مؤلم

كان الأطفال نيام في شقة العائلة في الطابق الثالث في المغازي وسط غزة، عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية المبنى المجاور، ما أدى إلى سقوط أنقاض وشظايا على الأطفال، كما تروي والدتهم.

قُتل مصطفى شقيق رامي، البالغ من العمر 12 عاماً، وتناثر جسده إلى أشلاء.

تقول إسلام إنه عُثر على قلب (مصطفى) المثقوب بالشظايا بعد يومين. ودفنته الأسرة بشكل منفصل عن جسده.

وتقول الأمم المتحدة إن ما لا يقل عن 14.500 طفل قُتلوا وأصيب العديد بجروح خطيرة في الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة، والتي بدأت بعد أن شنت حركة حماس هجوماً على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مما أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص.

وتضيف أن عمليات الإجلاء الطبي من غزة أمر بالغ الأهمية، لأن نظام الرعاية الصحية هناك قد دمر. فقط 20 من أصل 35 مستشفى في المنطقة تعمل جزئياً، وهناك نقص في الأدوية والمعدات الأساسية.

وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن نحو 30 ألف شخص من سكان غزة ــ مثل رامي وعبد السلام ــ أصيبوا بإصابات غيرت حياتهم، وسوف تتطلب سنوات من إعادة التأهيل.

وقد ساعدت المنظمة في تسهيل إجلاء مئات المرضى منذ الأول من فبراير/شباط عندما أعيد فتح معبر رفح مع مصر أمامهم. ولكنها تقول إن ما بين (12-14) ألف شخص ــ من بينهم 4500 طفل ــ ما زالوا في حاجة إلى إخراجهم لتلقي العلاج.

وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) عندما أُعلن عن اتفاق وقف إطلاق النار في يناير/كانون الثاني، إن الحرب “أوقعت خسائر فادحة في أرواح أطفال غزة”.

وقالت والدته لبي بي سي إن رامي تحمل إجراء عدة عمليات جراحية دون مسكنات أو تخدير أو مضادات حيوية. والتهبت جروحه لدرجة أنها كانت مليئة بالديدان. ولم يعتقد الأطباء أنه يمكن إنقاذ ساقيه.

وتضيف إسلام “كان رامي يعاني من آلام شديدة، وكان يصرخ: يا إلهي، لقد أخذت أخي، خذني الآن أيضاً!”.

ثم في يناير/كانون الثاني، سنحت فرصة نادرة لإجلاء رامي ووالدته إلى الأردن للعلاج في مستشفى متخصص في الجراحة الترميمية، تديره منظمة أطباء بلا حدود في العاصمة الأردنية عمّان.

ويعالج المستشفى حالياً 13 طفلاً من غزة، لكن لديه القدرة على استقبال العشرات غيرهم.

ويقول مارك شاكال، مدير برنامج منظمة أطباء بلا حدود في الأردن وسوريا واليمن: “إنه المستشفى الوحيد الذي أعرفه يوفر إعادة التأهيل البدني والعقلي لضحايا الحرب. إنها رعاية متعددة التخصصات، وليس للجراحة فقط”.

لدى رامي طبيب نفسي وجراح ومعالج طبيعي. كما يحصل على الطعام والملابس والتعليم في “مدرسة المستقبل” الصغيرة التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود، وهي عبارة عن مبنى مسبق التجهيز ومشرق، يقع في أراضي المستشفى. وبعد انقطاع رامي عن التعليم لفترة طويلة، أصبح متحمساً للعودة للدراسة.

لكنه يفتقد أيضاً والده محمد وشقيقه عبد السلام – الذي يحتاج إلى ساق اصطناعية، إلا أنه لم يتمكن من مغادرة غزة معه.

ورغم أنهم ممتنون لحصولهم على العلاج، إلا أن رامي ووالدته يريدان العودة إلى المنزل في أقرب وقت ممكن.

قال لي رامي “غزة جميلة. في غزة قبل الحرب، اعتدنا على تلقي العلاج الطبي، ولكن بعد ذلك توقفت المساعدات”.

وبفضل المرافق والخبرة في مستشفى أطباء بلا حدود، فإنه يحرز الآن تقدماً سريعاً.

“وصل على كرسي متحرك”، يقول معالجه الطبيعي زيد القيسي، الذي كوّن علاقة قوية مع رامي أثناء مساعدته على المشي مرة أخرى.

“إنه متحمس للغاية. يريد العودة إلى أصدقائه وعائلته. ويريد أن يجعل والده فخوراً به”. كما يريد السباحة مرة أخرى في البحر في غزة.

لكن العديد من العمليات الجراحية تنتظره، وليس لدى رامي ووالدته أي فكرة عن موعد عودتهما إلى المنزل.

يشكل عدم معرفة ما إذا كان سيُسمح لهما بالعودة إلى غزة ضغطاً كبيراً آخر على جميع المرضى الفلسطينيين بالإضافة إلى صدمتهم، وفقاً للطبيب، النفسية.

يتشارك رامي غرفة المستشفى مع صبي يبلغ من العمر خمس سنوات يعاني من العزلة والصدمة، وهو عبد الرحمن المدهون، ويحتاج أيضاً إلى جراحة في ساقيه.

كان بين ذراعي والدته عندما قُتلت في غارة جوية في أكتوبر/تشرين الأول 2023، مع أشقائه. في المستشفى في غزة، حاولت ممرضة أن تخفف عنه وأخبرته أن والدته تحولت إلى نجمة.

ومنذ ذلك الحين، أصبح ينظر إلى السماء ليلاً، باحثاً عن النجوم ويتحدث إليها، كما تقول عمته صباح. “إنه لا يتحدث إلى أشخاص آخرين. ولكنني أسمعه يقول للنجوم: “أمي لقد أكلت، أمي سأنام الآن”.

يشار إلى أن الإصابات النفسية التي يتعرض لها مرضى المستشفى غالباً ما تكون أشد وطأة من الإصابات الجسدية.

ويقول مدير المستشفى روشان كوماراسامي: “لن يتعافى البعض أبداً”. ويضيف أن الجراحة الترميمية ستكون ضرورية للمرضى من غزة لسنوات قادمة بسبب “طيف هائل لا يمكن تصوره من الإصابات”.

لكن رامي قوي وحازم. حتى عندما ينهار بالبكاء وهو يفكر في مصطفى، يطمئنني أنه “بخير”.

وعندما تمكن هو ووالدته من الاتصال بعائلته في غزة عبر مكالمة فيديو، كان رامي حريصاً على أن يوضح لهم كيف يمكنه الآن أن يقف على قدميه.

ويشجعه والده بالقول “رامي أنت بطل”.

ولدى عائلة رامي الآن سبب آخر للاحتفال، إذ حصل ابنهم عبد السلام، ووالده للتو على إذن من إسرائيل بمغادرة غزة إلى الأردن أيضاً.

وفي الأسابيع المقبلة، من المقرر أن يُزود بساق جديدة، مما يسمح للولدين المصابين بإعادة تعلم كيفية المشي.

Powered by WPeMatico

** مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.