اللبنانيون يعانون استعصاءَ «لغز» خفض السعر الرسمي لليرة 10 أضعاف

اللبنانيون يعانون استعصاءَ لغز خفض السعر الرسمي لليرة 10 أضعاف

دَخَلَ لبنان متاهةً نقديةً جديدةً نَسَجَتْ خيوطَها وزارةُ المال عبر بيانٍ رسمي ومسائي مفاجئ (الأربعاء) قضى برفع سعر صرف الدولار الرسمي 10 أضعاف من 1507 ليرات إلى 15 ألف ليرة، لتعود الوزارة عينها، وبعد ساعتين فقط، الى صدْم الأوساط كافة والأسواق بتصويب القرار وربْط العمل به بشرط إقرار خطة التعافي التي أوصلتْها الحكومة «بريدياً» إلى مجلس النواب، ومن دون التقدم رسمياً بكتاب طرْحها على جدول الأعمال.

وفيما عجزالضجيج الذي أعقب القرار الأساسي عن توفير أجوبة شافية في شأن مفاعيل القرار على مجمل العمليات المالية ذات الصلة بموارد الخزينة العامة لجهة رفْع الضرائب والرسوم كافة بالنسب ذاتها لسعر الليرة الجديد، ومن ثم على المعاملات المصرفية في بنديْ المدخرات والقروض، بدا الاستعصاء أشدّ وقعاً في تفسير التوضيح الملتبس والذي ألقى اللوم في تداول مضمون القرار ومضاعفاته السوقية على الإعلام.

وتؤكد مصادر مالية ومصرفية أن ربط القرار بخطة التعافي وفق التصويب، رَفَعَ من منسوب الغموض في تحديد الهدف الحقيقي والنهائي الذي رمى اليه وزير المال يوسف خليل في قراره المسبوق أيضاً بتصريح مفاجىء نقلته وكالة «رويترز». وزاد في التعقيد المشهود امتناعُ الشريك الأساسي المعني، أي حاكمية البنك المركزي، وحتى الساعة، عن الادلاء بأي موقف أو تفسير من شأنه تبديد الالتباسات الناشئة.

ما يمكن استخلاصه، بحسب هذه المصادر التي استقصتها «الراي»، أن وزارة المال بلغتْ حدودَ الحَرَج الشديد في الإقدام على اتخاذ قرار بهذا الحجم وحمْل ثقله الكبير منفردةً، ثم وقعت في شرك الخروج منه ومن تداعياته بأقل الخسائر الممكنة، في حين يتوالى التداول بأن تغيير وزير المال شخصياً سيكون في صلب التعديلات المرتقبة لمعاودة تعويم حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بالاتفاق مع رئيس الجمهورية ميشال عون، ومحضها ثقة جديدة من مجلس النواب لتصبح بصلاحيات مكتملة قبيل بلوغ محطة انتهاء الولاية الرئاسية في 31 اكتوبر المقبل.

وتشير المصادر إلى الفوارق الصريحة بين البيانيْن المتعاقبين لوزارة المال مساء الاربعاء. ففي النص التصويبي ورد حرفياً «أن ما يتم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الوسائل الإعلامية والمواقع الإلكترونية في شأن تغيير في سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي سيتم على خطوتين: الأولى على صعيد الدولار الجمركي والثانية على صعيد سعر الصرف الرسمي المراد إعتماده بالتنسيق مع المصرف المركزي والذي يُعتبر خطوة أساسية بإتجاه توحيد سعر الصرف. وهذا مشروط بإقرار خطة التعافي التي يُعمل عليها والتي من شأنها أن تواكب تلك الخطوة».

