لبنان سيغرق في الفوضى قبل نزع سلاح حزب الله

مرة أخرى ، وعلى الرغم من المخاطر ، خرج المتظاهرون اللبنانيون إلى الشوارع. ومع أن الأعداد تبدو محدودة نوعاً ما ، إلا أنها المرة الأولى التي يقفون فيها بالقرب من القصر الرئاسي في بيروت والمرة الأولى التي يطالبون فيها علانية بالاحترام الكامل للدستور. وبالفعل ، حمل عدد قليل من المحتجين الشجعان ، معظمهم من النساء ، لافتات تقول “Make 1559 happen,”و “Make 1680 Happen,” ، في إشارة لضرورة تفعيل قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. إذ من الواضح أنهم يطالبون حزب الله بنزع سلاحه كخطوة رئيسية نحو استعادة سيادة لبنان.

في عام 2004 ،أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1559 والذى أعلن من خلاله عن دعمه لانتخابات رئاسية حرة ونزيهة في لبنان ، تتم وفقًا للقواعد الدستورية الموضوعة دون تدخل أو تأثير أجنبي. كما دعا جميع القوات الأجنبية المتبقية إلى الانسحاب من لبنان. وفي بند متصل ، دعا المجلس إلى حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها.

وفى حين أن القرار 1680 لعام 2006 “شجع بقوة” ترسيم حدود لبنان مع سوريا ودعا إلى التنفيذ الكامل لجميع متطلبات القرار 1559 ، بما في ذلك نزع سلاح المليشيات المسلحة على غرار حزب الله. بيد أنه بعد مرور 15 عامًا تقريبًا ، يظل حزب الله دون رادع بترسانة اسلحة أكبر ، بينما من المرجح عودة النفوذ السوري مجدداً إلى البلاد.

من الواضح أنه في السياسة ، لا يوجد أعداء للأبد . فعندما صدر القرار 1559 ، كان الرئيس ميشال عون في المنفى في باريس وكان القرار حينها يصب في صالحه فقد كان يضغط من أجل تفعيل قانون محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية للعام 2003 ، والذي أصدره بوش بهدف الحد من نفوذ دمشق في البلاد . حتى أن عون أدلى بشهادته أمام الكونجرس الأمريكي ، وتحدث ضد سوريا وأعرب عن تأييده للقانون.

اليوم ، في تحول دراماتيكي حزين ومثير للسخرية فى آن واحد ،أضحى عون حليفاَ ومؤيداً مخلصاً لحزب الله ، آخر ميليشيا مسلحة في لبنان. علاوة على ذلك ، لم تعد حاشيته تشجع أى قرارات ضد حزب الله أو سوريا ، بل تتصدى لها. لذلك من المتوقع أن يصبحوا هدفا للعقوبات نفسها. بموجب دخول قانون قيصر الأمريكي حيز التنفيذ هذا الشهر ، الذي يستهدف النظام السوري وأنصاره ، والمجموعات والدول التي تتعامل معه بما يعنى أنه سيتم ملاحقة حزب الله وحلفائه.

أتذكر أثناء إجرائي مقابلة مع عون في باريس قبل عودته إلى لبنان عام 2005. حيث كان في ذلك الوقت ، لا يزال يدافع بوضوح من أجل السيادة الكاملة للبلاد والذى لم يكن يعني خروج سوريا فحسب ، بل نزع سلاح حزب الله و الميليشيات الفلسطينية, لدرجة أنه اتهم القادة السياسيين اللبنانيين بالجبن . ومع ذلك يقف اليوم على نفس الجانب. إذ لا يزال بوسع المرء أن يتساءل عما إذا كان تحالفه مع حزب الله بسبب رفض قيادة تحالف 14 آذار منحه حصة التمثيل التي يستحقها أو لأنه كان يقرأ المشهد الجيوسياسي للسنوات القادمة ، والذي ربما كان يشير إلى احتمالات استرضاء مع إيران

البراغماتية السياسية في لبنان هي دائما وحشية ، فعلى الرغم من أن عون لديه تحالف واضح ويتعاون علنا ​​مع حزب الله ، غير أن معظم القادة السياسيين اللبنانيين كانوا راضين أو صامتين بشأن وضع حزب الله لسنوات عديدة. لقد أصابتهم التحولات الجيوسياسية والتهديدات بالقتل بخيبة أمل بشأن أي مساعدة دولية في مواجهة الجماعة المسلحة المدعومة من إيران.

