الحكم الذاتي ومدنية الدولة، إلى أي مدى يمكن أن يلبي اتفاق الأكراد والحكومة السورية الجديدة طموحات الطرفين؟

يثير الاتفاق بين الرئاسة السورية وقوات سوريا الديمقراطية، الكثير من التساؤلات حول مطالب الأكراد بالحكم الذاتي، وتأثير ذلك على الدولة السورية، ومستقبل وحدات حماية الشعب الكردية، وانعكاس ذلك على الأطراف الخارجية.
ونص الاتفاق على أن “المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة السورية حقوقه في المواطنة، وكافة حقوقه الدستورية”، ولم يتحدث الاتفاق عن نزع سلاح قوات سوريا الديمقراطية، بل اكتفى بالنص على دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا، ضمن إدارة الدولة السورية، ما يثير تساؤلات حول مستقبل مطالب الأكراد بالحصول على حكم ذاتي.
ويقول أمجد عثمان نائب رئيس مجلس سوريا الديمقراطية لبي بي سي عربي إن “الاتفاق لا يلغي مطالب الأكراد بحكم ذاتي، بل يضعها ضمن مسار تفاوضي وطني أوسع، للوصول إلى صيغة حكم، تضمن حقوق جميع مكونات الشعب السوري، في إطار الدولة الوطنية”.
وأوضح أن الفوائد، التي تعود على قوات سوريا الديمقراطية، بعد توقيع هذا الاتفاق، تتمثل في الاعتراف بدورها العسكري والسياسي، وضمان شراكتها في العملية الانتقالية، وتأمين حماية مناطقها من أي تهديدات خارجية.
وفي الوقت نفسه، يقول الكاتب والصحفي السوري عبده زمام لبي بي سي عربي إن “الأكراد تمسكوا بحقوقهم السياسية والثقافية، خلال سنوات ماضيه، ومن غير المرجح ان يتنازلوا عن مثل هذه المطالب”، مضيفاً أن بعض المصادر من قوات سوريا الديمقراطية تحدثت عن أنها قد تذهب باتجاه توسعة دائرة اللامركزية الإدارية، من خلال اللجان التشاورية، ومشيراً إلى أن الاتفاق سيعطي مهلة للجان الفنية، للعمل حتى بداية العام القادم.
وأوضح أن الاتفاق يُفهم، كمرحله انتقاليه نحو تفاهم سياسي جديد، بين الأكراد وبين الحكومة السورية الجديدة، ويفتح المجال للمزيد من التفاوض حول الحكم الذاتي، أو الحقوق الثقافية والسياسية للأكراد في المستقبل.
ما بنود الاتفاق الذي ينص على اندماج “قسد” ضمن مؤسسات الدولة في سوريا؟
وعانى الأكراد، خلال حكم الأسد، من تهميش وقمع طوال عقود، حُرموا خلالها من التحدث بلغتهم، وإحياء أعيادهم، وسُحبت الجنسية من عدد كبير منهم.
ونما نفوذ الأكراد بعد اندلاع النزاع عام 2011، حيث أنشأوا خلال سنوات النزاع إدارة ذاتية الحكم في شمال شرق سوريا، ومؤسسات تربوية واجتماعية وعسكرية.
ومنذ وصول السلطة الجديدة إلى دمشق، أبدى الأكراد انفتاحاً للتعاون، معتبرين أن التغيير فرصة لبناء سوريا جديدة، تضمن حقوق جميع السوريين، إلا أنهم اُستبعدوا من الدعوة لمؤتمر حوار وطني، حدد عناوين المرحلة الانتقالية.
وجاء توقيع الاتفاق، بعد نحو أسبوعين من دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان – في إعلان تاريخي – إلى حل الحزب وإلقاء السلاح، في خطوة رحب بها أكراد سوريا.
وتتهم تركيا، حليفة السلطة الجديدة في دمشق، وحدات حماية الشعب الكردية، التي تقود قوات سوريا الديمقراطية، بالارتباط بحزب العمال الكردستاني، الذي تصنّفه أنقرة، وأطراف غربية بالمنظمة الإرهابية.
ويقول الدكتور أحمد أويصال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة إسطنبول لبي بي سي عربي، إن تركيا حذرة بشأن أي تهديدات من وحدات حماية الشعب الكردية، إلا أنها تراقب ما يحدث، مضيفاً أن إلقاء قوات سوريا الديمقراطية، وحزب العمال الكردستاني للسلاح ضد تركيا سينهي تلك التهديدات، مشيراً إلى وجود تصالح مع الأكراد داخل تركيا وخارجها.
دعم الاقتصاد السوري
كما يقضي الاتفاق بدمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا، ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز.