ومن دون كثير عناء، يمكن استبيان ردّ الوزارة على ما أوردتْه في بيانها الأول حيث ورد أن قرار وقْف العمل بسعر صرف الدولار الأميركي على أساس 1507 ليرات أصبح إجراءً تصحيحياً لا بدّ منه وذلك «بعدما أقرّ مجلس النواب الموازنة العامة للعام 2022، حيث اعتُمد سعر صرف 15 ألف ليرة مقابل كل دولار أميركي، وبعدما بات من الملحّ تصحيحُ تداعياتِ التدهور الحاد في سعر الصرف وتَعَدُّديته على المالية العامة، وذلك تقليصاً للعجز وتأميناً للإستقرار المالي، وبما أن السير بخطّة التعافي المالي والنقدي والنهوض بالإقتصاد يتطلب توحيد سعر الصرف».

وبوضوحٍ لا يقبل المجادلة في التفسير، حسمت وزارة المال الموضوع بالنص انه «وكخطوة أولى بإتجاه توحيد سعر الصرف تدريجاً، تمّ الإتّفاق بين وزارة المال والمصرف المركزي على إعتماد سعر 15 ألف ليرة مقابل كل دولار أميركي، عملاً بأحكام المادتين 75 و83 من قانون النقد والتسليف، كما وسائر النصوص التنظيمية والتطبيقية الصادرة عن مصرف لبنان، على أن تعمل السلطات المالية والنقدية على إحتواء أي تداعيات على الأوضاع الاجتماعية للمواطن اللبناني (على سبيل المثال القروض السكنية) وكذلك على مساعدة القطاع الخاص على الإنتقال المنظّم الى سعر الصرف الجديد المعتمد. على أن يطبَّق هذا الإجراء إعتباراً من أول نوفمبر 2022».

بالنتيجة، أصبح الاقتصاد والأسواق والناس في قلب المتاهة، وبات فتْح باب الخروج مشروطاً بحل لغز، الدجاجة أولًا أم البيضة، مَن السابق ومَن اللاحق؟ فرغم وضوح التصويب لجهة انعدام أي فاعلية لقرار تحديد السعر الرسمي «المستحدَث» لليرة إزاء الدولار من خلال ربْطه بخطة لم تستقرّ على صيغة نهائية ومكتملة المواصفات على مدار ثلاث سنوات متتالية، سيستمر دفق الأسئلة ذات الصلة بمنظومات التسعير في كل المجالات بدءاً من رغيف الخبز وليس انتهاء بمصير المدخرات المحاصَرة في البنوك، وربما إلى حين الانتهاء من التعديل الوزاري وتجديد انطلاقة الحكومة.

وفي الانتظار، فإن ما يرد في مشروع خطة التعافي الحكومية في شأن سعر الصرف لا يقل غموضاً عن الالتباسات التي رافقت بيانيْ وزارة المال. فمع إقراراها بأن نظام الصرف الحالي لم يعد مستداماً، تشير إلى إجراء غير واضح لتوحيد سعر الصرف للمعاملات المصرَّح بها بعد تحويل منصة «صيرفة» الى منصة تداول ملائمة تجري من خلالها جميع المعاملات المصرَّح بها ويُحدَّد سعر الصرف فيها على أساس يومي، والحاجة الى إنشاء هيكل نقدي جديد لاستعادة الثقة وكبح جماح التضخم وانخفاض سعر الصرف، ووضع آلية شفافة وتعتمد على السوق في تحديد أسعار الفائدة والصرف.

كما يتحدث مشروع الحكومة عن السماح بتحرك سعر الصرف الرسمي واقتصار التدخل في سوق صرف العملات الأجنبية على الحد من التقلب الشديد في أسعار الصرف. كذلك العمل على تطبيق تدابير إدارة تدفق رأس المال وعلى تقليل الطلب على العملات الأجنبية بما يتيح سعر صرف متوازن مع قلة استخدام الاحتياطات الرسمية المحدَّدة.
https://www.alraimedia.com/article/1608455/خارجيات/العرب-والعالم/اللبنانيون-يعانون-استعصاء-لغز-خفض-السعر-الرسمي-لليرة-10-أضعاف

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.