لقد تكشف الافتقار الكامل للإرادة السياسية لتحقيق السيادة الكاملة بشكل واضح من قبل سعد الحريري في الأشهر الأخيرة من رئاسته للحكومة ، عندما قال في مقابلة تلفزيونية: “ليست مشكلتي أن حزب الله أصبح بهذه القوة”. وكان يشير إلى حقيقة أن تسلح حزب الله مشكلة إقليمية أو عالمية مرتبطة بالملف الإيراني وليست قضية داخلية. وأضاف: «حزب الله لا يدير الحكومة. أنا أدير الحكومة والرئيس عون يدير الحكومة كرئيس “. لكنه كان يديرها في الظاهر فقط – باتباع توجيهات حزب الله وحتى حمايته من العقوبات من خلال صداقته مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، بدلاً من الضغط من أجل العصيان والمقاومة السلبية. لقد كان تحالف عون ، يلبي جميع أهداف حزب الله ، مثلما يفعل رئيس الوزراء حسن دياب اليوم.

صحيح أن حزب الله هو جزء من المعادلة الإيرانية ، لأنه كان “سكين الجيش السويسري” الرائع في أيدي قادته. إذ يبدو أنه لا يوجد نشاط تخريبي لا يمكنه القيام به ، في الوقت الذي يتم فيه الترويج للأجندة السياسية والدينية للملالي على مستوى العالم.

وفي حين تجرأ بعض المتظاهرين على معالجة هذه القضية ، خرج معظم المحللين – حتى أولئك الذين يدعمون حركة الاحتجاج في 17 أكتوبر – ليصرحوا بأن هذا ليس الوقت المناسب للتركيز على أسلحة حزب الله ، لأن هذا من شأنه معاداة المجتمع الداعم للميليشيات وأنه عوضاً عن ذلك ، ينبغى التركيز على الفساد لدفعهم للانضمام إلى الاحتجاجات. في نهاية المطاف ، هذا غير ذي صلة ، حيث أن معظم الطائفة الشيعية تدعم حزب الله أو أمل ، في حين أن الجماعات الطائفية الأخرى ، التي قد تكون أقل تلقيناً ، تدعم زعماءها.

كانت رسالة “كلن يعني كلن ” هي السبيل الوحيد للمضي قدما للمحتجين. ومع ذلك ، من الصعب فرض هذه النتيجة عندما تحمل لافتة ويحمل خصمك بندقية كلاشينكوف ,لا يمانع في استخدامها. وبسبب هذا ، فإن “كلن يعني كلن ” سرعان ما أصبحت “كلن ، ولكن إن لم يكن يخصك، فلا يخصني أيضًا”

المتظاهرون على حق. إن تأثير سلاح حزب الله مرتبط بفساد وتفكك الدولة اللبنانية حيث لا يمكن أن يكون هناك سيادة للدولة أوالقانون إذا كانت مجموعة واحدة تملي رغباتها وكل أفعالها خارجة عن المساءلة .إذ أن الفساد يتغلغل من هذه النقطة.

في الوقت الذي تطالب فيه حكومة حزب الله الآن باتفاق صندوق النقد الدولي الذي رفضته في الأصل ، فإن الوضع الاقتصادي البائس ، الذي يفاقمه الفيروس التاجي ، يمكن أن يثير تغيرات جذرية ، خاصة مع تفشى الجوع وتجاهل المجتمع الدولي . فقد تنزلق البلاد إلى الفوضى والتي قد تندلع معها اشتباكات العنيفة ، مما يجعل حزب الله هدفاً محتملاً بتكتيكاته الخاصة بالمواجهة غير المتكافئة.

سيغرق لبنان فى الفوضى بالفعل قبل أن يتخلى حزب الله عن قدرته التنافسية الرئيسية ، وهي ترسانته العسكرية. فقد سألت ذات مرة دبلوماسي غربي كيف يمكن نزع سلاح حزب الله. هل يمكن للجيش أن يشرف على هذا دون مواجهة التفكك الكامل؟ كان جوابه أنه بمجرد أن يصبح دوره غير مطلوب ، سيختفي حزب الله ، تمامًا مثل معظم الجماعات المسلحة غير الحكومية في التاريخ.

مدفونًا في اعتقادي بأن السيادة ستسود عاجلاً أم آجلاً ، لم أفكر أبداً في التساؤل عما إذا كانوا سيختفون بالاستيلاء على لبنان أو تسليم أسلحتهم.

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.