عيتاني و”المفكرة القانونية” اعلنا عن قرار مجلس شورى الدولة باثبات مسؤولية الدولة عن مظلوميته في تهمة العمالة

عقد الممثل المسرحي زياد عيتاني و”المفكّرة القانونيّة” مؤتمرًا صحافيًا اليوم، للإعلان عن “قرار مجلس شورى الدولة الذي يثبّت مسؤولية الدولة عن المظلمة التي تعرّض لها عيتاني في العام 2018، بعد تلفيق تهمة العمالة له مع العدو الإسرائيلي.
غيدة فرنجية
وقالت المحامية غيدة فرنجية مسؤولة التقاضي في “المفكرة القانونية”: ” إن القرار هو نتيجة مسار طويل خاضه زياد على مدى سبع سنوات بهدف التمسّك بحقّه في العدالة ومحاسبة المسؤولين، وإعادة بناء حياته بعد كلّ ما تعرّض له من أضرار، وأيضًا بهدف ضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات مع أي شخص آخر. مسار تخللته العديد من العقبات التي أصرّ زياد على تجاوزها عند كل محطة. فأصبحت قضيّته رمزًا عن الظلم الذي يمكن أن ينتج عن منظومة العدالة، وأيضًا عن العوائق الهائلة التي يضطر الضحايا مواجهتها لرد اعتبارهم والحصول على تعويض”.
وفصّلت “خطأين للدولة اضطر زياد أن يواجههما لضمان حقوقه، الأوّل على صعيد حظر التعذيب حيث لم تتخذ الدولة الإجراءات الكافية لحماية زياد من التعذيب ولمحاسبة مرتكبي التعذيب بعد اكتشافه. وبالرغم من إبلاغ زياد السلطات القضائية بتعرّضه للتعذيب الجسدي والمعنوي خلال التحقيق معه، القضاء العسكري لم يدّع على أيّ من عناصر أمن الدولة المشتبه بارتكابهم أعمال التعذيب. وواجه زياد هذه العقبة، وأصرّ على تقديم شكوى رسمية بالتعذيب، ولكن تمت إحالة هذه الشكوى إلى القضاء العسكري مجددًا. وواجه زياد هذه العقبة، وأصرّ على صلاحية القضاء العدلي بالتحقيق في شكوى التعذيب على اعتبار أنّ القضاء العسكري لا يشكّل مرجعًا قضائيًّا مستقلًّا وحياديًّا، ويحرم الضحايا من المشاركة في مسار التحقيق والمحاكمة”.
وأضافت: “بالفعل، نجح زياد بتسجيل سابقة قانونية مهمة يمكن لأي ضحية تعذيب أن تستند إليها للمطالبة بإخراج قضايا التعذيب من صلاحية القضاء العسكري. وفي المقابل، تمت المماطلة في متابعة هذه الشكوى وصولًا إلى حفظها من قبل القضاء العدلي من دون أي إدعاء أو تفسير. وواجه زياد وطلب التوسّع بالتحقيق، ولكن رُفض طلبه”.
وتابعت: “الخطأ الثاني هو على صعيد احترام قرينة البراءة حيث لم تتخذ الدولة أي إجراءات لمنع أو محاسبة المسّ بقرينة البراءة بقضية زياد، بالرغم من أنهّا حق دستوري لكل من يشتبه بارتكابه جريمة”.
وأوضحت أنّ “انتهاك قرينة براءة بدءا من نشر مديرية أمن الدولة بيانات تحسم فيها ثبوت تهمة التعامل، مرورًا بتسريب مضمون التحقيق وقراءة المحاضر علنًا على المحطات التلفزيونية في وقت كان لا يزال التحقيق مع زياد مستمرًا، وصولًا إلى تسريب فيديو مصوّر للتحقيقات. وهذا الانتهاك أدّى إلى محاكمة زياد وإدانته في الإعلام وفي الشارع من دون أن يكون لديه القدرة أن يدافع عن نفسه أو يتواصل مع أحد بما أنّه كان معزولا وبالحبس الانفرادي. واجه زياد هذه العقبات، قدم شكوى وطلب التحقيق بهذه التسريبات ولكن لم يتم الإدعاء على أحد”.
