“كانت الجثث ملقاة في الطريق” – بي بي سي تسجل شهادات ثلاث سوريات عايشن أحداث منطقة الساحل

في مساء يوم الخميس، السادس من مارس/آذار، بدأت فصول ما أصبح يُعرف بـ “أحداث الساحل السوري”.
لم تقتصر تلك الأحداث على اشتباكات بين قوات الأمن التابعة لحكومة المرحلة الانتقالية في دمشق، ومسلحين يوصفون عادةً على أنهم “فلول” نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
بل امتدت لتشمل أعمالاً انتقامية على خلفية طائفية ضد المدنيين من الطائفة العلوية، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وثّق المرصد، في حصيلة غير نهائية، مقتل 973 مدنياً علوياً، خلال 72 ساعة، ووجه الاتهام لقوات الأمن السورية ومجموعات رديفة بارتكاب “جرائم حرب”.
تحدثت بي بي سي مع ثلاث شابّات سوريّات، كن شاهدات على ما حصل، اثنتان منهن كن في قلب الحدث، وأخرى كانت على تواصل مع عائلتها التي تقطن في الساحل.
ولم يتسنَّ لبي بي سي التحقق بشكل مستقل من صحة هذه الشهادات أو دقتها.
تُعرّف رانيا – وهو اسم مستعار – عن نفسها بأنها علوية من مدينة بانياس الساحلية، وناشطة مدنية كانت معارضة لنظام بشار الأسد.
وتقول إنها كانت خارج المدينة وقت وقوع الأحداث، لكنها كانت على تواصل مستمر مع عائلتها.
تروي رانيا قصتها، فتقول: “دخل المسلحون – الذين وصفتهم بالجهاديين – إلى حي القصور في مدينة بانياس، حيث يعيش أهلي، وفي آخر تواصل معهم أخبروني أن فصائل الهيئة يريدون الدخول للتفتيش”، وتقصد رانيا بكلمة “الهيئة” هنا هيئة تحرير الشام التي انضوت تحت الأجهزة الأمنية للدولة بعد سقوط نظام بشار الأسد.
“والدتي واثنين من أخوتي قتلوا داخل منزلهم”، تقول رانيا.
- ماذا يحدث في الساحل السوري، وكيف تطور الوضع؟
- سوريا: هل تعرقل أحداث الساحل الدموية مسيرة المرحلة الانتقالية؟
أمّا أماني، وهي شابة من إحدى القرى على مشارف مدينة اللاذقية، فتقول إنها فقدت اثنين من أبناء عمومتها على يد مسلحين “لم تعرف إلى من ينتمون”، وشهدت على رؤية “الكثير من الجثث ملقاة في شوارع قريتها”.
تحدثت أماني – وهو اسم مستعار – بصوت طغت عليه علامات الصدمة: “كنت في بيت عمتي يوم الجمعة، سمعنا أن فصيلاً مسلحاً دخل إلى قريتنا، وبدأنا نسمع أصوات الرصاص، خرج معظم الشبان في العائلة من منازلهم لأن أحاديث ترددت عن أن المسلحين يريدون قتل الشباب. دخل مسلحون بيت أحد أعمامي، ولا أعرف إلى أي فصيل ينتمون، وكان لدى عمي ولدان لم يهربا من المنزل مثلما فعل بقية الشباب في القرية”.
تابعت أماني: “أخذ المسلحون أبناء عمي الاثنين، وطمأنوا أمهما بالقول إنهم لن يفعلوا بهما شيئاً، لكننا وجدناهما بعد ذلك جثتين ملقاتين في الطريق العام، ومصابين بعدد كبير من الرصاصات”.
تروي راما، وهي شابّة من اللاذقية، بأنها رأت مسلحاً يطلق النار على أحد أقاربها عند باب بناية مقابلة للمنزل الذي كانت فيه في مدينة جبلة، حيث كانت في زيارة لبيت جدها وقت وقوع الأحداث.
تقول راما – وهو اسم مستعار -: “كنا وأفراداً من العائلة في بيت جدي، يوم الجمعة السابع من مارس/آذار، ونظرنا عبر النافذة باتجاه بناية يسكن فيها أقاربنا. رأينا أحد أقاربنا ومعه شخص مسلح، فأطلق عليه النار عند باب البناية وسقط أرضاً، تحدثنا مع عائلته عبر الهاتف، وأخبرناهم بما رأينا، نزلت أمه وإخوته عند باب البناية، وضع مسلحون بندقية في رأس أمه الثكلى وسألوها عن دينها، فأخفت الحقيقة وأخبرتهم أنها سنية، فساعدهم المسلحون حين ظنوا فعلاً أنها سنية ووضعوا جثة قريبنا داخل سيارة لنقله إلى المستشفى”.
