تونس: هل تمثل حملة الاعتقالات الأخيرة حماية للدولة أم تصفية للمعارضة؟

قيس سعيد

Getty Images

في تصعيد جديد في تونس، تشن القوات الأمنية حملة اعتقالات منذ أيام شملت قيادات حزبية وقضاة وإعلاميين ورجال أعمال، وذلك في إطار الأزمة السياسية الحادة التي تعيشها البلاد منذ شرع الرئيس قيس سعيد في فرض إجراءات استثنائية في 25 يوليو/تموز من عام 2021.

وكان الرئيس التونسي قد أعلن، في ذلك التاريخ، إعفاء رئيس الوزراء حينها، هشام المشيشي، وتعليق البرلمان ورفع الحصانة عن النواب.

واستند سعيد في قراراته إلى تأويله الخاص للفصل 80 من دستور عام 2014 الذي يخول رئيس الجمهورية اتخاذ “تدابير استثنائية” إذا ما كان هناك “خطر داهم” يهدد البلاد.

ووسط مخاوف حيال الحرية السياسية، نفى سعيد أن يكون ما قام به انقلاباً، زاعماً أن تلك التحركات كانت قانونية وضرورية لإنقاذ تونس من الفوضى.

وقد شملت حملة الاعتقالات الأخيرة القيادي السابق بحركة النهضة عبد الحميد الجلاصي، والقيادي بالحركة نور الدين البحيري، والمدير العام للمحطة الإذاعية الخاصة “موزييك اف ام” نور الدين بوطار، ورجل الأعمال كمال لطيف، والناشط السياسي خيام التركي، و الناشط السياسي والمحامي لزهر العكرمي.

وقال المحامي غازي الشواشي لوكالة أنباء الأناضول إن القضاء التونسي يلاحق 7 أشخاص بتهمة “التآمر على أمن الدولة”، في تحرك “يستهدف معارضين لقيس سعيد” وفق تعبيره.

وأشار الشواشي إلى أن “7 أشخاص متعلقة بهم قضية تآمر على أمن الدولة، منهم: عبد الحميد الجلاصي (قيادي سابق بحركة النهضة) وكمال لطيف (رجل أعمال) وخيام التركي (قيادي سابق بالتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات)”.

فيما قال الناشط السياسي جوهر بن مبارك إن قوات الأمن “أوقفت كلا من القيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري، ومدير إذاعة موزاييك (خاصة) نور الدين بوطار”.

وفي أكثر من مناسبة، أكد سعيد استقلال السلطات القضائية، إلا أن المعارضة تتهمه باستخدام القضاء لملاحقة الرافضين لإجراءاته الاستثنائية.

بين الانتقاد والتبرير

تتهم المعارضة التونسية سعيّد بإقامة نظام استبدادي يقمع الحريات ويهدد الديموقراطية في تونس، إذ يواجه العديد من السياسيين إجراءات قانونية استنكرتها المعارضة ووصفتها بأنها تصفية حسابات سياسية.

وفي بيان صدر الثلاثاء، حذرت 4 أحزاب سياسية، وهي التيار الديمقراطي والتكتل وحزب العمال والقطب، من أن الاعتقالات تشير إلى “انحراف خطير من الشعبوية السلطوية نحو الديكتاتورية”.

وقد أدان حزب النهضة الإسلامي “اختطاف معارضي سعيد”. وقال الحزب في بيان صدر في هذا الشأن: “توسع سلطات الانقلاب في التضييق على رموز المعارضة، والصحفيين، ورجال الأعمال، ومسؤولي اتحادات الشغل دليل على التوتر وعدم القدرة على مواجهة الأزمة”.

ومن جانبه، ندد الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية)، بما قال إنها حملة “اعتقال عشوائية” و”تلفيق قضايا” تهدف إلى” التغطية على فشل السياسات الحكومية المتّبعة”.

تعيش تونس أزمة سياسية حادة منذ شرع الرئيس قيس سعيد في فرض إجراءات استثنائية في 25 يوليو/تموز من عام 2021.

Getty Images
تعيش تونس أزمة سياسية حادة منذ شرع الرئيس قيس سعيد في فرض إجراءات استثنائية في 25 يوليو/تموز من عام 2021.

وأضاف الاتحاد، في بيان، أن مكتبه التنفيذي “تابع ملفّ الانتهاكات المسلّطة على الحرّيات وعلى الحقّ النقابي وتدارس الوضع العام وخصوصا الوضع الاجتماعي المتدهور، ويسجّل تصاعد التوتّرات على جميع الأصعدة واستفحال الأزمة الاقتصادية وتعمّق تدهور الوضع الاجتماعي”.

كما ندد بـ”حملات الاعتقال العشوائية للعديدين والخروقات القانونية التي شابتها”، وكذلك “بما تمارسه السلطة من اعتداءات ضد النقابيين بمناسبة ممارستهم لحقهم النقابي، بما فيه حق التعبير وحق الإضراب سواء عبر الاعتقالات أو تلفيق القضايا الكيدية”، وفق البيان.

وأكد أن هذه الممارسات تستهدف “إلهاء الرأي العام عن مشاكله الحقيقية ومنها مشاكل المعيشة والشغل وضمان مستقبل الأبناء وللتغطية على فشل السياسات الحكومية المتّبعة”.

