“سنديانة الساحل”: مأساة أمّ سوريّة تحصد تعاطفاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي

أمام جثث أولادها وحفيدها، تقف السيدة زرقة سباهية “أم أيمن” من قرية قبو العوامية في ريف اللاذقية، صامدة، تحبس دموعها، وهي تواجه عناصر مسلحة تظهر أمامها لتشمت بمأساتها، تمطرها بالإهانات، وتتوعدها بالمزيد.
هذا المشهد المؤلم جاء في مقطع فيديو انتشر بسرعة عبر منصات التواصل الاجتماعي، ليثير تعاطفاً واسعاً مع السيدة البالغة من العمر 86 عاماً.
وفي المقطع المتداول، طالب المسلحون السيدة زرقة بأخذ الجثث، وخاطبوها بسخرية: “هذول أولادك.. نحن عطيناكم الأمن بس أنتم غدارين”، وبينما تقف عاجزة عن التصرّف، تصرخ في وجههم بصلابة: “فشرت”.
بطبيعة الحال، لم تغب الأصوات المشككة بصحة الفيديو أو انتماءات الأشخاص الذين ظهروا فيه.
يقول رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن جثث القتلى بقيت لأربعة أيام ملقاة خلف منزل أم أيمن، لتقوم بحراستها على أمل أن تتمكن من دفنها.
ويضيف في تصريحات لفرانس 24 إن أعمال العنف التي شهدها الأسبوع الماضي في سوريا ارتكبها “مجموعات تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية وقوات رديفة”، وإن ما قاموا به هو “إبادة جماعية، قتل فيها 1383 مدنياً ممن تمكن المرصد من توثيقهم، من بينهم أبناء السيدة زرقة سباهية”.
ويتحدث عبد الرحمن عن معلومات عن آلاف المفقودين من الشبّان في هذه المناطق والقرى، مشيراً إلى أن “هناك مقابر جماعية دفنت فيها الكثير من الجثامين بهدف القول إنها مقابر لمعتقلين سابقين أو لعناصر”، بحسب عبد الرحمن.
“تفصيل مفجع”
أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأنه تلقى العديد من الاتهامات التي تشكك في صحة المقطع المصور لـ”سنديانة الساحل السوري”، وهو اللقب الذي أطلقه على السيدة. وأدى ذلك إلى إجراء حوار مباشر مع عائلتها، وتحديداً مع ابنتها، نشر تفاصيله عبر موقعه الرسمي.
ويروي المرصد عن ابنة زرقة قولها إن الجريمة وقعت في 7 مارس/آذار حين “اقتحمت مجموعات أمنية بينها عناصر مكشوفة الوجه وأخرى ملثمة، يرتدون زياً عسكرياً، منزل العائلة في قرية قبو العوامية بريف اللاذقية (القرداحة)، وقاموا بتفجير أقفال المنزل بالقنابل، قبل أن ينهبوا محتوياته ويجبروا الشباب الثلاثة على الخروج”.
وبعد إجابتهم على سؤال طرحه المسلحون عن طائفتهم، أطلقوا النار على الشبان الثلاثة، رغم تأكيدهم أن الشبان مدنيون، ويُدرّس اثنان منهم اللغة الإنجليزية في الجامعة، بحسب ما ينقل المرصد عن ابنة زرقة.
وتقول إن والدتها لم تغادر المكان، رغم كل التهديد والتنكيل، وذلك خوفاً من أن تحرق “القوات الأمنية” الجثامين، وتضيف: “كانت تناوب على حراستهم ليلاً ونهاراً”.
وبحسب رواية ابنة زرقة، فإن والدة القتلى طلبت من المسلحين أن يقتلوها لتلحق بأبنائها لكنهم رفضوا، وردوا عليها: “بدنا إياكم تتعذبوا أكثر”.

ويكشف المرصد عن “تفصيل مفجع” روته ابنة زرقة، هو أن الجناة الذين نفذوا الجريمة ما زالوا يقيمون في المنزل المقابل لهم، مما يتيح لوالدتها رؤية وجوههم كل يوم. وقالت: “نطالب الجهات المختصة بالتوجه فوراً لاعتقالهم ومحاسبتهم علناً أمام العالم، لا يمكن أن يفلتوا من العقاب بعدما سلبوا حياتنا مرتين”.
يتحدث الصحفي السوري أيمن صقر في منشور له على فيسبوك عن الواقعة، ويقول إن كنان وسهيل، أبناء السيدة زرقة، ولامك ريحان (حفيدها)، هم مزارعون فقيرون، خسرتهم ” سنديانة الجبال”.
ويقول إن سهيل معلم ومترجم، وكنان عسكري وقام سابقاً بتسوية، بينما حفيدها لامك ريحان فهو طالب.
يتحدث صقر عن العائلة، ويقول: “تهدمت بيوتهم بالزلزال وانتهت حياتهم برصاص كتائب الموت والإجرام، كنان وسهيل ولامك ليسوا فلول نظام يا ناكري الحقائق وعديمي الإنسانية، كنان وسهيل أولاد أم أيمن التي قالت لفوهات بنادقكم فشرتوا قبل أن تجف دماء أولادها… الشجاعة قلوب وليست رصاص يا جبناء”.
وأكدت منصة “تأكد” السورية للتحقق من الأخبار صحة المقطع المتداول، وقالت إن العائلة تعمل في الزراعة وخسرت منازلها في زلزال فبراير/شباط 2023.
