روسيا وأوكرانيا: هل تؤدي الحرب إلى ركود عالمي؟

امرأة تمشي بجوار شاشة إلكترونية تعرض مؤشر هانغ سنغ في 4 مارس 2022 في هونغ كونغ

Getty Images
تسببت الحرب في أوكرانيا بصدمات في الاسواق المالية

لا يزال الخبراء يعتقدون أن الاقتصاد العالمي سينمو هذا العام على الرغم من الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، لكن تأثيرها سيكون ملموساً في جميع أنحاء العالم، وتعتمد درجة الضرر بشكل حاسم على المدة التي ستستغرقها الحرب.

وهذا الضرر يتوقف على مدى استمرارية الاضطرابات الأخيرة في الأسواق وما إذا كانت صدمة مؤقتة أم أزمة دائمة.

فكيف ستؤثر الحرب على الاقتصاد العالمي، وهل ستؤدي إلى حالة ركود؟

التأثير يختلف باختلاف المكان الذي تعيش فيه

ستكون العواقب الاقتصادية للحرب “مأساوية” بالنسبة لروسيا وأوكرانيا، لكن ستختلف بالنسبة للمناطق الأخرى حول العالم، وفقاً لشركة اكسفورد إيكنوميكس الاستشارية التي تتخذ منالمملكة المتحدة مقراً لها.

وعلى سبيل المثال، ترتبط كل من بولندا وتركيا، بعلاقات تجارية مهمة مع روسيا، وهما أكثر عرضة لتأثيرات الحرب مقارنة بالدول الأخرى.

غزو روسيا لأوكرانيا: من يُدير الحرب داخل الدائرة المحيطة ببوتين؟

روسيا وأوكرانيا: لماذا تم الحديث عن “عقيدة مونرو” الأمريكية خلال الأزمة الأوكرانية؟

روسيا وأوكرانيا: ما الهدف من تأسيس الناتو ولماذا لا يريد التدخل عسكريا في مواجهة الغزو الروسي؟

ينتظر الأشخاص الذين وصلوا من أوكرانيا التي مزقتها الحرب قطارات مستأجرة خصيصاً ستنقلهم إلى مدن أخرى في بولندا وأوروبا من محطة القطار الرئيسية في 7 مارس 2022 في برزيميسل ، بولندا.

Getty Images
بولندا المجاورة لأوكرانيا هي إحدى الدول التي من المرجح أن تشعر بالآثار الاقتصادية للحرب

تستورد بولندا أكثر من نصف حاجاتها من النفط من روسيا، كما تستورد تركيا أكثر من ثلث حاجتها من روسيا أيضاً.

نسبة المعاملات التجارية الأمريكية مع روسيا لا تمثل سوى 0.5 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي.

وبالنسبة للصين، فالرقم هو 2.5 في المئة، وبالتالي فإن تأثير الأزمة على هذه البلدان سيكون محدوداً بدرجة أكبر.

يقول بن ماي، مدير “غلوبال ماكرو ريسيرتش” في “أكسفورد إيكونوميكس” الرائدة في مجال التنبؤ العالمي والتحليل الكمي: إنه من المتوقع أن تقلص الحرب النمو العالمي بنحو 0.2 بالمئة هذا العام، أي ينخفض من 4 إلى 3.8 في المئة، “لكن هذا مشروط بعدم استمرار الصراع لمدة طويلة.

“وإذا استمر الصراع لأجل طويل، فستكون الآثار أسوأ بكثير بكل وضوح”.

“التضخم المصحوب بالركود” وأسعار النفط

طوابير طويلة تتشكل في محطة بنزين في 25 فبراير 2022 في اسطنبول ، تركيا. انعكست أسعار نفط برنت، التي ارتفعت بعد التوتر بين روسيا وأوكرانيا ، على شكل ارتفاع في أسعار الوقود في تركيا.

Getty Images
السائقون في تركيا يشعرون بالفعل بتأثير ارتفاع أسعار النفط وسط تصاعد الصراع

هناك عامل آخر مهم للغاية يجب مراعاته، وهو التأثير على أسعار النفط، والذي سبب فعلياً اضطرابات في الأسواق. فوفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، تعد روسيا ثالث أكبر منتج للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة والسعودية.