“حالة هياج”

بدأت أحداث الساحل حين تعرضت دورية تابعة للأمن العام السوري لكمين قرب قرية بيت عانا القريبة من مدينة جبلة الساحلية.
وسرعان ما تطورت الأمور، حين شنت مجموعات مسلحة هجمات وكمائن منسقة ضد قوى الأمن في مناطق عدة في الساحل.
واتهمت السلطات السورية من أسمتهم بـ “فلول” النظام السابق بالوقوف وراء الهجمات، وهو مصطلح يستخدم لوصف المؤيدين لنظام بشار الأسد، مؤكدةً أن الهجمات في منطقة الساحل كانت مدروسة ومعدة مسبقاً
في شهادتها على بداية الأحداث، قالت أماني إن الأحداث بدأت ليلة الخميس 6 مارس/آذار، حين قام بعض “من يسميهم الإعلام فلول النظام” بتحريض الناس في الساحل على إخراج الهيئة – تقصد هيئة تحرير الشام – وقوات الأمن من المنطقة، خلق ذلك “حالة هياج” بين السكان، وبعض الشبان “حملوا أسلحتهم وأطلقوا النار باتجاه دوريات تابعة للأمن العام السوري”، تضيف أماني.
أمّا راما، فتقول: “وصلت بيت جدي في جبلة يوم الخميس، 6 مارس/آذار، بدأنا نسمع أصوات مدفعية بعيدة في عصر ذلك اليوم، وسمعنا عن حدوث مشاكل في قرى مجاورة، سمعنا صوت طيران مروحي، وصوت قصف غريب”.
تتابع راما: “عند وقت الغروب، بدأت أصوات الرصاص والقنابل تدوي في شارعنا، وسمعنا أحاديث عن أن شباباً من مدينة جبلة انتفضوا رداً على قصف قرى مجاورة، وأرادوا إخراج الدولة من المدينة” – تقصد قوات الأمن -.
“عرفتهم من لهجتهم”

أقرت وزارة الداخلية السورية بوقوع ما وصفتها بـ “الانتهاكات الفردية” في منطقة الساحل، وقالت إن “حشوداً شعبية غير منظمة” توجهت إلى المنطقة على إثر الاشتباكات والكمائن التي وقعت فيها، وهو ما أدى إلى هذه الانتهاكات.
وفي خطاب مصور بُثّ يوم الجمعة، تعهد رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، بمحاسبة “كل من يتجاوز على المدنيين العزل”، مشدداً على أن أهالي الساحل السوري جزء من مسؤولية الدولة، ومؤكداً أن الدولة “ستبقى ضامنة للسلم الأهلي ولن تسمح بالمساس به”.
تصف رانيا مدينة بانياس بأنها مقسومة إلى قسمين، والقسم الشمالي منها “تقطنه غالبية علوية”.
تقول رانيا إن المسلحين، الذين دخلوا المدينة، كان من بينهم أجانب، و”كانوا يدخلون المنازل ويسألون عن الطائفة التي ينتمي إليها قاطنوها”.
أما راما، فتصف المسلحين الذين دخلوا مدينة جبلة بالقول: “كانوا سوريين، عرفتهم من لهجتهم، وكانوا ملثمين، لم يسألونا عن سلاح، كانوا يسألون عن المصاغ الذهبية والنقود، وسرقوا أي شيء يستطيعون سرقته”.
تكمل راما في سرد أحداث يوم الجمعة في مدينة جبلة: “بعد الظهر، تسربت إلى أسماعنا أحاديث عن وصول أرتال من إدلب لمعاقبة العلويين، واشتعلت بعد ذلك الاشتباكات عند منزلنا، وكانت أصوات الاشتباكات مدوية، تعرض منزلنا لرصاص طائش، رأينا سرقة لكابلات الكهرباء، وأطلقوا النار على المنازل، والسيارات، وتعرضت المحال التجارية للنهب والإحراق”.
لكن أماني، لا تعرف حتى الآن الجهة أو الفصيل الذي ينتمي إليه المسلحون الذين دخلوا قريتها القريبة من اللاذقية، وتصفهم بالقول: “كانوا يرتدون لباساً موحداً، وبعضهم يضع لثاماً على وجهه”.
