هل التصالح مع ولي الدم.. يوقف الإعدامات في مصر؟

في خطوة لافتة أثارت الجدل بين مؤيديها ومعارضيها، وافق مجلس النواب المصري على تعديل قانوني يتيح تخفيف عقوبة الإعدام في حال التصالح بين ورثة المقتول – المعروف باسم ولي الدم – والجاني. وبينما يرى البعض أنها خطوة تهدف لتعزيز المصالحات المجتمعية وتقليل أحكام الإعدام، يحذر آخرون من تداعياته القانونية والحقوقية.
بدأ التعديل عندما تقدمت لجنة الشؤون الدينية في البرلمان بمقترح إضافة مادة مستحدثة إلى مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، تمنح الحق لولي الدم في التصالح بشأن جرائم القتل، للحد من قضايا الثأر.
وطبقًا لتقرير منظمة العفو الدولية عن “أحكام وعمليات الإعدام في 2023″، جاءت مصر في المرتبة الثامنة ضمن قائمة تضم 16 بلدًا استخدمت حكم الإعدام.
ما مبررات المادة المستحدثة؟
تنص المادة الجديدة على أنه “يجوز لورثة المجني عليه أو وكيله الخاص إثبات الصلح في الجرائم المنصوص عليها في المواد 213، 223، 234، 235 من قانون العقوبات، وذلك إلى أن يصدر فيها حكم بات، ويترتب على الصلح في هذه الحالة تخفيف العقوبة وفقًا للمادة 17 من قانون العقوبات، مع الحفاظ على سلطة رئيس الجمهورية في العفو عن العقوبة أو تخفيفها”.
وسيتم تطبيق المادة الجديدة بعد إقرار تعديلات مشروع قانون الإجراءات الجنائية في الجلسة العامة للبرلمان، وإذا جرت الموافقة يتم إرسال القانون لرئيس الجمهورية، وإذا حصل القانون على موافقة الرئيس يتم نشره في الجريدة الرسمية. ولرئيس الجمهورية في حال اعترض على القانون أن يرده إلى مجلس النواب ثانية.
في نهاية فبراير/شباط الماضي كتب الدكتور عباس شومان، رئيس لجنة المصالحات في الأزهر والأمين العام لهيئة كبار العلماء، على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك،:”كلفني الإمام الأكبر باعتباري رئيسا للجنة المصالحات الثأرية بإعداد مذكرة تتضمن اتخاذ ما يلزم لتخفيف عقوبة الإعدام في حال التصالح، فوافقت الهيئة على المقترح، واليوم وافق عليه مجلس النواب بحمد الله”.
ويوضح شومان لبي بي سي عربي أن هذه المادة تهدف إلى منح ولي الدم الحق في الصلح، مما يساهم في تقليل النزاعات الثأرية المنتشرة في بعض المجتمعات، وتحقيق التوازن بين القانون والشريعة الإسلامية، حيث يتماشى التعديل مع أحكام الصلح والعفو في الشريعة.
بحسب تعريف مجلة الأزهر، فإن أولياء الدم في الشريعة الإسلامية، هم ورثة المقتول جميعاً من الرجال والنساء، كبارهم وصغارهم، فإن اختاروا القصاص جميعاً وجب القصاص، وإن عفوا جميعاً سقط القصاص، وإن عفا أحدهم سقط القصاص أيضاً ولو لم يعف الباقون.
بدأت لجنة المصالحات عملها عام 2014 بقرار من الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، لإنهاء الخصومة الثأرية الشهيرة التي وقعت بين قبيلتي الدابودية والهلالية في مدينة أسوان، جنوبي مصر. وأصبح للجنة العليا أعضاء من وزارات التضامن الاجتماعي والتنمية المحلية والداخلية.

ويضيف شومان أن التعديل جاء في الأساس لتشجيع الناس على التصالح وإنهاء الخصومات التي تؤدي إلى سلسلة من القتل لا تنتهي.