انتجت روسيا 10.5 مليون برميل نفط يومياً في عام 2020 وصدّرت ما بين خمسة إلى ستة ملايين برميل، كانت نصف صادراتها إلى أوروبا.

في السابع من مارس/ آذار، ارتفع سعر نفط برنت الخام الذي يستخرج من بحر الشمال إلى مستوى قياسي تقريباً، بعد أن قالت الولايات المتحدة وأوروبا أنهما تدرسان حظر واردات النفط الروسي.

بعد أن قفز بنسبة 21 في المئة في الأسبوع السابق، قفز بنسبة 18 في المئة أخرى ليصل سعر البرميل إلى ما يقرب من 140 دولاراً قبل أن يتراجع قليلاً.

حظرت الولايات المتحدة استيراد النفط الروسي في 8 مارس/آذار، وتعهدت المملكة المتحدة بفعل الشيء نفسه بحلول نهاية عام 2022.

فيروس كورونا: ما هو الركود الاقتصادي؟

رجل مصري يبيع الخبز أمام جامع الأزهر في القاهرة يوم 8 ديسمبر 2017

Getty Images
يتزايد القلق بشأن الزيادة الحادة في سعر الخبز

وقال روب ويست، رئيس شركة الأبحاث “ثندر سيد إنرجي” لصحيفة فاينانشيال تايمز: “قد يدفع هذا الاضطراب بأسعار النفط إلى أكثر من 200 دولار للبرميل الواحد”.

في 8 آذار/ مارس ذهب نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، إلى أبعد من ذلك وقال “إن ارتفاع الأسعار سيكون غير متوقع. سيصل إلى 300 دولار للبرميل إن لم يكن أكثر”.

وقال نوفاك في بيان بثه التلفزيون الحكومي: “من الواضح جداً أن حظر النفط الروسي سيؤدي إلى عواقب وخيمة على السوق العالمية”.

لا تؤدي الزيادات في أسعار النفط إلى رفع سعر الوقود فحسب، بل إلى زيادة أسعار كل الأشياء.

يزداد التضخم لأن الوقود والطاقة من التكاليف الأساسية في تصنيع ونقل البضائع.

قد يؤدي هذا المزيج إلى صدمة “تضخمية مصحوبة بركود” وفقاً لاقتصاديين في بنك باركليز البريطاني، الذين خفضوا بالفعل توقعاتهم للنمو العالمي هذا العام بمقدار نقطة مئوية واحدة.

يحدث “التضخم المصحوب بالركود” عندما يواجه اقتصاد الدولة ارتفاعاً في الأسعار وركوداً في نفس الوقت.

ارتفاع أسعار المواد الغذائية

حصاد القمح في حقل بالقرب من قرية سوفوروفسكايا في منطقة ستافروبول ، روسيا ، 17 يوليو 2021. رويترز / إدوارد كورنيينكو / File Photo

Reuters
تعتبر روسيا مُصدِّراً رئيسياً للأسمدة وكذلك الحبوب

يمكن أن تؤدي الحرب أيضاً إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، لأن كل من روسيا وأوكرانيا من كبار منتجي المواد الغذائية.

تنتج كلا من روسيا وأوكرانيا 14في المئة من القمح العالمي وتمثلان مصدر 29 في المئة من الصادرات العالمية وفقاً لوانديل سيهلوب، الباحث الكبير في الاقتصاد الزراعي في جامعة ستيلينبوش ومصرف جي بي مورغان.

بالإضافة إلى ذلك، فإن كلا البلدين من المنتجين الكبار لزيت الذرة وزيت عباد الشمس.

ستؤثر الاضطرابات في إمدادات الحبوب على المستوردين في الشرق الأوسط وأفريقيا وتركيا.

يشتري لبنان معظم قمحه من روسيا أو أوكرانيا، وكذلك مصر وتركيا.

ويعتمد السودان ونيجيريا وتنزانيا والجزائر وكينيا وجنوب إفريقيا على الحبوب المستوردة من روسيا وأوكرانيا.