ومعلقا على الاعتقالات الجديدة، قال سعيد مساء الثلاثاء إن عددا من الموقوفين مؤخرا “متورطون في التآمر على أمن الدولة، ويقفون وراء الأزمات المتصلة بتوزيع السلع ورفع الأسعار”.

ومقابل تشديده على استقلال القضاء، تقول المعارضة إن سعيد يستخدم القضاء لملاحقة الرافضين لإجراءاته الاستثنائية وأبرزها حل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2022 وإقرار دستور جديد عبر استفتاء في 25 يوليو/ تموز الماضي.

وتعتبر قوى في تونس تلك الإجراءات “تكريسا لحكم فردي مطلق”، بينما تراها قوى أخرى “تصحيحا لمسار ثورة 2011″، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011).

وذكرت وكالة رويترز للأنباء أن المعارضة تشعر بالقلق المتزايد بشأن ما تعتبره محاولات سعيد لضم الجيش إلى الحكومة، مستشهدة بتعيين مسؤول عسكري بارز وزيراً للزراعة الشهر الماضي كمثال على ذلك. كما أشارت المعارضة إلى استخدام السلطات المتزايد للمحاكم العسكرية للنظر في القضايا السياسية منذ سيطرة سعيد على السلطة في عام 2021.

لكن محللين ودبلوماسيين يقولون إنه لا توجد مؤشرات على أن الجيش يسعى بنشاط لأي دور سياسي. لكن القلق المباشر للمعارضة هو قوات الأمن، مثل الشرطة وغيرها من الأجهزة الداخلية المسؤولة عن الاعتقالات منذ يوم السبت.

تنديد دولي

وقد أدانت الأمم المتحدة ما وصفته بـ “تفاقم القمع” ضد معارضين في تونس.

فقد أعرب مفوض حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فولكر تورك عن “قلقه من تفاقم القمع ضد أولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم معارضون سياسيون ومنتمون إلى المجتمع المدني في تونس ، ولا سيما من خلال الإجراءات التي اتخذتها السلطات في مواصلة لتقويض استقلالية القضاء”.

كما أعربت وزارة الخارجية الأمريكية عن احترامها لتطلعات الشعب التونسي إلى سلطة قضائية مستقلة وشفافة قادرة على حماية الحريات الأساسية. جاء ذلك في كلمة للمتحدث باسم الخارجية نيد برايس، وفق مقطع فيديو بثه الحساب الرسمي للوزارة على فيسبوك.

يأتي ذلك بعد حملة اعتقالات شملت شخصيات إعلامية ونشطاء سياسيين تونسيين.

ومطلع فبراير/ شباط الجاري، دعت الولايات المتحدة تونس إلى تعزيز المشاركة الديمقراطية بعد مشاركة 11.4 في المئة فقط من الناخبين في الدورة الثانية من انتخابات مجلس النواب محدود الصلاحيات.

وفي 21 أغسطس/ آب الماضي، قال الرئيس التونسي قيس سعيد خلال لقائه وفدا من الكونغرس إن “تصريحات بعض المسؤولين الأمريكيين حول تونس غير مقبولة”، مؤكدا أن بلاده دولة حرة مستقلة وذات سيادة.

وفي 29 يوليو/ تموز الماضي، أعلنت الخارجية التونسية في بيان، أنها استدعت القائمة بأعمال السفارة الأمريكية من أجل التنديد بـ”التدخل” وبالتصريحات “غير المقبولة” لمسؤولين أمريكيين انتقدوا الاستفتاء على الدّستور.

وكان بلينكن قد أصدر قبلها بساعات بيانًا اعتبر فيه أن “الدستور الجديد (أجري عليه استفتاء في 25 يوليو) يضعف الديمقراطية في تونس”.

وتزامن ذلك مع كلمة ألقاها سفير واشنطن الجديد لدى تونس جوي هود، أمام الكونغرس، أكد فيها أنه سيستخدم “جميع أدوات النفوذ الأمريكي للدعوة إلى العودة إلى الحكم الديمقراطي”.

في رأيكم:

هل حملة الاعتقلات الأخيرة تستهدف حماية الدولة من المتآمرين كما يقول سعيد أم لقمع المعارضة؟

وهل تعتبر تصعيدا جديدا للعلاقة المتوترة بين الحكومة والمعارضة في تونس؟

كيف ترون تأثير هذه الخطوة على مستقبل تونس؟

ما هي الحلول التي ترونها للخروج من المأزق السياسي الراهن في تونس؟

سنناقش معكم هذه المحاور وغيرها في حلقة الجمعة 17 فبراير/ شباط 2023

خطوط الاتصال تفتح قبل نصف ساعة من البرنامج على الرقم 00442038752989.

إن كنتم تريدون المشاركة عن طريق الهاتف يمكنكم إرسال رقم الهاتف عبر الإيميل على nuqtat.hewar@bbc.co.uk

يمكنكم أيضا إرسال أرقام الهواتف إلى صفحتنا على الفيسبوك من خلال رسالة خاصة Message

كما يمكنكم المشاركة بالرأي على الحوارات المنشورة على نفس الصفحة، وعنوانها:https://www.facebook.com/NuqtatHewarBBC

أو عبر تويتر على الوسمnuqtqt_hewar@

كما يمكنكم مشاهدة حلقات البرنامج من خلال هذا الرابط على موقع يوتيوب

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.