ويقول الكاتب والصحفي السوري عبده زمام إن الاتفاق يعتبر خطوة استراتيجية هامة، تعزز موقف الدولة السورية على أكثر من صعيد، موضحاً أنه يعطي الحكومة السورية القدرة على استعاده السيطرة على منابع النفط والغاز المتواجدة في شمال شرق سوريا، إذ أن هذه المنطقة غنيه بالموارد الطبيعية، وخاصة أن قوات سوريا الديمقراطية، كانت تسيطر، على ثلث مساحة أراضي سوريا على حد وصفه.
وأضاف زمام أن الاتفاق سيعزز قدرة الإدارة السورية الجديدة على إدارة الاقتصاد الوطني، حيث سيعود النفط السوري لكل الشعب العربي السوري، باعتبار أن النفط والغاز من أبرز العوامل التي تساهم في استقرار الاقتصاد السوري.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن الباحث في الشأن السوري فابريس بالاش أن 90 في المئة من حقول النفط تقع في مناطق سيطرة الأكراد، مشيراً إلى أنهم يستحوذون كذلك على حصة أساسية من سلة القمح الغذائية.
فيما أكد زمام على أهمية السيطرة على المعابر الحدودية مع العراق أو تركيا، إذ أن ذلك “سيساهم في تحسين الوضع الأمني والاقتصادي من خلال تامين حركة التجارة والتواصل مع دول الجوار”.
تعزيز الجيش السوري

وفيما يخص نزع السلاح، رجح أمجد عثمان نائب رئيس مجلس سوريا الديمقراطية لبي بي سي عربي أن يستمر دور وحدات حماية الشعب الكردية، التي تشمل وحدات حماية المرأة الكردية، كقوة منظمة ضمن إطار جديد يتناسب مع المرحلة الانتقالية، سواء ضمن الجيش الوطني الجديد، أو كجزء من القوى الأمنية المحلية.
وينص أبرز بنود الاتفاق، الذي وقعه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، في دمشق، على دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية، في شمال شرق سوريا، ضمن إدارة الدولة السورية.
ولم يتحدث الاتفاق عن حل قوات سوريا الديمقراطية، الذراع العسكرية للإدارة الذاتية المدعومة أمريكيا، أو تسليم سلاحها، بخلاف ما كانت السلطة السورية قد اشترطته للانضواء تحت مظلة الجيش الجديد.
ويتعهد الأكراد بموجب الاتفاق بدعم الدولة السورية في مكافحتها لفلول الأسد وكافة التهديدات التي تهدد أمنها ووحدتها، إذ يكسب الجيش السوري عبر الاتفاق قوة كردية عسكرية منظمة ومدربة، يُمكنه التنسيق معها في مواجهة أي تحديات أمنية.
وأعلن مصدر من قوات سوريا الديمقراطية، انطلاق عمليات مشتركة خلال الأيام المقبلة في البادية السورية، لمحاربة ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية، الذي حذرت خمس دول يوم الأحد، بينها سوريا وتركيا، من خطر عودته.
“عائلات بأكملها قتلت في أعمال العنف الأخيرة في سوريا” – الأمم المتحدة
وأُعلن عن تأسيس قوات سوريا الديمقراطية، في أكتوبر تشرين الأول من عام 2015، في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة، إحدى المناطق الحدودية في شمال سوريا، التي تسكنها أغلبية كردية، وكانت المسرح الرئيسي لعمليات “قسد”.
وقدمت قوات سوريا الديمقراطية بنفسها في بيانها التعريفي، على أنها تكتل عسكري وطني لكل السوريين، يضم الأكراد والعرب والتركمان والسريان. وأوضحت حينها أن هدفها الرئيسي هو دحر ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية، واستعادة جميع الأراضي التي اجتاحها التنظيم المتشدد آنذاك.
وحصلت قوات سوريا الديمقراطية على الدعم المالي والعسكري في إطار الحرب على ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية، وشقت طريقها على الأرض بدعم أساسي من قوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة.
وتمكنت قوات سوريا الديمقراطية من طرد ما يعرف تنظيم الدولة الإسلامية من عدة مناطق استراتيجية، والسيطرة على مساحات واسعة من شمال شرق سوريا.
ويقول البروفيسور ديفيد ديس روشيس، الأستاذ المشارك في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الأمنية والزميل غير المقيم في منتدى الخليج الدولي في واشنطن، لبي بي سي عربي: “يبدو أن الولايات المتحدة كانت وسيطا رئيسيا في هذا الاتفاق، فمن المفترض أن يعزز هذا الاتفاق المصالح الأمنية الأمريكية”.