يقول سفن توري هولسيتير، رئيس شركة “يارا” ، إحدى أكبر شركات الأسمدة في العالم: “بالنسبة لي، الأمر ليس ما إذا كنا نتجه نحو أزمة غذاء عالمية، بل حجم الأزمة”.

وكانت أسعار الأسمدة قد ارتفعت بالفعل بسبب ارتفاع أسعار الغاز.

تُعد روسيا أكبر مصدر للأسمدة التي تُستخدم في الزراعة.

يقول هولسيتير لبي بي سي: “لقد كنا بالفعل في موقف صعب قبل الحرب، إذ يحصل نصف سكان العالم على الغذاء نتيجة الأسمدة، وإذا لم يتم تسميد بعض المزروعات، فإن المحصول سينخفض بنسبة 50 في المئة”.

رفع أسعار الفائدة

أشخاص يسيرون على طول شارع تجاري في وسط مدينة ساو باولو ، البرازيل ، في 30 ديسمبر 2021. -

Getty Images
ارتفاع التضخم في الأسواق الناشئة قد يجبر البنوك المركزية على رفع أسعار الفائدة

من المتوقع أن تؤدي زيادة أسعار الطاقة والغذاء إلى زيادة التضخم في البلدان النامية بما يصل إلى نقطة مئوية واحدة، كما تقول رئيسة خدمة الاقتصاد العالمي في كابيتال إيكونوميكس، جينيفر ماكوين.

في بعض البلدان التي تعاني بالفعل من التضخم، لا سيما في أوروبا الوسطى وأمريكا اللاتينية، قد تميل البنوك المركزية إلى محاربة التضخم عن طريق رفع أسعار الفائدة.

وتقول ماكيون لبي بي سي: “سيكون عبئاً إضافياً على تلك الاقتصادات”.

وفي الوقت نفسه، فإن أجزاء من أوروبا الشرقية وألمانيا وإيطاليا وتركيا التي تعتمد بشكل كبير على صادرات الغاز الروسي ستشهد أيضاً ارتفاعاً في تكاليف المعيشة.

وصول قطار شحن يحمل مواد غذائية وإمدادات طبية إلى منطقة موسكو قادماً من الصين ، فبراير 2022

Getty Images
قد تتعرض الصادرات الآسيوية لضربة بسبب تقليص المستهلكين العالميين من إنفاقهم

حاجات المستهلك

تقول ماكيون إن تراجع القوة الشرائية للمستهلكين على مستوى العالم، يمكن أن يضرب الاقتصادات الآسيوية.

وتقول: “أعتقد أن التأثير الرئيسي على آسيا سيكون ناجماً عن تراجع طلب المستهلكين والطلب على صادراتها”.

“إذا رأينا الطلب من منطقة اليورو، على سبيل المثال، يتراجع بشدة بسبب الحرب، مع تضرر القدرة الشرائية بسبب ارتفاع أسعار النفط، سيكون لذلك تأثير كبير على الصادرات الآسيوية”.

سمسار بورصة يتحدث على هاتفه المحمول وهو يراقب أحدث أسعار الأسهم في بورصة باكستان (PSX) في كراتشي في 7 مارس 2022

Getty Images
يحذر المحللون من أن فرص نمو الاقتصاد العالمي قد تنحسر أكثر إذا استمرت الحرب لفترة غير محددة

انتعاش مضطرب

لا يزال المحللون يتوقعون نمواً قوياً هذا العام، ويرجع ذلك جزئياً إلى عودة الاقتصادات إلى مستويات ما قبل الوباء.

يقول بن ماي، مدير “غلوبال ماكرو ريسيرتش” ، إن العودة إلى الحياة الطبيعية تخلق “مكاسب غير متوقعة” من حيث النمو الاقتصادي.

حتى الآن، تهدد الحرب بعضاً من هذا النمو، لكن التأثير سيعتمد بشكل كبير على المدة التي تستغرقها الحرب ومدى تدهور الاوضاع.

ويضيف ماي: “هذا ليس شيئاً يدفع بالاقتصاد العالمي إلى الركود أو أي شيء من هذا القبيل، لكنه يقر بأن الوضع يخلق حالة من عدم اليقين بشكل عام”.

ويعترف بأن “المدى الذي يمكن أن تتدهور إليه الاوضاع غير معروف”.

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.