ويرصد شومان معاناة اللجنة مع بعض الأفكار المغلوطة، قائلًا: “البعض لا يقبل الصلح أصلًا، كما تنتشر ثقافات خاطئة بأن اللجنة تستطيع التدخل في أحكام القضاء”. ويعطي شومان مثالًا: عندما يصدر حكم إعدام على ثلاثة أفراد شاركوا في قتل شخص واحد، يعترض أهل الجاني ويطالبون بقتل نفس عدد الأفراد من عائلة المجني عليه.
وينهي شومان حديثه قائلًا: “لذلك كان المقترح لتشجيع الناس على التصالح في قضايا الثأر، لكن يبدو أن مجلس النواب فتح الباب للتصالح في جميع القضايا، وعلى مجلس النواب أن يوضح ذلك”.
رصد تقرير حملة “أوقفوا عقوبة الإعدام في مصر”، عن النصف الأول من عام 2024، صدور 282 حكمًا بالإعدام، تتضمن 48 إحالة إلى فضيلة مفتي الديار المصرية بدرجتيها الأولى والثانية، و209 أحكام إعدام بدرجتيها الأولى والثانية، و21 حكمًا مؤيدًا من محكمة النقض، وأخيرًا تنفيذ حكم الإعدام بحق 4 مواطنين مصريين.
وطبقًا لتقرير الحملة، يأتي القتل على خلفية الانتقام “سواء لمشاجرة أو ثأر” أكثر سبب انتشارًا لأحكام الإعدام، بينما تأتي “الأسباب المادية” في المرتبة الثانية.
من يستفيد بالتعديلات الجديدة؟
يقول عضو مجلس النواب وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني أحمد الشرقاوي في حديث لبي بي سي عربي: يترتب على هذا الصلح تخفيف العقوبة للحد الأدنى وفقا للمادة 17 من قانون العقوبات.
ويشرح الشرقاوي، “التصالح في قضايا الدم، هو المقصود في التعديل الجديد”.
وقضايا الدم المقصود بها الجرائم التي ترتكب وتحاكم أمام محكمة الجنايات، وهي لا تقتصر على القتل فقط، لكن يضاف إليها أيضا الضرب الذى يفضي إلى الموت والضرب الذى يسبب عاهة مستديمة.
وطبقا للقوانين المصرية، يسمح للتصالح فقط في قضايا القتل الخطأ.
ويتابع الشرقاوي، “المادة تتكلم عن تخفيف العقوبة للدرجة الأدنى، ولا تنقضي الدعوى الجنائية بالتصالح ولا تنتهي انتهاء كلي بالنسبة للمتهم ولكن تساهم في تخفيف العقوبة على المتهم للحد الأدنى مباشرة”.
وطبقا لشرح الشرقاوى تخفف العقوبة للدرجة الأدنى، فإذا حكم بالإعدام يخفف الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، وإذا حكم بالأشغال الشاقة المؤبدة تخفف إلى الأشغال الشاقة المؤقتة، ثم تليهم عقوبة السجن ثم الحبس وهكذا بحسب حكم الدرجة الأولى.
ينص الدستور المصري الصادر عام 2014 في مادته الثانية على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، تظهر هذه المادة للوهلة الأولى أن النظام التشريعي والقضائي المصري هو نظام إسلامي صرف، إلا أن الحقيقة الواقعة منذ نشأة النظام القضائي في مصر في القرن التاسع عشر أنه يتبع المدرسة اللاتينية متأثرا في ذلك بالنظام الفرنسي. وتعاقب التشريعات المصرية على أكثر من 50 جريمة بعقوبة الإعدام.

ترى د. هدى زكريا، أستاذة علم الاجتماع السياسي والعسكري والقانوني، أن “الدول تلجأ إلى عقوبة الإعدام لتحقيق الردع في القضايا التي تهز الأمن الاجتماعي، مثل القضية الشهيرة لفتاة المعادي التي اغتصبها ستة شبان”.
وتعتبر زكريا في حديثها لـ بي بي سي عربي أن “عقوبة الإعدام من الأحكام التي لا يمكن التعويض عنها أو التراجع فيها”.
