على خطى فنزويلا.. لبنان في طريق العزلة عن النظام المالي العالمي

بدا بوادر عزلة دولية تلوح في أفق لبنان، وسط ما يعيشه من أزمة اقتصادية طاحنة وتوترات سياسية عرقلت تشكيل حكومة جديدة في هذا الوقت الحرج للبلاد.

وقالت مصادر مطلعة لوكالة “رويترز” إن بنوكا أجنبية من بينها “إتش.إس.بي.سي” و”ولز فارغو”، بدأت في قطع العلاقات مع مصرف لبنان المركزي، ما يشكل معضلة للبنان إذا بدأت صلاته بالنظام المالي العالمي تتقطع.

كان رياض سلامة حاكم البنك المركزي حذر في خطاب للمدعي العام اللبناني الأسبوع الماضي، من أن بنوك المراسلة الأجنبية تشرع في تقليص علاقتها بالنظام المالي المحلي، بعدما أغلق “ولز فارغو” حساباً دولارياً للبنك المركزي، وأغلق “إتش.إس.بي.سي” أيضاً حسابه بالجنيه الإسترليني، وذلك بحسب ثلاثة مصادر من القطاع المصرفي والقضاء.

وقال مصدر قضائي لـ”رويترز”، إن سلامة تحدث عن “صدمات سلبية” في العلاقة بين البنك المركزي وبنوك المراسلة الأجنبية، وهو ما قال إنه سيجعل من الصعب على لبنان تحويل المدفوعات الأجنبية واستيراد السلع الأساسية.

مصادر مصرفية أفادت أيضاً بأن البنكين، إلى جانب “بنك أوف أميركا” و”دويتشه بنك”، كانا من البنوك التي قلصت أيضا أنشطتها مع البنوك اللبنانية في مجالات مثل المدفوعات العابرة للحدود وخطابات الاعتماد. لكن تلك المصادر قالت إن بنوكا أخرى مثل “جيه.بي مورغان” و”بنك أوف نيويورك ميلون” و”سيتي” و”كومرتس بنك” مازالت نشطة.

سياسة الحذر
تتوخى البنوك الأجنبية الحذر تجاه لبنان منذ تعثر الحكومة في سداد ديونها العام الماضي، وصاروا أكثر قلقا مع انهيار العملة وأزمة تشكيل الحكومة الجديدة التي تفاقمت خلال الأشهر الأخيرة، مما يبدد الآمال في إنعاش محادثات تمويل مع صندوق النقد الدولي.

وقال أحد المصادر، وهو مصرفي كبير: “في هذه البنوك، عندما يبحثون في غوغل عن ‘لبنان’ ويرون المستويات المنخفضة للاحتياطيات الأجنبية والتعثر في السداد وتضرر السمعة والفساد.. هذا الوضع المثير للاشمئزاز الذي نعيشه، فماذا عساهم قائلين؟ بالطبع يقولون إن من الأفضل عدم التعامل معهم”.

وتأتي تحذيرات سلامة في وقت يواجه فيه تدقيقا متزايدا سواء في الداخل أو في أوروبا بخصوص دوره في الأزمة المالية. وثمة تحقيق سويسري مرتبط بمصرف لبنان المركزي.

وفي كلمة في وقت متأخر من يوم الأربعاء، ألقى الرئيس ميشال عون بالمسؤولية على البنك المركزي في الانهيار المالي وتعطل تدقيق جنائي ضروري للحصول على مساعدات خارجية، فيما لم يرد البنك المركزي على تصريحاته تلك.

وأضاف مصدر قضائي أن خطاب سلامة أورد أن جيه.بي مورغان ما زال يقدم خطابات اعتماد ضرورية لمساعدة لبنان على استيراد الوقود وسلع أخرى، لكن جيه.بي مورغان امتنع عن التعقيب.

دعم السلع الأساسية، والذي تغذيه الاحتياطيات الأجنبية الشحيحة، غير مستقر بالفعل. وقال وزير المالية في حكومة تصريف
الأعمال لـ”رويترز” هذا الأسبوع إن الأموال المخصصة لتمويل واردات القمح والوقود والأدوية ستنفد بنهاية مايو.

وقال خالد عبد المجيد مدير صناديق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى شركة استشارات الاستثمار سام كابيتال بارتنرز في لندن: “في ظل هذا الوضع، انسحاب بعض البنوك من لبنان ليس مفاجأة”.

وأضاف: “السؤال يتعلق أكثر بعدم وجود أموال لشراء أي شيء. أعتقد أن بلوغ هذه المرحلة سيكون قبل انسحاب البنوك الأخرى”.

الخطر القادم من حزب الله
تفيد أحدث البيانات من بنك التسويات الدولية بأن ودائع البنوك اللبنانية لدى بنوك نشطة دوليا بلغت 16.7 مليار دولار في نهاية سبتمبر 2020، وهو أقل من نصف مستواها قبل ذلك بعامين.

وأظهرت الأرقام أن الجزء الأكبر من الودائع تحتفظ به بنوك من سويسرا، ثم بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا.

تحاكي أزمى لبنان ما تعيشه فنزويلا التي تتخلى عنها البنوك الدولية أيضا، في وقت يكابد البلد أزمة اقتصادية وعقوبات.

وبسبب دور حزب الله المدعوم من إيران في لبنان، تُعتبر بعض بنوك البلاد منذ وقت طويل مكمن خطر بالنسبة للبنوك الدولية، إذ يواجه بعضها عقوبات أميركية على خلفية التعامل مع إيران.

وزاد الإحجام عن المخاطرة بعدما تدهور تصنيف لبنان الائتماني السيادي في السنوات الأخيرة، إذ يتنامى القلق حيال القدرة على خدمة الدين العام. وتحوم نسبة دين لبنان إلى الناتج المحلي الإجمالي قرب 200% حالياً.

ومنذ ذلك الحين، تتبادل الدولة المثقلة بالديون والبنك المركزي الاتهامات بالمسؤولية عن الأزمة، الأسوأ للبنان خلال عقود.

وحالت البنوك المصابة بحالة من الشلل – وهي أكبر دائني الحكومة – بين المواطنين وودائعهم بموجب قيود غير رسمية على حركة رؤوس الأموال مفروضة دون تشريع منذ أواخر 2019، مما أضر بصورة القطاع المصرفي اللبناني كدعامة للاستقرار.

وقال مصرفي كبير إن بعض البنوك الأصغر حُرمت من علاقات المراسلة المصرفية، مما جعلها تعتمد على بنوك لبنانية ما زالت تحتفظ بمثل تلك العلاقات إذا أرادت، على سبيل المثال، تسوية تحويل دولي دولاري.

وقال المصرفي نفسه إن بنوكاً عديدة ممنوعة من فتح خطابات اعتماد مع البنوك الأجنبية، إذ يتعين عليها تقديم ضمانات مقابل كامل مبلغ التسهيل.

وعلى الرغم من ذلك، قال مصدر بأحد أكبر البنوك اللبنانية لـ”رويترز”، إنه لا يواجه أي صعوبات مع بنوك المراسلة.

وقال مصدر مصرفي آخر: “نحن على ما يرام حتى الآن.. لكن إذا توقف عدد كبير من بنوك المراسلة عن العمل مع البنوك اللبنانية، فسنواجه مشاكل خطيرة”.

العربية

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.