روسيا وأوكرانيا: روسي يختبئ في غابة متجمدة لتفادي المشاركة في الحرب

في غضون أسبوع من إعلان فلاديمير بوتين تعبئة جزئية للرجال الروس العام الماضي، قرر آدام كالينين (ليس اسمه الحقيقي) أن أفضل خيار أمامه هو الانتقال للعيش في الغابة.

كان خبير تكنولوجيا المعلومات معارضا للحرب منذ البداية، وقد اضطر لدفع غرامة مالية وقضاء أسبوعين في الحجز لأنه وضع ملصقا كتب عليه “لا للحرب” على أحد جدران بنايته السكنية.

لذا، عندما أعلنت روسيا استدعاء 300 ألف رجل للمساعدة في تغيير مسار حرب كانت قد بدأت في خسارتها، لم يرغب كالينين في المجازفة باحتمال أن يُرسَل إلى الصفوف الأمامية لقتل الأوكرانيين.

لكن، بعكس مئات الآلاف من غيره من الروس، لم يكن يرغب في مغادرة بلاده.

فهناك أشياء ثلاثة أبقته في البلاد: الأصدقاء والقيود المالية وشعور بعدم الارتياح للتخلي عن كل ما يألفه.

يقول كالينين لـ بي بي سي: “ترك البلاد كان بمثابة خطوة صعبة خارج منطقة راحتي..الأوضاع ليست مريحة تماما هنا، لكن مع هذا، فإن الرحيل صعب للغاية من الناحية النفسية”.

يستخدم كالينين، وهو في العقد الثالث من عمره، هوائيا مثبتا في شجرة للدخول على شبكة الإنترنت، وألواحا شمسية للحصول على الطاقة.

يضطر في بعض الأحيان إلى تحمل درجات حرارة تصل إلى 11 درجة مئوية تحت الصفر، ويعيش على إمدادات الغذاء التي تحضرها له زوجته بصفة دورية.

يقول إن الاختباء بعيدا عن الأنظار هو أفضل وسيلة استطاع أن يتوصل إليها لتفادي التجنيد. إذا لم تتمكن السلطات من تسليمه أمر الاستدعاء للجيش بصفة شخصية، فإنها لا تستطيع إجباره على المشاركة في الحرب.

يقول كالينين: “إذا لم يستطيعوا أن يأخذوني بأيديهم ويرسلوني إلى مكتب التجنيد، فإن ذلك يعد بمثابة حماية لي بنسبة 99 في المئة من التعبئة أو أي شكل من أشكال المضايقة”.

يواصل كالينين حياته كالمعتاد إلى حد ما. فهو لا يزال يعمل على مدى ثماني ساعات يوميا في نفس وظيفته، ولكن خلال فصل الشتاء، بساعات نهاره القصيرة، لا يحصل على مقدار من الطاقة الشمسية يكفيه للعمل دواما كاملا، ومن ثم فإنه يعوض ما يفوته من ساعات خلال عطلة نهاية الأسبوع.

بعض زملائه يعيشون الآن في كازاخستان، حيث غادروا روسيا فور بدء تعبئة الجنود، لكن تغطية شبكة الإنترنت التي يحصل عليها من الهوائي طويل المدى المربوط بإحدى أشجار الصنوبر هي تغطية جيدة يستطيع الاعتماد عليها في اتصالاته دون مواجهة أية مشكلات.

كما أن كالينين يهوى قضاء الوقت في أحضان الطبيعة، إذ كان يقضي عطلاته في التخييم بجنوب روسيا برفقة زوجته. عندما اتخذ قراراه بالانتقال إلى البرية بشكل دائم، كان بالفعل لديه غالبية المعدات التي يحتاج إليها.

A saw for chopping wood hangs from the roof of a tent

Adam Kalinin
يقول كالينين إنه لا يعلم إلى متى ستستمر إقامته في الغابة

زوجة كالينين، التي قضت معه يومين في مخيمه خلال عطلة العام الجديد، تلعب دورا كبيرا في بقائه على قيد الحياة. فهي تجلب له الإمدادات كل ثلاثة أسابيع، حيث يلتقيان سريعا في مكان متفق عليه. ثم يحمل هو الإمدادات إلى مكان آمن يزوره كل بضعة أيام ليتزود. ويطهو كالينين طعامه باستخدام موقد يدوي الصنع وقوده الخشب.

يقول: “لدي شوفان، وحنطة سوداء، وشاي وقهوة وسكر. لا أحصل على ما يكفي من الفاكهة والخضروات الطازجة بالطبع، لكن الأمر ليس سيئا”.

