ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، خطبة الجمعة في مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة، تحدث فيها عن “ضرورة العناية بالنصف الثاني من شهر رمضان المبارك حيث تتزاحم عناوين القيم الإلهية فيها”.
وقال: “واقعنا صعب، لأن طاعة الله كما تمر بصلاة وصيام وحج وزكاة، كذلك تمر بقضايا الوطن وحقوق الناس والمعذبين، بحيث لا يجوز تركها. يجب أن يكون المؤمن جزءا من معركة الحق السياسي والعدالة الاجتماعية ونزاهة الدولة ومشروع السلطة، وهذا يفترض إعلان البراءة من الفاسد السياسي، والمخاصمة من العقليات الإقطاعية، والمحاربة لطغاة الأسواق والأموال الذين يتعاملون مع الناس بعقلية هامان وفرعون والنمرود. والمنطق الإلهي في هذا المجال لا يفرق بين دين ودين، وبين مذهب ومذهب، بل القاعدة عند الله قداسة الإنسان”.
وشدد على أن “الواجب الديني يفرض حماية حقوق خلق الله، بعيدا من اللون والجنس والدين والطائفة والانتماء السياسي، على قاعدة حماية حقوق العامة والسياسات الضامنة للمواطن بما هو مواطن، بعيدا من لعنة الطائفية السياسية، التي هيأت أرضية الفساد السياسي، وحولت البلد إلى كرخانة، والسلطة إلى مافيات تنهب وتستنزف وتحتكر، لا وازع من ضمير، ولا ضوابط من إنسانية، حتى انهار البلد، وتعطلت المؤسسات، وتظهرت سوداوية المشهد، فأمسى اللبناني ذليلا في كل شيء وأمام كل شيء، في بلد يغرق في مجارير الفساد السياسي والمالي من الرأس حتى الكعب”.
أضاف: “الوضع كارثي والضغوط الدولية تتزايد بخلفية السياسات القذرة، وواشنطن تدير سياسة الخنق عبر وكلاء محليين ودوليين، فيما أجندة بعض العرب تتقاطع جدا وتل أبيب، وتماشيا مع تفاهماتهم واتفاقاتهم على تهويد القدس وإنهاء القضية الفلسطينية، بخلفية محور أمريكي صهيوني عربي، يقاتل بسلاح الفوضى والتجويع. ورغم ذلك ما زالت جماعة من الساسة اللبنانيين تتعامل مع الكارثة المالية السياسية والاجتماعية على أنها أزمة داخلية وأن العالم جمعية خيرية، والوكالة الأميركية وصندوق النقد الدولي ملاك لإنقاذ لبنان، في حين أن العيون الأميركية لا ترى لبنان إلا فريسة أو حديقة خلفية لتل أبيب. نحن وسط كارثة وطنية غير مسبوقة، وما يؤسف له أن بعض الزعامات يتعاطى معها على طريقة مركب غارق وناس عبيد، لا بل يمعن في إغراق البلد وتدمير ثوابت وجوده، ولا يهمه من لبنان سوى المناصب والكراسي، وهيمنة شركاته التي اعتاشت على نهب الموارد، وجيرت السلطة والأموال العامة لصالح الامبراطوريات الشخصية”.
وتابع: “كفانا صمتا، فالناس يئست، وكل صبرها، والجوع دخل معظم البيوت والبطالة عمت، والاقتصاد معدوم، والجريمة في أعلى نسبها، وسرقة أموال المودعين تجوب كل لبنان، والناتج القومي لامس الصفر، وعصابات التهريب الذي نرفضه وندينه ونستنكره، وخصوصا إذا كان يشتمل على المخدرات التي لا تجوز شرعا. وهذا مرفوض وغير مقبول في ديننا، ومحرم علينا أن نتاجر به، إذا كان لقتل الناس وتدمير مجتمعاتنا، وهذا أمر محسوم ولا نقاش فيه. وعليه نحن ندين ما يجري على الساحة اللبنانية من عمليات تتصل بتهريب المخدرات إلى أي دولة في العالم شقيقة أو صديقة، أو حتى عدوة، فهذا عمل مدان بكل المعايير والتوصيفات. نعم نحن نعيش كارثة معيشية بكل معاييرها تنذر بموت شعب، ورغم ذلك هناك من يغني ليلاه بخلفية أحقاد وأنانيات وسمسرات تكاد تحرق لبنان”.
وقال: “المطلوب اليوم قبل الغد حكومة قرار قادرة على العمل بالعدة الداخلية، وقصة هدايا دولية وصندوق دولي ومؤتمر دولي مجرد أوهام وأحلام، وهروب معيب من تسمية الأشياء. لكل هؤلاء نقول: البلد غارق بفسادكم، والناس تعيش موجة انتحار لا سابقة لها، والجوع يكاد يحول البلد إلى فوضى هدامة، فيما أكثرية البيانات السياسية التي تصدر من هنا وهناك ما هي إلا بيانات موت ورثاء، وهذا ما نرفضه، فلا نقبل بإذلال الناس، ولا بموتهم جوعا، ولا بتحويل البلد إلى فريسة على الموائد الدولية”.
وطلب من “المرجعيات الروحية والوطنية اليوم قبل الغد، بتسمية الأمور بأسمائها، فالسكوت بعد الذي نحن فيه حرام. على أن من يريد أخذ البلد إلى مقاطعات وفيدراليات لا يهمه من البلد والناس ومشروع السلطة والحكومة إلا زعامة الإمارة. وعلى الشعب اللبناني أن يتحد بمسلميه ومسيحييه ليكون درع وحدة هذا البلد، ومشروع انطلاقة التغيير الحقيقي، بعيدا من الأوكار الدولية الخبيثة، لأن المتاريس وطاعون الطائفية والاعتماد على الخارج هو ثالوث خراب لبنان”.
وختم: “فلتان البلد يجري بوتيرة مخيفة، فشبح السقوط والخراب واضح، والآتي قد يكون أخطر وأفظع، فيما حزب المصارف بأحسن حالاته، وجماعة الإقطاع السياسي همهم أموالهم، ويعيشون صفقات تاريخية من سلب ونهب ما تبقى من أموال اللبنانيين. والحل – إذا كان هناك من رغبة في الحل – لا يكون إلا عبر حكومة خارج كل الشروط والبدع، حكومة إنقاذ حقيقي، حكومة من أجل وطن وناس، وليس حكومة من أجل حقوق هذه الطائفة أو ذاك المذهب، وما حدا يتاجر بطائفتو ولا بمذهبو، لأن الموضوع موضوع انتخابات على الأبواب، وغاياتكم الخاصة لا تبرر لكم نحر الناس”.