خلية البيتلز: بماذا شعرت ديان فولي عندما جلست مع أحد قتلة ابنها؟

ديان فولي وألكساندا كوتي

BBC
ديان فولي (يمين) التقت بأليكساندا كوتي (يسار) ، أحد أعضاء خلية البيتلز التابع لداعش الذي ساعد في قتل ابنها

يواجه رجلان من خلية البيتلز التابعة لتنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية، العدالة في الولايات المتحدةبتهمة المشاركة في قتل الصحفي الأمريكي جيمس فولي، في عام 2012. والمتهمان هما الشفيع الشيخ وألكساندا كوتي.

وصدر الحكم في 19 من أغسطس/آب 2022، بحق الشيخ وهو السجن المؤبد بعد إدانته بارتكاب جرائم إرهابية…

جلست والدة جيمس وجهاً لوجه مع الرجل الآخر، ألكساندا كوتي، لترى إذا كان بإمكانها مسامحته.

كان صباحاً بارداً في ولاية فيرجينيا العام الماضي عندما جلست ديان فولي أمام الرجل الذي اختطف ابنها وساعد في قتله، كانت تنظر إليه بتمعن، محدقة في كل تفاصيل وجهه بينما كانا يجلسان في غرفة ملحقة بقاعة المحكمة التي حكمت عليه لاحقاً بالسجن مدى الحياة.

عندما دخلت ديان الغرفة، كان ألكساندا كوتي هناك بالفعل، جالساً وسط ضوضاء وصخب عملاء مكتب التحقيقات الفديرالي ومحامي الدفاع والمرافقين.

ولكن عندما جلست، “شعرتُ وكأنني أنا وهو لوحدنا نظرنا إلى بعضنا البعض وألقينا التحية”.

ونظراً لأن زيارتها كانت مدروسة ومخطط لها، فإن ثقل المشاعر نتيجة تجربتها جعل صوتها باهتاً خافتاً أثناء سردها لكل ما جرى في تلك اللحظة.

وقالت: “لم يكن ذلك بالأمر السهل لكنه كان مهماً، ولو كان جيم على قيد الحياة لطلب مني بأن أفعل هذا”. في إشارة إلى ابنها الصحفي جيمس فولي.

ترددت أصداء مقتله في عام 2014 على يد خلية إرهابية تُعرف باسم خلية “البيتلز” جميع أنحاء العالم، وأظهر ذلك وحشية الجماعة المعروفة باسم الدولة الإسلامية.

سيطرت الجماعة على مساحات شاسعة من العراق وسوريا، وأجبرت الملايين على العيش في ظل حكمها الوحشي.

في ذروة هيمنتها على المنطقة بين عامي 2014-2017 ، أصبحت من أكثر الجماعات الإرهابية رعباً في العالم.

تنظيم الدولة الإسلامية: كيف تعرفت الشرطة البريطانية على أعضاء خلية البيتلز؟

الشفيع الشيخ: ابن الأسرة اليسارية الذي أصبح جلاداً في “الدولة الإسلامية”

طالبان: ما هي أوجه الشبه والاختلاف بين الحركة وتنظيم الدولة الإسلامية؟

أيمن الظواهري: من جراح عيون إلى زعيم تنظيم القاعدة

مقتل الصحفي الأمريكي فولي “خيانة مطلقة” لبريطانيا

أصبح مقتل جيمس، الذي بثته الخلية على موقع تويتر في 19 أغسطس/أب 2014، واحدة من أكثر الصور ديمومة وتداولاً في العصر الحديث: شاب راكع في الصحراء في بذلة برتقالية اللون، وبجانبه يقف رجل يرتدي ملابس سوادء من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه وهو يمسك بسكين متوعداً الغرب ويقطع رأس جيمس أمام الكاميرا.

كان الفيديو يحمل عنوان “رسالة إلى أمريكا”.

بعد سبع سنوات، أُدين بريطانيان سابقان، الشفيع الشيخ (33 عاماً) وألكساندا كوتي (38 عاماً) في محكمة أمريكية لتورطهما في مقتله كجزء من الخلية الإرهابية.

وحكم على الشيخ في فيرجينيا يوم 19 من أغسطس/آب الحالي بالسجن مدى الحياة.

وفي أبريل /نيسان، حكم على كوتي السجن المؤبد ايضاً، والتقت به ديان، والدة جيمس فولي.

بالنسبة لها، كانت الساعات الأربع التي أمضتها في الحديث معه، بمثابة تأكيد على الإيمان والتسامح والالتزام بما أصبح الآن شغلها الشاغل، بعد صدمتها بوفاة ابنها، وكرست حياتها له ألا وهو تحرير الرهائن في جميع أنحاء العالم.

كايلا مولر: عاملة الإغاثة التي أطلق اسمها على عملية قتل أبو بكر البغدادي

أبو إبراهيم القرشي: بايدن يعلن مقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية بعدما “فجر نفسه” خلال عملية أمريكية

لم تكن ديان التي تبلغ من العمر الآن 72 عاماً، تتخيل حياة كهذه لنفسها. قبل اختفاء جيمس في سوريا عام 2012 ، كانت تعمل ممرضة، لكنها تركت وظيفتها في الأسابيع التي تلت اختفائه.

لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يتعرض فيها ابنها للاختطاف أثناء قيامه بالعمل الصحفي، ففي مارس/آذار 2011 ، اختُطف جيمس وزملاء آخرين له في ليبيا من قبل حكومة معمر القذافي السابقة، ولكن أطلق سراحهم بعد 44 يوماً.

أما في عام 2012، انتهى كل شيء على نحو مختلف تماماً.

سافر جيمس إلى سوريا في تشرين الأول/أكتوبر 2012، لإعداد تقرير عن الصراع المتنامي هناك، ولأنه كان يعلم مدى خطورة الوضع، ظل على اتصال وتواصل مستمر مع أسرته.

ولكن بحلول تشرين الثاني/نوفمبر، كان عيد الشكر قد مرَّ دون أن تسمع ديان عن ابنها أي خبر، ولم تتلقَ أي رسالة على بريدها الالكتروني إلا في وقت لاحق من ذلك الشهر.

كانت الرسالة من خاطفي جيمس.

جاء في الرسالة التي كتبتها الجماعة الإرهابية إليها، إنه إذا كانت أسرة جيمس تريد عودته، فعليهم حمل الحكومة الأمريكية على إطلاق سراح سجناء مسلمين بارزين أو دفع فدية بقيمة 100 مليون يورو.

كما تم تقديم مطالب مماثلة لعائلات الرهائن الأمريكيين الآخرين الذين خطفتهم الخلية الإرهابية أيضاً، مثل الناشطة في مجال حقوق الإنسان كايلا مولر وبيتر كاسيج والصحفي ستيفن سوتلوف.

ومرت أسابيع وشهور، والأسرة لا تزال تأمل في أن يعود جيمس “إلى الوطن بحلول عيد الميلاد”، على حد قول ديان.

جيمس فولي

BBC
الصحفي جيمس فولي الذي قُطع رأسه من قبل خلية البيتلز

وتقول ديان إن حكومة الولايات المتحدة طلبت من أسرة فولي عدم التفاوض، بل وتلقوا تهديدات بالملاحقة القضائية إذا حاولوا جمع الفدية بأنفسهم، لكن وزارة الخارجية الأمريكية نفت أن تكون قد فعلت ذلك.

مرت أشهر قبل أن تتلقى أسرة فولي رسالة أخرى تهددهم بقتل جيمس في أعقاب الضربات الجوية الأمريكية.

وجاء في رسالتهم الأخيرة أنه “سيتم إعدامه كنتيجة مباشرة لانتهاكات بلدك بحقنا”.

علمت ديان بمقتل جيمس من صحفي، وتقول: “اعتقدت أنها مزحة قاسية من الصحفي”.

في الأسابيع التي تلت مقتل جيمس استمرت الخلية الإرهابية في تعذيب وضرب وتجويع بيتر وستيفن. كما توفيت كايلا مولر في عام 2015 ، إلا أنه لم يتم تصويرها مثل الآخرين أبداً.

في ذلك العام ، قتلت غارة أمريكية بطائرة مسيّرة، محمد إموازي ، المتشدد الذي يُنظر إليه على أنه زعيم الخلية، لكن الأمر استغرق حتى عام 2018 حتى تم القبض على الاثنين الآخرين – الشفيع الشيخ وألكساندا كوتي – من قبل ميليشيا كردية مدعومة من الولايات المتحدة في شمال سوريا، ثم تم احتجازهما لاحقاً لدى الولايات المتحدة.

كان العضو الرابع في الخلية إيان ديفيز معتقلا في أحد السجون في بتركيا وهو الآن في المملكة المتحدة رهن الإعتقال بتهم تتعلق بالإرهاب.

طالبت أسر المخطوفين بتسليمهما إلى الولايات المتحدة ومحاكمتهما في محكمة فديرالية بدلاً من إرسالهما إلى السجن العسكري في خليج غوانتانامو.

وقالت ديان: “كان من المهم للغاية بالنسبة لنا أن يحاكم هؤلاء الرجال في أمريكا، وأن يحاكموا محاكمة عادلة”.

قالت إن الطريق إلى العدالة محفوف بالمخاطر وصعب. “لقد استغرق الأمر حوالي 10 سنوات للوصول إلى هذه اللحظة”.

وأضافت: “تمنيت لو تعاونت بلداننا وعملت جنباً إلى جنب لإحضار أبنائنا وبناتنا إلى الوطن بدلاً من الاضطرار إلى قضاء الكثير من الوقت في التحقيق بجرائم القتل، لكن يظل هذا أفضل من لاشيء”.

أما قضية كوتي وبعكس الشيخ، فلم تعرض أمام المحكمة، بدلاً من ذلك أقر بأنه الذنب في ثماني تهم موجهة له تتعلق بخطف وتعذيب وقطع رؤوس رهائن احتجزوا من قبل الجماعة الإرهابية في سوريا، كما وافق على مقابلة أسر الضحايا كجزء من الصفقة ومنهم ديان التي قبلت اللقاء به.