ويرى روشيس أن “الولايات المتحدة لا تملك استراتيجية طويلة الأجل لسوريا، لدينا فقط الكثير من الأشياء السيئة، مثل غياب الحكم في شرق سوريا، الذي قد يسمح لما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية بإعادة بناء نفسه، وإنشاء الجسر الإيراني البري من إيران عبر العراق وسوريا إلى لبنان”.
الدولة العلمانية
ولطالما طالبت قوات سوريا الديمقراطية بإقامة دولة علمانية، إذ أعلن قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، أنهم يريدون دولة علمانية ومدنية في سوريا في مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد، فإلى أي مدى يتعارض ذلك مع توجهات الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع؟.
يقول أمجد عثمان، نائب رئيس مجلس سوريا الديمقراطية، لبي بي سي عربي إن مدى التوافق أو الاختلاف، يعتمد على طبيعة الدستور الجديد، وإذا كان الاتفاق يشكّل أساساً لعقد اجتماعي جديد، فقد يسهم في صياغة دستور عادل ومتوازن.
وحذر عثمان من أن التركيز على هذه الخلافات الآن، قد يشتت الانتباه عن الأولويات الأهم، مثل إعادة الإعمار وتحقيق العدالة الاجتماعية، مضيفاً أن قوات سوريا الديمقراطية، تسعى من خلال هذا الاتفاق إلى ضمان حقوق مكوناتها ضمن إطار وطني، وتعزيز الاستقرار في مناطقها، والمشاركة في بناء سوريا تعددية ديمقراطية.
ويرى الكاتب والصحفي السوري عبده زمام أن هذا التباين الأيديولوجي يمثل تحدياً كبيراً أمام هذا الاتفاق بين الطرفين، فقوات سوريا الديمقراطية تسعى لضمان حقوق الأكراد، في إطار من التعددية السياسية الدينية، بينما تريد الحكومة السورية الجديدة لهذا النظام أن يكون مركزيا، ولكنها تتفهم أن يكون هناك بعض من التراخي، وبعض من النفس الطويل في التفاوض على حد وصفه.
وأكد زمام الحاجة إلى الوصول إلى صيغ توافقية تضمن حقوق الأكراد دون تهديد النظام المركزي، ما يتطلب تفاهماً تدريجياً حول الحكم الذاتي والحقوق الثقافية، مضيفاً أن تم إعطاء “الكثير من التطمينات حول الثقافة واللغة والمشاركة السياسية في سوريا الجديدة”.
ويرى البروفيسور ديفيد ديس روشيس أن الاتفاق موضع ترحيب، باعتباره علامة جيدة للمضي قدماً، إلا أنه أوضح أنه يمثل بداية للمناقشات والعمل الجاد حول كيفية توزيع عائدات النفط، ومدى نفوذ الحكومة السورية، ودور قوات سوريا الديمقراطية، ومدى إمكانية نزع سلاحها، وكل هذه الأمور لا تزال قيد التفاوض.
ووصف عبده زمام الاتفاق بأنه خطوة نحو مرحلة سياسية معقدة قد تحمل في طياتها احتمالات متعددة، ولكن هذا الاتفاق يعكس نوع من التوافق المرحلي الإطاري المبدئي، والتسوية السياسية التي تسمح للأكراد ببقائهم كجزء من العملية السياسية السورية ضمن إطار أكبر وأوسع.
حزب العمال الكردستاني يعلن وقف إطلاق النار مع تركيا
ويتوقع الدكتور أحمد أويصال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة إسطنبول في حديثه لبي بي سي عربي أن يكون للاتفاق تأثيرات إيجابية على استقرار المنطقة وعلى دول الجوار مثل تركيا والعراق والأردن.
وأضاف أن الاتفاق سيؤثر إيجابياً على اقتصاد تركيا وسياستها وأمنها، باعتبارها دولة سياحية صناعية تجارية.
ويعد الاتفاق المؤلف من ثمانية بنود، خريطة طريق يُفترض أن تعمل لجان مشتركة على نقاشها، ووضع آليات تنفيذها بمهلة لا تتجاوز نهاية العام، بما يضمن حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في الحياة السياسية وكافة مؤسسات الدولة، في موازاة رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية.
- سوريا: كيف يغذي إرث نظام البعث شكوك الأكراد بشأن الإدارة الجديدة؟
- اتفاق بين “قسد” والحكومة السورية يقضي باندماجها ضمن مؤسسات الدولة، فما هي قوات سوريا الديمقراطية؟
- قسد: ماذا نعرف عن قوات سوريا الديمقراطية وقائدها مظلوم عبدي؟
Powered by WPeMatico
** مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.
Comments are closed.