منزل كالينين الجديد عبارة عن خيمة كبيرة من النوع الذي يستخدم عند الخروج لصيد الأسماك من المسطحات المائية المتجمدة. عندما جاء إلى الغابة للمرة الأولى، أقام مخيمين يبعد كلاهما عن الآخر مسيرة خمس دقائق. أحد هذين المخيمين به خدمة الإنترنت حيث يعمل، والآخر يوجد في موقع أكثر استتارا ينام فيه.

وبينما اقترب الشتاء وازداد الطقس برودة، دمج بين المخيمين حيث بات يقيم ويعمل تحت سقف واحد.

مؤخرا، انخفضت درجات الحرارة إلى 11 تحت الصف، وهو انخفاض فاق توقعاته. ولكن في الوقت الحالي، ومع ازدياد ساعات النهار مرة أخرى وبدء ذوبان الجليد، يعتزم كالينين البقاء في مكانه.

ورغم أنه لم يتلق أمر الاستدعاء للخدمة العسكرية، إلا أنه يقول إن الموقف يتغير باستمرار، ويخشى أن يستلم ذلك الأمر في المستقبل. رسميا، يُستثنى العاملون في مجال تكنولوجيا المعلومات مثل كالينين من التجنيد، لكن هناك العديد من التقارير الواردة من روسيا والتي تفيد بتجاهل إعفاءات مماثلة.

كان الرئيس الروسي قد أعلن التعبئة العسكرية في 21 سبتمبر/أيلول من العام الماضي بعيد الهجوم المضاد المباغت الذي شنته أوكرانيا في منطقة خاركيف، والذي استعادت خلاله السيطرة على أراض تبلغ مساحتها آلاف الكيلومترات المربعة من قبضة القوات الروسية.

يقول كالينين إن التعبئة كانت ضرورية للدفاع عن روسيا ضد الغرب. لكنْ كثيرون في البلاد اعترضوا على ذلك، وكانت هناك مشاهد من الفوضى على الحدود الروسية، مع فرار مئات الآلاف من الأشخاص.

استدعاء الجند أصبح له أثر بالغ على روسيا. فقبل الإعلان عنه، كان الكثير من المواطنين الروس قادرين على مواصلة حياتهم كما كانت قبل الحرب. صحيح أن بعض العلامات التجارية الغربية اختفت من البلاد، كما أن العقوبات المفروضة عليها صعبت من الإجراءات المالية، لكن التأثير المباشر على المجتمع كان محدودا.

بيد أن التعبئة جعلت من الحرب واقعا ملموسا تشعر به الكثير من الأسر الروسية. فجأة، نُشر العديد من الآباء والإخوة والأبناء على الصفوف الأمامية للحرب في غضون فترة قصيرة، وفي أغلب الأحيان لم يحصل هؤلاء على تدريبات كافية، كما أن ما أعطي لهم من معدات رديء الجودة. إذا كان الصراع قد بدا شيئا بعيدا من قبل، فقد أضحى الآن من المستحيل تجاهله.

ورغم ذلك، فإن الاحتجاجات العلنية أمر نادر الحدوث في روسيا – وهو ما انتقدته أوكرانيا وانتقده الغرب. لكن كالينين يقول إن الناس محقون في خوفهم مما قد يحدث لهم إن هم تظاهروا.

يضيف: “لدينا دولة ديكتاتورية أصبحت قوية للغاية. خلال الأشهر الستة الماضية، طبقت قوانين جديدة بوتيرة سريعة لا يصدقها عقل. إذا ما انتقد شخص الحرب علانية، فإن الدولة تلاحقه”.

حياة كالينين في الغابة أكسبته قدرا من الشعبية على شبكة الإنترنت، حيث يتابع نحو 17 ألف شخص منشوراته شبه اليومية على موقع تليغرام. ينشر كالينين صورا ولقطات فيديو لمحيطه، وروتينه اليومي، وكيفية تنظيمه لمخيمه. كما أن هناك العديد من اللقطات له وهو يقطع الخشب.

يقول كالينين إنه لا يفتقد الكثير من تفاصيل حياته السابقة. فهو يصف نفسه بالشخص الانطوائي الذي لا يمانع الوحدة، وإن كان يفتقد زوجته ويود لو أن باستطاعته رؤيتها لفترات أطول. لكنه يشير إلى أنه لا يزال يفضل وضعه الحالي على الذهاب إلى الصفوف الأمامية للحرب أو دخول السجن.

ويختم بالقول: “لقد تغيرت كثيرا، لدرجة أن الأشياء التي كنت أظن أنني سأفتقدها تلاشت وأصبحت على الهامش..الأشياء التي كانت تبدو مهمة في الماضي لم يعد لها نفس الأثر. هناك أشخاص في أوضاع أسوأ بكثير من أوضاعنا”.

Tree stumps covered in snow

Adam Kalinin
يقول كالينين إن الجليد بدأ في الذوبان مع بدء زيادة ساعات النهار

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.