كما استرجعت المنصة منشوراً لسهيل ريحان، أحد القتلى الثلاثة، يعود لأواخر عام 2024، يشيد فيه بسلوك عناصر هيئة تحرير الشام، التي انبثقت عنها الحكومة الجديدة في سوريا، عندما انتشروا على الحواجز، وقال فيه إن العناصر “يتعاملون بكل أدب واحترام مع الناس”.
https://twitter.com/VeSyria/status/1899868455945265648
“صرخة شاهدة على أصوات لا تخمد”
فجّرت مأساة السيدة زرقة سباهية، المعروفة بـ “أم أيمن”، موجة من الغضب على منصات التواصل الاجتماعي، حيث طالب الناشطون بـ”وقف آلة القتل في سوريا” ورفعوا أصواتهم ضد الصور “المرعبة” التي ظهرت من الحادثة.
وعبّر العديد منهم عن تعاطفهم مع السيدة، مؤكدين أن “صرخة زرقة سباهية ستظل شاهدة على أن بعض الأصوات لا تخمد”، فيما أطلقوا عليها وصف “أيقونة الساحل السوري”.
كما وصف آخرون وقفتها الصامدة أمام من قتلوا أبناءها وحفيدها بأنها ستكون “أمثولة للصبر والصمود”، وأن صرختها ستظل “ملهمة لجميع الأحرار والشرفاء”، مستنكرين استهداف عائلتها على أساس “طائفي”.
https://twitter.com/RayahlKan/status/1900028526000038091?t=-vp-Wofbv-HCsWeFHQaVUw&s=19
وعلّق الصحفي السوري غسان ياسين على الحادثة عبر إكس بالقول: “القهر السوري في صورة”، مُرفِقاً منشوره بصور لأمهات فقدن أبناءهن في الصراع السوري، ليُعبّر عن حجم الألم والدمار اللذَين تعرّض لهما العديد من العائلات في سوريا نتيجة “العنف المستمر”.
كما نشر راغب حرب، على إكس، صورة السيدة زرقة سباهية وأرفقها بعبارة “أروع صمود للعلويات”.
https://twitter.com/ghassanyasin/status/1899846633174491140
وفي السياق، يعبّر حساب يحمل اسم “العنود” على إكس عن تأملات شخصية حول المقولة الشهيرة “الوطن كالأم”، ويعتقد أن أول من قالها كان يدرك أن الأمهات يدفعن دائماً الثمن في الحروب والصراعات.
ثم تعبّر عن تضامنها مع العلويين في الساحل السوري.
https://twitter.com/retaj_syria/status/1899990329907965965
وتغرد داليا على إكس وتقول “كلنا أولادك يا أمنا يا سنديانة يا جبال الساحل”، وهي عبارة كررتها حسابات كثيرة في سياق التعاطف الإنساني مع السيدة التي فقدت أبناءها وحفيدها، منها تغريدة لحساب حمل اسم “فتاة الياسمين” عبر فيها عن دهشته من صمود “أم أيمن” بمواجهة فاجعة مقتل أولادها وحفيدها، وكيف تحملت كل أشكال الألم والإهانة من قتل لأبنائها، ثم شتمها، مؤكداً أن الجميع اليوم هم أبناء لها.
https://twitter.com/raghad_star/status/1899909855822921959?t=1SH7Vl2i7dP4rtLcX2mCwA&s=19
دعوات للمحاسبة
عبّر الإعلامي السوري المعروف بقربه من السلطات الجديدة في دمشق موسى العمر، عن حزنه بسبب “الفيديو الصادم واللاإنساني”، وما فعله المسلحون من “تشفٍ وإساءات” لهذه الأم، وطالب لجنة التحقيق بجلبهم للعدالة.
ووفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن المطالبات بمحاكمات علنية لمحاسبة مرتكبي المجازر في سوريا تزايدت، “خاصة مع ورود أدلة تُظهر تورُّط عناصر من وزارتي الدفاع والداخلية في عمليات القتل الجماعي التي ما زالت مستمرة في مناطق متفرقة بالساحل السوري” بحسب المرصد.
إضافة إلى ذلك، ندّدت الأمم المتحدة بحجم العنف “المروّع” في منطقة الساحل، مشيرة إلى توثيق العديد من حالات الإعدام التعسفية ومقتل عائلات بأكملها بمن فيهم نساء وأطفال وأفراد عاجزون عن القتال.
وبحسب المرصد السوري، فقد قتل 1383 مدنياً على الأقل غالبيتهم العظمى من العلويين جراء أعمال العنف التي شهدتها منطقة الساحل في غرب سوريا اعتباراً من السادس من مارس/آذار، على ما أفاد المرصد في حصيلة جديدة الأربعاء.
- هل تعرقل أحداث الساحل الدموية مسيرة المرحلة الانتقالية؟
- الشرع يدعو “فلول” النظام السابق إلى تسليم أنفسهم وأسلحتهم
وأعلنت الرئاسة السورية، الأحد، عن تشكيل لجنة تحقيق “للكشف عن الأسباب والملابسات التي أدّت إلى وقوع تلك الأحداث، والتحقيق في الانتهاكات بحق المدنيين وتحديد المسؤولين عنها”.
وأكدت اللجنة في بيان لها يوم الثلاثاء، عزمها على ترسيخ العدالة و”منع الانتقام” خارج نطاق القانون.
في السياق نفسه، أعلنت السلطات السورية توقيف سبعة أشخاص على الأقل منذ يوم الاثنين، قالت إنهم ارتكبوا “انتهاكات” بحق المدنيين في منطقة الساحل، وأحالتهم إلى القضاء العسكري.
- ماذا يحدث في الساحل السوري، وكيف تطور الوضع؟
- “كانت الجثث ملقاة في الطريق” – بي بي سي تسجل شهادات ثلاث سوريات عايشن أحداث منطقة الساحل
- “عائلات بأكملها قتلت في أعمال العنف الأخيرة في سوريا” – الأمم المتحدة
Powered by WPeMatico
** مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.
Comments are closed.