وتتابع: “لذلك، عندما لجأت بعض الولايات الأمريكية إلى استبدال عقوبة الإعدام بالسجن مدى الحياة، استخدمت الأعمال الدرامية التي تُظهر البطل بريئًا، حيث يُحكم عليه بالإعدام، ثم تظهر الحقيقة في اللحظات الأخيرة قبل تنفيذ الحكم أو بعده”.
مآخذ على المادة الجديدة
يقول ناصر أمين المحامي لدى المحكمة الجنائية الدولية ورئيس مركز استقلال القضاء والمحاماة في مصر، “التصالح كان في القتل الخطأ، لأنه نوع من القتل يجوز فيه التصالح، لكن هناك أنواع أخرى من القتل وهم القتل العمد، والقتل العمد مع سبق الإصرار، وهناك القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وهذا هو أعلى درجة وعقوبته دائما ما تفضي إلى الإعدام”.
ويؤكد أمين في حديثه لبي بي سي عربي، أن وضع النص على هذا النحو يعني أن المادة تطبق حتى على جريمة القتل ذات سبق الإصرار والترصد، وليس قضايا الثأر فقط لأن العقوبات تطبق على الجريمة، وليس اسمها سواء ثأر أو شرف أو ما إلى ذلك.
ويشرح أمين، “الحديث عن حق ولي الدم هو نظام موجود في معظم الدول العربية مثل السعودية وليبيا والإمارات والكويت، وهو الأخذ بنظام الحدود من أحكام الشريعة الإسلامية، التي تعطي الحق لولي الدم التصالح في جرائم القتل ولكن النظام المصري دائما ما كان لا يطبق حدودا ولكنه يأخذ بنظام التعزير ونظام التعزير هو البديل لأحكام الشريعة الإسلامية من السجن والغرامة وما إلى آخره، وتتعامل به الدولة الحديثة المصرية وهي المرجع حتى يومنا هذا”.
يتخوف أمين من أن التعديل الجديد يجعل القوانين تبتعد عن فكرة الدولة المدنية. “بالإضافة إلى أنه لأول مرة في تاريخ مصر يكون هناك تميز في تنفيذ العقوبات والجرائم، حيث يسمح للقادرين ماديا التصالح، لأنه دائما في قضايا التصالح الجاني يعرض أموال كفدية مقابل التنازل عن الدعوة، هذه المادة على هذا النحو فيها استغلال كبير لضعف إرادة المواطنين الذين في حاجة للمال”.
لكن الجانب الإيجابي من وجهة نظر أمين هو تقليل تطبيق عقوبة الإعدام.
ناصر أمين هو أيضًا أحد مؤسسي حملة الحد من تطبيق عقوبة الإعدام في الدول العربية، والتي دشنها مركز استقلال القضاء والمحاماة منذ بداية عام 2010 وحتى عام 2013.
ويقول أمين: “الحد من عقوبة الإعدام كان أحد مطالب حملتنا، ولكن ما كان يجب أن يُعلَّق التصالح على أولياء الدم من المنظور الشرعي، بل كان يجب أن يكون ذلك بإرادة الدولة المصرية لإيقاف مثل هذه العقوبة، لأن ولي الدم في الدولة المدنية الحديثة هو الدولة، وليس الأسرة”.
ويرى ناصر أمين أن التعديل أسقط حجة الدولة في إيقاف عقوبة الإعدام، قائلاً: “لأنها من أقسى العقوبات… ويجب أن تُستبدل بعقوبات سالبة للحرية، وليس الحياة”.
ويتابع أمين أنه لم يثبت أن عقوبة الإعدام ساهمت في ردع أي جريمة، حتى في جرائم الثأر في صعيد مصر، التي لا تزال مستمرة حتى الآن، وبالتالي لا يجب التذرع ببقائها، بل يجب بذل جهد مجتمعي لمعالجة أسباب انتشار بعض الظواهر الإجرامية والبحث عن حلول أخرى.
Powered by WPeMatico
** مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.
Comments are closed.