ميشال الزبيدي يكتب: المطبات بين كفرعبيدا وتحوم والفيسبوك

ميشال الزبيدي


ميشال الزبيدي •• – cedarnews.net
لي صديق يعمل في الشمال ويسكن في بلدة تحوم، وانا اعمل في بيروت وأسكن في كفرعبيدا، في طريق العودة الى المنزل اسلك الطريق البحرية من المدفون الى كفرعبيدا وهو يسلك نفس الطريق من كفرعبيدا الى المدفون, وهدفنا المشترك هو تلافي زحمة المدفون، الذي تحرر من جيوش الاسد منذ سنوات وعاد الى اهله، اما السبب الحقيقي لسلوكي الطريق البحري فهو محاولة تناسي ذكريات الذل والعذاب الذي مورس علينا من قبل الضباط والجنود على تلك المصيدة، اما السبب الغير ارادي فهو منظر النساء “أنصاف العاريات” اللواتي يعبرن الطريق من الشاطئ الى المواقف حيت سياراتهن، وللأسف هذا صيفا فقط، وصيفهن ينتهي في كانون الأول ويطل من جديد في شباط.
بالعودة الى موضوعي، اذا المنطقة البحرية بين كفرعبيدا والمدفون في تحوم من المفترض ان تكون مسرح تلاقي بيني وبين صديقي، لاننا نلتقي يوميا باتجاهين مختلفين هذا يحصل منذ ٥ سنوات.
في السنة الاولى كنا نلتقي فنتوقف، لنتبادل الحديث عن السياسة والعمل والعائلة، في السنة الثانية استبدلنا اللقاء بتحية، فنُخرج ايادينا من النوافذ وكأنها تحيي شارل ديغول الذي زار كفرعبيدا في القرن الماضي، في السنة الثالثة تحولت التحية الى الرأس، فأصبحت كلما التقيته أرفع رأسي سريعاً واعيده الى مكانه بجزء من الثانية، في السنة الرابعة فتحولت التحية بيننا الى إبتسامة، أما في السنة الخامسة فقُضي الأمر، واصبحنا كلما التقينا نتجاهل بعضنا، وطبعا لأن ايادينا مشغولة بالهاتف وعيوننا كذلك.
بقينا على هذه الحال الى ان حصل ما ليس في الحسبان، فقد بادَرت بلدية كفرعبيدا وبعدها بلدية تحوم وهما حليفتان بالسياسة والدم والتاريخ، بنصب “مطبات” باعداد لا يستهان بها ويمكن انها ضربت الرقم القياسي بمسافة لا تتعدى الكيلومتر الواحد، كذلك بإرتفاع كل “مطب”، فعبور كل واحد منها يشبه صعود تلة والسقوط منها، المهم ان السلامة العامة اهم من السيارات.
بالعودة الى موضوعي، فمن دون سابق انذار واثناء عودتي الى المنزل منذ ايام، شاهدت صديقي في الجهة المقابلة، وما غيَرته المطبات هو اننا أُجبرنا انا وهو ان نتوقف على نفس المطب، كل واحد من جهة، اي اصبح الواحد منا يبعد عن صديقه اقل من متر، لم اكن افترض ما الذي سيحصل، الا ان المفاجأة كانت بأن صديقي سقط من أعلى المطب نحو الطريق سالما و”دعس بنزين” مكملا طريقه، دون الكلام معي او تحيتي… وانا مثله فعلت.
وكان حزني كبيرا، حتى “المطبات” الصغيرة و”المطبات” الكبيرة لن تتمكن من اعادة العلاقات الى المجتمع… لم تنتهي الرواية، وصلت المنزل وقبل ان اتكلم او احيي افراد العائلة، ركضت الى جهاز الكمبيوتر وهناك روي غليلي، فصديقي، ترك لي ٥ “لايك” على الفيسبوك.
القصة قصة عادة، تعودنا على هذه الحياة الوهمية وابتعدنا عن بعضنا وعن الحقيقة، ولا يمكن للخلاص ان يكون الا من خلال زلزال بقوة ٨ ” درجات” على مقياس “ريختر”، فيدمر أجهزة الكمبيوتر وكل ” السيرفيرز” وشبكات الاتصالات والانترنت، وطبعا من حسنات هذا الزلزال انه سيزيل “المطبات” وكل الطرقات المعبدة، فنعود لنسلك ” القادوميات” فنشفى من امراض القلب والكوليسترول…

** ميشال الزبيدي إعلامي لبناني مؤسس جريدة ال “سيدر نيوز”

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.