نزار صاغية
من جهته شرح المحامي نزار صاغية حيثيات قرار مجلس الشورى والنتائج التي يجب على الدولة أن تستخلصها منه لكي تضمن ألّا تتكرر مظلمة زياد عيتاني”، وقال: “قضية زياد عيتاني ليست قضيّة قابلة للنسيان”. شارحا أنّ “هدف المراجعة كان لإلزام الدولة ليس فقط بجبر ضرره، بل الأهمّ بالتدقيق في الأخطاء الجسام المُرتكبة من أجهزتها الأمنية والقضائية والإدارية والتي ما أمكن للمظلمة أن تأخذ هذا الحجم لولا ترابطها. ففيما كان يجدر أن تنتهي فضائح كهذه إلى اضطراب ضميريّ واسع يمهّد لتفكيرٍ جديّ في مسبّباتها والإصلاحات الضرورية منعًا لتكرارها مستقبلًا، فإنّ السلطات العامّة اعتبرتْ كافيًا أن توقف التجنّي على عيتاني، أن تمنّ عليه ببعض كلمات الاعتذار والتعاطف من دون أي مسعى لجبر ضرره، تمامًا كما تفعل مع آلاف مؤلّفة من ضحايا الحروب والفساد وسوء الإدارة على قاعدة “عفا الله عما مضى”، أن تختزل المظلمة بتلفيق أشخاص تهمة العمالة بحقه، من دون أن تقوم بأيّ مساءلة أو مراجعة للأخطاء وعوامل الخلل التي ارتكبتها أجهزتها”.
وتابع أنّه “بناء عليه، هدف اللجوء إلى شورى الدولة، الذي سبق أو لحق خطوات قانونية وقضائية كثيرة، قبل كلّ شيء إلى تجاوز إخلالات العدالة ودعوة الدولة ولو لمرّة إلى التفكير جديًا بنظام العدالة تمهيدًا لإصلاح عوامل الخلل والتي تسبّبت بهذه المظلمة. فتكون بذلك هذه المظلمة قد نبّهتنا إلى ضرورة إصلاح مؤسّساتنا فلا تتكرّر المظالم التي ما فتئت تحصل كل يوم، وأغلبها تحت جنحي الظلام والصمت”.
وأضاف أنّه “بقبولِهم هذه المراجعة، أعلن قضاة الغرفة النّاظرة فيها- وحقّهم علينا أن نسمّيَهم وهم القضاة وليد جابر وشانتال أبو يزبك وسارة رمّال- تمسّكهم بدور القضاء في حماية الحقوق والحرّيات وتثبيت شرعيّة الدولة. ولئن ألزم القرار الدولة بوجوب تسديد عيتاني تعويضًا عن المظلمة التي عانى منها (هو التعويض الأول الذي يمنح له رغم اعتراف كبار مسؤولي الدولة بجسامة الضرر الذي تكبّده)، فإنّه وضع الأصبع وبوضوح كلّي على تجاوزات مرفقيّة ومؤسّساتيّة بما يمهّد لعمل إصلاحيّ بالغ الأهميّة في مجال العدالة برمّته”.
وأوضح أنّ “من أهم الأخطاء الأولى التي تثبت منها القرار أوّلًا الأخطاء التي حالت دون ضمان حقوق عيتاني، ومثله آلاف المواطنين، بالمحاكمة العادلة. فقد توقّف مجلس شورى الدولة على طول أكثر من صفحتيْن عند الغرفة السوداءالتي تتدلى منها خطافات معدنية” والتي أقرّ بوجودها أحد عناصر أمن الدولة أمام المحكمة العسكرية ولم تنفِها الدولة في جوابها في هذه المراجعة. فبعدما اعتبر المجلس أنّه ليس صالحًا لمحاسبة أعمال التعذيب بحدّ ذاتها لأنها تدخل في صلاحية القضاء العدلي (الجزائي)، فإنّه اعتبر نفسه صالحًا للنظر في أعمال الأجهزة الأمنيّة والإدارات التي عليها أن تتخذ كل الإجراءات اللازمة لمنع حصول أعمال تعذيب، وفي مقدّمتها منع إقامة غرف مماثلة، لما قد تثيره من رعب وتهديد أو تتيحه من تعذيب. وفيما أكّد القرار بنتيجة ذلك أنّ الدولة أخطأت بعدم تأمين الحماية لعيتاني من جريمة التعذيب وامتناعها عن اتخاذ التدابير اللازمة لمنع أعمال التعذيب، فإنه ثبّت بذلك ضمنًا أنّ التعذيب لدى أمن الدولة لا يحصل بفعل أخطاء فردية إنما بصورة ممنهجة توجب إخضاع الجهاز برمته وأساليب عمله للتّدقيق والمساءلة وبصورة فورية. فكأنّ القرار يعلن سخطًا مبطّنًا حيال استمرار الأمور على حالها رغم وجود أدلة كهذه على وجود غرفة سوداء إلى هذا الحدّ”.
