الملكة إليزابيث الثانية: ما هي مظاهرات “اللافتات البيضاء”؟

A young woman holds up a blank piece of paper during a pro-democracy protest in Hong Kong

Getty Images
اللافتات البيضاء أصبحت إشارة بديلة على التحدي

في الأيام الأخيرة، اعتُقل عدد من الأشخاص بسبب مشاركتهم في احتجاجات خلال فعاليات رسمية أقيمت حدادا على وفاة الملكة إليزابيث الثانية ولإعلان خليفتها تشارلز الثالث ملكا للبلاد.

المحامي بول باولزلاند لم يكن من بين هؤلاء، ولكنه كان بطل حادثة مثيرة للجدل وقعت في 12 سبتمبر/أيلول. يقول إنه كان يحمل في يديه ورقة بيضاء في ساحة البرلمان بلندن، عندما اقترب منه ضابط شرطة وسأله عن بياناته الشخصية.

وزعم باولزلاند، الذي صور جزءا من الحوار الذي جرى بينه وبين الضابط وبثه على موقع تويتر، أن الضابط قال له إنه سيعتقله إذا كتب على الورقة البيضاء عبارة “ليس مَلِكي”.

وكانت هناك مظاهرات لافتات “بيضاء” مماثلة في إدنبرة أثناء سير موكب نعش الملكة في شوارع إسكتلندا، ولم يكن هناك أي تقارير تفيد بحدوث اعتقالات. بيد أن الفيديو الذي بثه باولزلاند على تويتر دفع شرطة لندن إلى إصدار بيان جاء فيه أن الشعب “من حقه التظاهر”.

كتبت شرطة العاصمة على صفحتها على توتير في 12 سبتمبر/أيلول: “قطعا من حق الشعب أن يتظاهر، وقد أوضحنا ذلك لكافة الضباط المشاركين في العملية الأمنية غير العادية التي تجري حاليا”.

Blank sign protest in Edinburgh

Getty Images
أدى اعتقال متظاهرين مناوئين للملكية في المملكة المتحدة إلى مظاهرات في لندن وإدنبرة رفع المشاركون فيها لافتات بيضاء

تحد ساخر؟

هذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها ورقه بيضاء للتظاهر والاحتجاج، لكن هذا النوع من الاحتجاج يتكرر حدوثه بشكل أكبر في بلدان يعتبر فيها قمع أي معارضة أمرا شائعا.

على سبيل المثال، احتجزت الشرطة في كازاخستان ناشطا شابا يدعى أصلان ساغوتينوف في عام 2019 بعد أن حمل لافتة بيضاء في ساحة أباي بوسط مدينة أورال الواقعة غرب البلاد، ورفعها أمام مكاتب المجلس المحلي.

وقال الناشط البالغ من العمر 24 عاما في الفيديو، مخاطبا الصحفيين: “أنا لا أشارك في مظاهرة، ولكنني أرغب في أن أثبت أنهم سيقتادونني إلى قسم الشرطة رغم أنه ليست هناك أية كلمات مكتوبة على اللافتة، ورغم أنني لم أردد أية شعارات”.

تقول الدكتورة كاترينا نافيكاس الخبيرة في تاريخ المظاهرات والعمل الجماعي بجامعة هارتفوردشير بالمملكة المتحدة أن التظاهر برفع لافتات بيضاء يسير على نفس خطى أشكال أخرى من المعارضة، والتي تعود إلى القرن الثامن عشر.

وتضيف الدكتورة نافيكاس في تصريحات لـ بي بي سي أن “الحركة الميثاقية الديمقراطية التي شهدتها أربعينيات القرن التاسع عشر نظمت مظاهرات صامتة في الشوارع احتجاجا على قمع السلطات المحلية لاجتماعاتها المعتادة”.

“في مانشستر عام 1795، شُكل ‘نادي التفكير’ لعقد اجتماعات صامتة احتجاجا على التشريع الحكومي الذي يحظر ‘الاجتماعات المثيرة للفتنة’ والتجمعات الديمقراطية”.

لكن الدكتورة نافيكاس ليست على دراية بحدوث التظاهر باللافتات البيضاء الذي يخلو من الشعارات والرموز وحتى الألوان التي تمثل قضية سياسية في التاريخ الحديث.

“يبدو ذلك ابتكارا جديدا، وإن كان يتم باتباع أسلوب النقد الساخر للقيود التي تفرضها السلطة”.

(صورة نشرت على موقع تويتر تظهر على ما يبدو اعتقال متظاهر معارض للحرب يحمل لافتة بيضاء)

https://twitter.com/khadljasays/status/1569701229009281025/photo/1

كما شوهدت لافتات بيضاء في روسيا خلال العقدين الماضيين، ولكنها أضحت أكثر شيوعا في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط من العام الجاري. وقد قمعت السلطات الروسية بشدة المظاهرات المعارضة للحرب، وجرى اعتقال نحول 16000 شخص لمشاركتهم في تلك الاحتجاجات حتى الـ 17 من أغسطس/آب الماضي، وفق مشروع أبحاث حقوق الإنسان الروسي OVD-Info.

