بي بي سي: كيف لجأ المصريون إلى الإذاعة لمعرفة نتيجة حرب 1973؟

“خلال الحرب، عندما كان يجري أحدهم في الشارع ليخبر الناس بتقدم الجيش المصري على الجبهة، تتعالى الأسئلة: من أين سمعت الخبر؟ فعندما يجيب من لندن، يصمت الجميع .. الخبر صحيح.”

هكذا يحكي الروائي المصري، زين العابدين فؤاد، تجربته مع إذاعة بي بي سي خلال حرب عام 1967 حينما فقد المصريون ثقتهم في إذاعة بلادهم التي بثت خبر انتصار مصر أمام إسرائيل وتحول فرحهم لحزن بسبب الهزيمة المؤلمة التي لحقت بالجيش المصري في سيناء.

الموقف دفع المصريين للتوجه إلى بي بي سي للتأكد من خبر الانتصار عام 1973 قبل النزول للاحتفال في الشوارع، كما يقول لي المهندس المصري، صفوت يوسف، الذي ظل لصيقا بالراديو خلال هذه الفترة وسنوات بعدها.

صفوت وزين العابدين عاصرا حروب مصر خلال القرن الماضي ويحكيان لبي بي سي كيف شكلت الإذاعة البريطانية ملجأ موثوقا هرع إليه كثير من المصريين لمعرفة أخبار الحرب.

رحلة بي بي سي عربي إذاعيا منذ 1938

“علمتُ بخبر إطلاق سراحي من بي بي سي”

“هنا لندن” تاريخ إذاعة في صفحات مكتوبة

طقوس لسماع الراديو وقت الحرب

خاضت مصر حروبا كبرى خلال القرن العشرين، من بينها حرب السويس عام 1956 وحرب 1967 وحرب أكتوبر عام 1973، وخلال هذه السنين كانت للراديو طقوس في منازل المصريين، كما يشرح الروائي زين العابدين فؤاد.

تبدأ هذه الطقوس منذ يوم الشراء إذ يجتمع الأهل ويأتي الجيران لرؤية الراديو الجديد وتشغيل محطاته.

وخلال ليالي الحرب تجد شوارع القاهرة فارغة تماما، سوى من أثير الراديو الذي يأتي من نافذة أو باب مفتوح، فمن لم يكن يسمع الراديو في العادة، كان يسمعه وقت الحرب، يضيف زين العابدين.

أما داخل منزل صفوت فكان الراديو يتربع على منضدة عالية يجلس جوارها والده يستمع لنشرة الأخبار وتلتف حوله العائلة ينظرون متلهفين للجهاز الصغير الذي ينقل الأخبار على الجبهة.

حرب الأيام الستة 1967

كان زين العابدين فؤاد يعمل مترجما في إحدى الصحف المصرية خلال حرب عام 1967. مهمته تركزت على ترجمة الأخبار التي تأتي من الوكالات الأجنبية وإرسالها لرئيس التحرير. لكن هذه الأخبار، كما يقول لي، لم تصل أبدا إلى النسخة المطبوعة. بل احتلت مكانها بيانات رسمية عن انتصارات وهمية للجيش المصري.

يقول زين: كان الوضع مؤلما، فكنت أعرف أخبار الهزيمة عبر الوكالات وراديو بي بي سي عربي، بينما الناس يحتفلون في الشوارع. أما مساء وبعد العودة إلى المنزل، فكنت لصيقا براديو بي بي سي عربي لمعرفة ما يحدث، ببساطة لأنه في ذلك الوقت كان يقدم الوقائع وهذا ما كنا نحتاجه.

في الخامس من يونيو/ حزيران، بدأت حرب الأيام الستة بين إسرائيل من جهة ومصر وسوريا والأردن من جهة أخرى. دمر الطيران الإسرائيلي أكثر من 90 في المئة من سلاح الجو المصري في هجوم مباغت أول أيام الحرب، واعتبر قادة إسرائيليون أن ذلك اليوم هو يوم الانتصار وما بعد ذلك إتمام المهمة فحسب.

الروائي المصري زين العابدين فؤاد

BBC
الروائي المصري زين العابدين فؤاد

شعب مصدوم

كانت الإذاعة نافذة المصريين على الحرب وخاصة إذاعة صوت العرب التي كانت تبث من القاهرة وأسست بدعم من الرئيس المصري حينها جمال عبد الناصر.

نشرت الإذاعة بيانات عسكرية متتالية عن إنجازات متقدمة للجيش المصري يتخللها أغان وطنية لنشر الحماسة والفرحة. حتى جاء يوم التاسع من يونيو /حزيران، وصُدمت الجماهير بخطاب عبد الناصر للتنحي بعد هزيمة الحرب.

بدأت الأسر المصرية حينها في البحث عن مصدر موثوق لسماع الأخبار، فكانت إذاعة بي بي سي نيوز عربي، كما يقول زين العابدين.

وأحد هذه الأسر، كانت أسرة المهندس صفوت يوسف الذي يحكي لي ذكرياته وهو طفل في العاشرة ووالده يجلس بجوار الراديو يستمع إلى نشرة الأخبار عبر أثير بي بي سي عربي، ويسأله صفوت لماذا تسمع إذاعة أجنبية؟ فيجيب والده، لأن بيانات حرب 1967 لم تكن دقيقة.

المهندس المصري صفوت يوسف

BBC
المهندس المصري صفوت يوسف

حرب أكتوبر 1973

كان اسم بي بي سي عاليا خلال حرب عام 1973، يقول صفوت، حيث بنت الإذاعة البريطانية علاقة وثيقة مع المصريين في نقل المعلومات بمصداقية والتعبير عن كل الأطراف. الأمر الذي دفع الجماهير للهرولة إلى نشرة أخبار بي بي سي للتأكد من خبر نصر السادس من أكتوبر عام 1973 بعدما أعلنته الإذاعة المصرية.

يضيف صفوت أن بيانات الإذاعة المصرية كانت متقاربة حينها مع الإذاعة البريطانية فاستعاد الإعلام المصري جزءا من ثقة جماهيره، لكن عندما وقع هجوم المنصة الذي راح ضحيته الرئيس المصري أنور السادات، عام 1981، سارع صفوت لمعرفة ما حدث عبر أثير بي بي سي والذي أكد حينها مقتل السادات.

يوضح زين العابدين أن الإعلام المصري نشر أخبارا متضاربة وقت هجوم المنصة، فقال أولا إن الرئيس عاد لبلدته ميت أبو كوم، مسقط رأسه بمحافظة المنوفية، ثم غير ذلك إلى أن الرئيس أصيب ونقل للمستشفى للعلاج، أما بي بي سي عربي فنقلت مباشرة خبر الوفاة، فاحتفظت بثقة المصريين.

صديق قديم يرحل

ورث صفوت حب الراديو من والده وخصوصا إذاعة بي بي سي عربي، حيث دأب على متابعة نشراتها في صغره وخلال سنوات شبابه. ويقول لي إن خبر إغلاقها ليس مُبررا، فهناك الكثيرون مثله لا يزالون يتابعون أثير هذه الإذاعة بانتظام حتى اليوم.

وأعلنت بي بي سي يوم السابع والعشرين من يناير كانون الثاني عام 2023 كآخر أيام بث أثير إذاعتها باللغة العربية، خبر وصفه زين العابدين بالمؤلم كرؤية صديق عزيز يرحل.

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.