بيسان في جباليا تزرع “بذور الصمود”

بيسان عكاشة شابة ترتدي حجاباً بلون قريب للون الوردي، وقميصاً أسود، وبنطال جينز، وتعمل على تحضير التربة للبدء بعملية الزراعة، ممسكة بأداة زراعية في يدها.

Ala’a Shbair
بيسان عكاشة

في شمال غزة، حيث تشتد وطأة الجوع، قررت بيسان عكاشة أن تزرع بعض البذور. أطلقت ابنة الـ21 عاماً، مشروعاً لزراعة بعض الخضار، لتوفير بعض الحاجات الغذائية لعائلتها والجيران، في ظلّ الانقطاع شبه الكامل للسلع والمواد الغذائية في شمال القطاع منذ بداية حرب غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وتحذر تقارير دولية من خطر المجاعة في غزة، وقال تقرير صادر عن الأمم المتحدة في يونيو/ حزيران الماضي، إن 69 بالمئة من سكان القطاع – نحو مليوني نسمة – يعانون من انعدام حادّ في الأمن الغذائي، من المتوقع أن يستمرّ حتى أيلول/ سبتمبر المقبل.

ورغم ما ذكره التقرير عن تحسن طفيف في دخول المساعدات الإنسانية إلى شمال قطاع غزة، ما حال دون وقوع مجاعة، لكن يبقى الوضع بائساً، في مخيم جباليا، حيث تقطن بيسان مع والدها، ووالدتها، وأشقائها الأربعة، وشقيقاتها الثلاث.

وشهد المخيم عمليات عسكرية إسرائيلية مكثفة، أدت إلى تشريد نحو 100 ألف فلسطيني.

بيسان لم تكمل دراستها الجامعية في الهندسة المعمارية، ولكنها قررت أن تصير مزارعة. تقول لبي بي سي عربي إن فكرة مشروعها الزراعي ولدت “بعد المجاعة، وتجريف الأراضي إثر دخول الجيش (الإسرائيلي)، وتدمير الغطاء النباتي، في وقت نحن بحاجة للنباتات كمصدر للغذاء، نتيجة تقييد دخول المواد الغذائية إلى الشمال”.

وبحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان فإن إسرائيل أخرجت 75 بالمئة من مساحة الأراضي الزراعية عن الخدمة في قطاع غزة.

منزل عائلة بيسان قبل وبعد الدمار الذي لحق به نتيجة القصف الإسرائيلي

Bisan Okasha
منزل عائلة بيسان قبل وبعد الدمار الذي لحق به نتيجة القصف الإسرائيلي

“بذور الصمود”

بيسان ووالدها يتعاونان لإصلاح أرض بعد دمارها بسبب الحرب تمهيداً لزراعتها

Ala’a Shbair
بيسان ووالدها يتعاونان لإصلاح أرض بعد دمارها بسبب الحرب تمهيداً لزراعتها

تحدثت بيسان إلى بي بي سي بشغف عن طموحاتها في تطوير المبادرة التي أطلقت عليها اسم “بذور الصمود”، مشيرة إلى الجهود الكبيرة التي بذلها والدها، المهندس المدني جهاد عكاشة، البالغ من العمر ستين عاماً، من أجل إنجاحها.

أشارت بيسان إلى أنه بعد احتراق منزل العائلة مرتين، لم يتوقف والدها عن السعي لترميمه. ففي المرة الأولى، احترق الطابق العلوي، وبعد ترميمه، احترق المنزل بالكامل. ثم تمكن جهاد من إصلاح الطابق الأول، بعد ذلك عمل على استصلاح الأرض في حديقة المنزل. وقد بذل جهاد جهداً كبيراً في إزالة آثار الردم، رغم صعوبة المهمة دون استخدام الآليات الثقيلة، كما تقول بيسان.

حالياً، تعمل بيسان على إتمام المبادرة من خلال إزالة ما تبقى من الردم وتنظيف الأرض، لاستكمال عملية الزراعة بنجاح، بمساندة فريق صغير من المتطوعين إلى جانب والدها.