وظهرت تقارير وروايات على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام مستقلة تفيد باعتقال أشخاص يحملون لافتات بيضاء في عدة مدن روسية.

والمفارقة هي أن ثمة مزحة من العهد السوفيتي عن اعتقال شخص يوزع منشورات عبارة عن ورق أبيض في الميدان الأحمر بموسكو.

تقول الدكتورة نافيكاس إن مثل هذا الشكل من أشكال الاحتجاج أحيانا يكون “مزعجا” بشكل خاص للسلطات.

“كما في حالة المظاهرات الصامتة، يكون من الصعب على الشرطة أن تثبت ارتكاب مخالفة، أو أن هناك نية لارتكاب مخالفة”، وفق قولها.

“الجميع يحفظون الشعار عن ظهر قلب”

المظاهرات التي شهدتها هونغ كونغ عام 2020 احتجاجا على قانون أمني جديد فرضته الصين على الإقليم، والذي يجرم بعض الشعارات المؤيدة للديمقراطية، تضمنت أيضا لافتات بيضاء كجزء من تلك الاحتجاجات.

Pro-democracy protesters in Hong Kong waving blank signs in 2020

Getty Images
لجأ معارضون مؤيدون للديمقراطية في هونغ كونغ إلى استخدام اللافتات البيضاء خلال عدد من المظاهرات التي نظمت عام 2020

أحد المتظاهرين، وهو رجل في الخمسينيات من العمر، أخبر وكالة رويترز للأنباء بأن “الجميع يحفظون الشعارات عن ظهر القلب”، ومن ثم لا حاجة إلى كتابتها. فقد كان الغرض هو إلقاء الضوء على الرقابة.

وأضاف الرجل أن “هذه الشعارات ستظل دائما محفورة في قلبي، وهذه الكلمات سوف تبقى دائما على ذاك الورق الأبيض، ولن تختفي أبدا”.

مخاوف بريطانية

حق التظاهر السلمي مكفول للجميع في المملكة المتحدة.

حقوق حرية التعبير عن الرأي وحرية التجمع منصوص عليها في الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان، والذي تم تضمينه في التشريعات البريطانية عام 1998 في إطار ما يعرف بقانون حقوق الإنسان.

لكن ثمة حدود لحقوق الإنسان هذه. فهناك قوانين أخرى تسمح للشرطة بتقييد الحريات عندما يكون من الضروري ومن الملائم القيام بذلك – لا سيما عندما يستوجب الأمر حماية الأمن الوطني والسلامة العامة أو الحيلولة دون وقوع الفوضى أو ارتكاب جرائم. يجوز اعتقال المتظاهرين بموجب قانون النظام العام. فالبند رقم 5 من ذلك القانون يمنح للشرطة في إنجلترا وويلز سلطة اعتقال شخص إذا كان ثمة احتمال أن يؤدي سلوكه إلى مضايقة الآخرين أو إخافتهم أو إزعاجهم. وقد تُفرض غرامات مالية على المتظاهرين إذا ما اتهموا بارتكاب تلك المخالفات.

Protesters outside Cardiff Castle during the Welsh Proclamation of King Charles III on 11 September in Cardiff

Getty Images
وجهت انتقادات للطريقة التي تعاملت بها الشرطة مع بعض المظاهرات المناوئة للملكية في بريطانيا

غير أن جماعات الحقوق المدنية أعربت عن قلقها إزاء اعتقال متظاهرين معارضين للملكية في المملكة المتحدة. من بين تلك الجماعات جماعة “ليبرتي” (Liberty) التي قالت إنه “من المقلق للغاية رؤية الشرطة وهي تطبق صلاحياتها الموسعة بمثل هذه الطريقة التي تتسم بالقسوة والمبالغة”.

وتقول جودي بك مسؤولة السياسات والحملات بجماعة ليبرتي: “التظاهر ليس هبة من الدولة، إنه حق أساسي”.

على الأقل في حالة بول باولزلاند، الانتقادات التي وجهت إلى الشرطة على وسائل التواصل الاجتماعي نجحت في تحقيق هدفها. فقد كتب باولزلاند على موقع تويتر في 14 سبتمبر/أيلول أنه هو ومجموعة من المتظاهرين الذين حمل بعضهم لافتات بيضاء وحمل البعض الآخر لافتات كتب عليها شعارات معارضة للملكية، وقفوا جميعا أمام قصر وستمنستر دون أن يعترضهم أحد.

وكتب المحامي: “التزم ضباط الشرطة بالبيان الصادر عن شرطة العاصمة وتركونا وشأننا. أعتقد أن هذا يشكل نصرا حقيقيا نتج عن رد الفعل [المنتقد للشرطة] والضغوط الشعبية”.

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.