قالت ديان إنها شعرت بتوازن أكبر في تلك الغرفة الصغيرة التي واجهت فيها الرجل، بعد أن أدين بتهمة المساعدة في قتل ابنها.

وأضافت: “كان لا يزال مخيفاً، لكن لأنني كنت أعرف أنني بأمان وأنه غير قادر على إيذائي، امتلكت بعض القوة”.

“لقد سبق وأن قام بعمل أسوأ ما يمكن وأخذ مني حبيبي”.

وأوضحت أنها خلال الساعات الأربع التي أمضته معه، بدأت تشفق على الإرهابي ألكساندا كوتي الذي سيمضي بقية عمره خلف القضبان.

“أردت أن يواجه كوتي فظاعة ما فعله”، وهي تخبره عن جيمس، أكبر أبنائها الخمسة الذي قتله، لكي يدرك الجانب الخير الذي دمره ولماذا كان أناس مثل جيمس أصلا في سوريا… لأنهم كانوا يشعرون بالواجب للقيام بذلك وأرادوا إيصال الحقيقة إلى العالم”.

استمع كوتي بهدوء ثم تحدث هو الآخر عن أسرته.

“قال إنه يدعو أن يغفر الله له، وأراها صورة عائلته، ولديه بعض الأطفال الصغار الذين ربما لن يراهم مرة أخرى. لقد جعلني أدرك كم خسر هو الآخر من خلال السير وراء الكراهية والدعاية. لقد جعلني اشعر بالأسى على حاله”.

لكنه لم يخبر ديان قط بمكان دفن جثث الرهائن الذين قتلهم هو وشركاؤه. وحتى اليوم، لم يتم العثور عليهم.

جيمس فولي وديان فولي

BBC

وقالت: “لم يعتذر عما فعله ابداً، لكنه كان رزيناً وكئيباً ومحترماً معي ويتحدث عن شعوره بالندم”.

وتتذكر قائلة عندما التفتت لتقول جملة أخيرة له قبل أن تغادر: “قلت له آمل أن نتمكن منمسامحة بعضنا البعض يوماً”.

نظر إليها بحيرة وقال: “ليس هناك ما أسامحك عليه”.

وأوضحت أن مناشدتها تنبع من إيمانها الكاثوليكي – وهو أساس قوتها وما دفعها إلى الاستمرار.

قالت: “أعلم أنه ليس هناك ما يغفره لي” وبعد توقف وبدت وكأنها تبحث عن الكلمات المناسبة تابعت كلامها: “لا أحد منا مثالي وكامل، كلنا نفعل اشياء نندم عليها لاحقاً”.

“لو تملكتني الكراهية نحوهم هذا يعني أنهم حققوا ما كانوا يرمون إليه وسيواصلون أسري لأنني لست على استعداد لكي أكون مختلفة عما كانوا عليه هم مع ابني. علينا أن نصلي من أجل أن نمتلك الشجاعة لنكون بعكس ذلك”.

“إنها رحلة شاقة نحو الصفح والمغفرة، إننا في بداية المشوار ولكن هذا ما أطمح إليه”.

في الأسابيع الثلاثة التي تلت مقتل جيمس، أنشأت ديان شيئاً يمنحها هدفاً لحياتها الآن، ألا وهو مؤسسة إرث جيمس دبليو فولي.

وتدعو المؤسسة الحكومة إلى بذل المزيد من الجهد لمساعدة الأمريكيين المحتجزين كرهائن في الخارج.

جعلها عملها ومثابرتها قوة سياسية، وصفت عائلات رهائن أخرى ديان بأنها “امرأة لا تقهر”.

وقالت: “يجب أن تسند الحكومات مواطنينا عندما يسافرون عبر الحدود”.

“إن الحكومات يجب أن تكون ذكية وأن يكون لديها العديد من الأدوات لاستخدامها عند اللزوم مثل: العقوبات والمساعدات الإنسانية واللقاحات أو التأشيرات وأي شيء لفتح قنوات إنسانية حتى نتمكن من إيقاف رعب أخذ الرهائن على الصعيد الدولي”.

لكن رغم كل ذلك، فإن العذاب لم يتوقف بالنسبة لها أو لعائلتها، كما تقول.

“لقد كان الأمر صعباً للغاية على إخوة وأخت جيم وزوجي. وقد ندفع الثمن طيلة حياتنا بسبب كل ما مررنا به. كلنا نعاني من الكثير من ضغوط ما بعد الصدمة”.

قال أفراد عائلات الضحايا الآخرين إنهم لن يكرروا ما قامت به يان.

وقالت بيثاني هينز، ابنة ديفيد، لبي بي سي في أبريل / نيسان، أثناء محاكمة الشفيع الشيخ أمام المحكمة: “لن أسامحهم أبداً وهو قراري النهائي الذي اتخذته عن قناعة تام.

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.