لا يقتصر هدف مشروع “بذور الصمود” على محاولة القضاء على الجوع فقط، بل تقول بيسان إن “فكرتي تهدف إلى أن يعمل من فقدوا أرواحاً أحبوها، في الأرض والزراعة، لأن ذلك قد يواسيهم ويساعدهم في نسيان أحزانهم”.

وتضيف: “مشروع زراعة الأرض يعيد علاقتنا كغزيين بأرضنا، من خلال حرثها والاهتمام بالنباتات”.

بيسان عكاشة يساعدها شابان متطوعان على تنظيف الأرض واستصلاحها للزراعة

Ala’a Shbair
بيسان عكاشة يساعدها شابان متطوعان على تنظيف الأرض واستصلاحها للزراعة

مواجهة الصعوبات

بيسان أثناء سقاية النباتات مع أحد المتطوعين، يظهر معها في الصورة متطوع يرتدي لباساً مريحاً بلون أسود يعمل على استصلاح الأرض، وهناك أيضاً خرطوما مياه واحد بلون أحمر والثاني بلون أصفر تمسكه بيسان للسقاية.

Ala’a Shbair
بيسان أثناء سقاية النباتات مع أحد المتطوعين
في الصورة ذات اللون الأخضر الغامق، كتب بدرجات أفتح من اللون الأخضر عن رؤية المبادرة: "نطمح إلى إعادة إحياء أراضينا في شمال قطاع غزة من خلال إعادة زراعتها، مما سيضمن لنا أمناً غذائياً، وموجهة تحديات أي مجاعة محتملة، واستعادة صحة بيئتنا، وتعزيز قدرتنا على الصمود في وجه الأزمات المستقبلية".

Seeds of resilience-page on Instagram
من صفحة مبادرة بذور الصمود على انستغرام

شملت مبادرة “بذور الصمود” حتى الآن زراعة تلة من الباذنجان باستخدام 75 شتلة. تشرح بيسان قائلة: “استفدنا من قرميد مدمّر وعليه آثار تجريف، فغطيناه بتربة طينية، ثم زرعنا الأشتال.”

وتتابع: “زرعنا حديقة المنزل بتقسيم الأرض إلى جزئين: أحدهما أعددناه للزراعة من خلال تنظيفه واستصلاح التربة، والجزء الآخر زرعناه في وقت سابق ونعمل حالياً على سقايته.”

وتضيف: “زرعنا فيه خياراً وبندورة وفلفلاً وباذنجاناً وكوسا.”

تستعد بيسان ووالدها وفريق المتطوعين، الذي يتكون حتى الآن من أربعة أفراد، لتوفير أشتال جديدة للبدء بالمرحلة المقبلة من زراعة الجزء الثاني من الأرض.

ومع ذلك، تواجه المبادرة التي تأمل بيسان أن تتوسع، صعوبات متعددة بدءاً من تأمين الأشتال إلى انقطاع المياه والإنترنت. توضح بيسان أن الحصول على الأشتال بأسعار معقولة ليس أمراً سهلاً، إذ تشير إلى أن أسعارها تضاعفت مقارنة بما كانت عليه قبل الحرب.

رغم توفر المياه حالياً لزراعة أرض حديقة منزلهم عبر بئر يستفيد منها المربع السكني الذي يعيشون فيه داخل جباليا، فإنها تخشى من عدم توفر هذه الكمية في مناطق أخرى، مما قد يعيق التوسع في المبادرة.

وتلفت بيسان إلى أنها كانت تنتظر توفر الإنترنت في الشارع القريب من منزلها لتتمكن من التواصل مع بي بي سي وإرسال صور لمبادرتها. وتؤكد أن عدم توفر الإنترنت بشكل مستمر يؤثر سلباً على الترويج لـ”بذور الصمود.”

تقول بيسان إن ابنة عمها شهد، التي تعيش خارج قطاع غزة في إسبانيا، تساعدهم في تصميم منشورات صفحة المبادرة عبر منصة إنستغرام والترويج لها، وذلك لسهولة وصولها إلى خدمات شبكة الإنترنت.

وتفتقر المبادرة إلى تمويل جيد، مما يجعل نطاق المستفيدين منها حتى الآن محدوداً بعائلة بيسان وجيرانهم.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.