“كانوا مسالمين”
“كانا مسالمين” تقول أماني في وصف ابني عمها اللذين قُتلا رمياً بالرصاص، “لم يكونا مسلحين وقت وقوع الأحداث، أحدهما خدم سابقاً فيما يُعرف بالفرقة النحاسية في جيش النظام السوري السابق المختصة بالتشريفات العسكرية، وكان عازفاً على آلة موسيقية، والآخر انخرط في الجيش ضمن الخدمة الإلزامية مثل كل شباب سوريا، وأنهى خدمته ليعود موظفاً مدنياً”. تضيف أماني: “لم يكونا يحملان السلاح، ولم يطلقا النار على قوات الأمن، لكنهما قُتلا بطريقة وحشية وهمجية”.
أما راما، فتقول إنه وبعد إطلاق النار على قريبها في مدينة جبلة، نقله أقاربها إلى أكثر من مستشفى في المنطقة، ولم يجدوا أحداً داخل تلك المستشفيات، وفي النهاية نقلوه إلى مستشفى ميداني في منطقة ذات أغلبية سنية بالمدينة، لكنه كان قد فارق الحياة.
تروي راما وأماني قصصاً متشابهة عن الجثث التي أُلقيت في الشوارع. تقول أماني إنها خرجت رفقة عائلتها، يوم السبت الثامن من مارس/آذار، من منزلهم لتفقد أحوال قريتهم القريبة من اللاذقية، “تفاجأنا بوجود أعداد كبيرة من جثث شباب القرية ملقاة في الطريق، معظمهم مدنيون، وبعضهم مسنون، كانت المحال التجارية في القرية محروقة، وكذلك السيارات، بعضها محروق والآخر مسروق”، تضيف أماني.
أما راما، فتقول: “صعد المسلحون إلى بنايتنا، ودقوا علينا الباب، سألونا: أين الرجال؟، فردت عليهم خالتي: ذهبوا إلى المستشفى، فرد عليها: أنتم عائلة ذلك العلوي الذي قاتلنا أمس وأصيب وذهب لتلقي العلاج؟، فأجابته: لا. دق المسلحون باب جيراننا، وكانت جارتنا تستجديهم كي لا يقتلوا ابنها، فوعدوها أن يأخذوا ابنها للتحقيق وأن يعيدوه في اليوم التالي، لكن عائلته عثرت على جثته في الشارع يوم الأحد إلى جانب عدد من الجثث”.

تحدثت الشاهدات عن صعوبة دفن جثامين الضحايا، ووصل الأمر إلى التحايل بشأن طائفة القتلى للتمكن من دفنهم.
تسرد راما قصة دفن قريبها الذي قُتل في جبلة: “أردنا دفن قريبنا، وكان الدفن ممنوعاً، تحدثنا مع عائلة أخرى من معارفنا تتشارك الكنية ذاتها مع عائلتنا، لكنها من الطائفة السنية، فأخذوا جثمان القتيل إلى المقبرة”، لم يكن واضحاً في شهادة راما من كان في المقبرة وقت الدفن، لكنها قالت إن أحدهم سأل عن دين القتيل، فأخبروه أنه سني، وذلك كي يتمكنوا من دفنه.
تضيف راما: “تحدثت معي صديقتي من قرية قريبة، تستنجد بي، وتسألني إذا ما كنت أعرف جهة ما يمكن نقل الجثث إليها، إذ لم يُسمح لهم بدفنها”.
تنفرج نبرة راما في الحديث قليلاً حين تروي قصصاً عن عائلات سنية في مدينة جبلة ساعدت العائلات العلوية خلال تلك الأحداث، فتقول: “لولا أن أبناء الطائفة السنية في المدينة ساعدونا في دفن قتيلنا، لما استطعنا دفنه، الطائفة السنية كذلك تعرضت للتنكيل، ولو بشكل أقل، كما أنهم ساعدوا عائلات من الطائفة العلوية، وأخفوها داخل بيوتهم”.
- سوريا: ما مصير العلويين بعد سقوط الأسد؟
- ما أبرز الفيديوهات المضللة التي انتشرت عن الدروز واشتباكات جرمانا في سوريا؟
- كيف استقبل السوريون شهر رمضان الأول دون حكم الأسد؟
Powered by WPeMatico
** مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.
Comments are closed.