وتابع: “توقّف مجلس شورى الدولة عند فشل الدولة في تأمين حماية سريّة التحقيق واحترام قرينة البراءة، ممّا أدّى إلى انتشار اتّهامات عامّة ضدّ عيتاني بالعمالة، مع ما استتبع ذلك من استباحةٍ لحقوقه واحتجازه انفراديًا مع منعه طوال أسابيع من التواصل مع أقاربه ومحاميه وبصورة مخالفة للقانون بعدما تمّ وصمُه بخيانة وطنه. واللافت هنا أنّ المجلس حمّل المسؤولية من جراء ذلك، ليس فقط لجهاز أمن الدولة، إنّما أيضًا المجلس الأعلى للدفاع على خلفية تقاعسه عن اتخاذ أيّ إجراء من أيّ نوع كان لتصويب عمل هذا الجهاز التابع له أو محاسبته أو تعويض عيتاني عما اقترف في حقه من جرّاء أعماله”.
واردف: “إنّ القرار اعتبر الدولة مسؤولة عن المسّ بقرينة البراءة بفعل تقاعس “المجلس الوطني للإعلام” المرئي والمسموع، عن ممارسة مهامه في مراقبة عمل المؤسسات الإعلامية وبخاصة لجهة وجوب تنبيهها من مغبّة نشر تفاصيل التّحقيقات الأوّلية مع عيتاني. وهنا يضع القرار مجمل السلطات العامّة أمام مسؤوليّاتها في تفعيل هذا المجلس الذي انتهت ولاية أعضائه منذ 2008 من دون تعيين بدائل عنهم، مما تسبّب ويتسبّب في ارتكاب اخطاء جسيمة ليس الخطأ في قضية عيتاني إلّا أحدها. من هذه الزاوية، يضع القرار الأصبع على أهمية تنظيم وسائل الإعلام وضمان التزامها بأصول مهنيّة للحؤول دون تسخيرها لهدم العدالة، سواء من خلال انتهاك قرينة البراءة أو التشويش على مسؤوليات المرتكبين”.
ولفت إلى أنّ “الجانب الآخر التأسيسيّ في قرار شورى الدّولة، يقوم ليس فقط على تحميل سلطات الدّولة ومؤسّساتها مسؤوليّة تقاعسها عن ضمان محاسبة جهاز أمن الدولة، بل أيضا وهذا لافت جدّا على تحميلها مسؤولية انخراطها في منح مزايا أو ترقيات لضباط فيه شاركوا في الارتكابات بدل محاسبتهم”، معتبرًا “هذه الترقيات بمثابة انتهاك جديد لحقوق الضحايا ومنهم عيتاني. بمعنى أن القرار لم يحمّل الدولة فقط مسؤولية الامتناع عن مطالبة النيابة العامة بمتابعة الضبّاط المتورطين، بل أيضًا وبالقدر نفسه مسؤولية قيامها بمكافأة هؤلاء. وعدا عن أنّ هذا التوجّه يشكّل في حال الأخذ به منعطفًا بالغ الأهمية في ظلّ نظام معمم للإفلات من العقاب، فإن من شأن الأخذ به أن يشكل منعطفًا لا يقلّ أهمية بشأن كيفية إجراء التعيينات والترقيات وما تتسبب به حاليًا من تطبيع مع المظالم وتأبيدِها. ففي حال قد يسهل على وزيرٍ ما التّقاعس عن المحاسبة أو الإسراف في المجاملة إكرامًا لهذا الطرف أو ذاك في موازاة تسفيه المخاطر العامة التي قد تصيب المواطنين كافة، يأتي قرار شورى الدولة ليقول إنّ استسهال أيّ وزير في غض النظر عن الأخطاء أو مجاملة المرتكبين إنّما يهدّد مصالح الدّولة ويعرّضها ويعرّض نفسه أيضًا للمساءلة”.
وخلص صاغية إلى القول أنّه “من هذه الزوايا كافة، بدا القرار بمثابة إيذان بعمل عدالة، عمل فرضته مظلمة شخص أصرّ على القتال دفاعا عن حقّه، فإذا به يقاتل من أجلنا جميعًا، ومن أجل قيام الدولة القادرة والعادلة، دولة جديرة بهذا الاسم. بقي أن نتمنى أن تقرأ الحكومة جيّدًا هذا القرار وأن تبادر إلى وضعه موضع التنفيذ في كل مضامينه”.
** مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.
Comments are closed.