هل تصطدم الموازنة مع المجلس الدستوري من جديد؟

خرجت موازنة العام 2019 من قاعة مجلس الوزراء، وأحيلت الى المجلس النيابي لمناقشتها والبث فيها. ولم يشهد أن حظيت أي من الموازنات سابقا بمثل الاهتمام السياسي والشعبي والخارجي، كما حصل مع هذه الموازنة، ذلك أنها جاءت في ظروف مالية واقتصادية مضطربة، وينتظرها المجتمع الدولي لإعطاء الإشارة ببدء تنفيذ مشروع مؤتمر سيدر الذي أقر 11 مليار دولار قروض ميسرة للبنان، كما أن الأوساط الشعبية تفاعلت مع مناقشة جلسات الحكومة الـ 19 التي خصصت لمناقشتها، لأنها تطول مصالح ومستقبل الأغلبية الساحقة من المواطنين، لاسيما الموظفين منهم.

تنتظر الموازنة مخاضا في مجلس النواب، تخشى أطراف سياسية من إعادتها الى المربع الأول، لأن قوى سياسية تتهيأ لمناقشات عاصفة في البرلمان، بينما ترغب قوى أخرى مرورها بسلاسة فيه. وبينما حضر رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل من الخطابات الشعبوية – كما قال – أمام البرلمان، والتي قد تنسف كل الموازنة – مذكرا ببقاء البلاد 11 عاما من دون موازنة في الماضي القريب – رحب رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بإقرار الموازنة بصرف النظر عن بعض الشوائب، لأن وجود الموازنة أفضل بكثير من عدم وجودها.

الإشكالية الكبرى التي تواجه موازنة 2019 التأسيسية، هي تضمينها بعض القواعد القانونية الناظمة، أو التي تفرض تعديل على بعض القوانين العادية، وهذا مخالف للدستور الذي يعتبر الموازنة صك تشريعي سنوي، يمنح الدولة حق تقدير عائداتها وحق جباية الأموال وصرفها ضمن مهلة زمنية محددة، يمكن تمديدها مؤقتا بموجب قاعدة الصرف الاثني عشرية، ووفقا لما جاء حرفيا في المادة 3 من قانون المحاسبة العمومية أيضا. وهذه القاعدة الاثني عشرية لا تصلح لتمديد العمل بالقواعد القانونية الآمرة، بل تسمح بالجباية والصرفيات فقط.

سبق للمجلس الدستوري في القرار رقم 2/2018 تاريخ 14/5/2018 أن ألغى بعض المواد في موازنة العام 2018 التي تنص على تعديلات لقوانين أخرى، واعتبر أنها لا يجوز أن تأتي في سياق نص الموازنة السنوي، ومنها التعديل على قانون تملك الأجانب، وتعديل قانون العمل، لأن تغيير هذه القوانين يجب أن تقترن بأسباب موجبة، وتأتي في سياق تعديل القانون الذي تنتمي اليه هذه القواعد.

ينتظر موازنة 2019 تحديات كبيرة، ومنها احتمال تعرضها للطعن أمام المجلس الدستوري كما حصل العام الماضي، خصوصا أن ذات الثغرات الدستورية تكررت فيها، ومنها تضمينها تعديلات لقوانين أخرى لا يجوز أن تأتي في سياق الموازنة التي تحمل طابع زمني سنوي مؤقت. وهناك عدد من الكتل الصغيرة والنواب المستقلين يتهيؤون منذ الآن لتقديم طعن بالموازنة أمام المجلس الدستوري.

من المواد القانونية الآمرة التي جاءت في الموازنة والتي تتعارض مع أحكام الدستور على سبيل المثال: المادة 90 التي تضمنت تعديل لقانون الدفاع ولقانون تقاعد الموظفين ولقانون التفرغ في الجامعة اللبنانية ولقانون الموظفين، وهذه التعديلات لا يجوز دستوريا أن تأتي في سياق الموازنة، بل انها يجب أن تكون من خلال إجراء تعديل على القوانين المذكورة النافذة وفقا للأصول.

وهذه الإشكاليات التي تعتري الموازنة ليست الوحيدة، بل هناك مفارقات غريبة رافقتها، فهي بدأت بطروحات تتعلق بتخفيض رواتب الوزراء والنواب وتعديل التدبير رقم 3، فلم تأت على ذكر كل ذلك، وانتهت إلى إجراءات تطال أصحاب الدخل المحدود، مع بعض الإصلاحات الطفيفة.

الانباء – د.ناصر زيدان

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.