العلاقة بين الحريري وحزب الله تقترب من مرحلة «افتراق المصالح»

إذا كان الرئيس سعد الحريري في وضع لا يحسد عليه بعدما أصبح أمام خيارين: ربح معركة المقعد السني السادس أو خسارة الحكومة، فإن حزب الله ليس في وضع جيد بعدما خسر معركة التمثيل السني على مستوى الرأي العام، ووقع، ونادرا ما يحصل معه هذا، في أخطاء تكتيكية لناحية طريقة إدارة هذه الجولة والتوقيت الذي اعتمده في تقديم الاعتراض الرسمي و«سوء التفاهم» مع الرئيس ميشال عون، وحتى لو صح أن مسألة تمثيل سنة ٨ آذار ليست مستجدة ولا مفتعلة، وأنها أثيرت مع الرئيس الحريري في الأشهر الماضية ولم يقل إنه رافض لها ولم يأخذها على محمل الجد، وأخطأ في تقدير موقف حزب الله، إذا صح ذلك ونجح حزب الله في تقديم حجج ومبررات متماسكة وداعمة لموقفه، إلا أنه يجد صعوبة كبيرة في إقناع الرأي العام اللبناني بموقفه، وتبقى روايته غير مقنعة.
كثيرة هي الأمور والأحداث السياسية التي أزعجت حزب الله في الآونة الأخيرة: دخول الرئيس عون المفاجئ على خط العقدة السنية داعما للحريري المستقوي بهذا الموقف الرئاسي، التفاعل مع هذا الموقف وإحاطته بكثير من التقدير والتثمين على نطاق واسع شمل السنيورة وجنبلاط لتحفيز رئيس الجمهورية على المزيد وتوسيع الشرخ مع حزب الله، دخول المرجعيات الدينية على الخط سواء على المستوى السني (دار الفتوى ومجلس المفتين) أو على المستوى المسيحي (البطاركة الموارنة)، الحملة الإعلامية والسياسية التي يشنها تيار المستقبل وتعيد الى الأذهان حملات سابقة إبان الحرب السورية بلغت هذا المستوى من التوتر.

ولكن الأمر الأكثر مدعاة للقلق عند حزب الله هو التبدل الحاصل عند الرئيس الحريري، وتحديدا لجهة رفع السقف السياسي وتصعيد اللهجة ضد حزب الله وتحميله مسؤولية الأزمة الحكومية، واستنفار حالة سنية ضده.
وقد لاحظ حزب الله تبدلا عند الحريري ترجم في المؤشرات والوقائع التالية:
– قرار حاسم ونهائي بأنه آن الأوان لولادة الحكومة، وترجم الحريري سريعا هذا التوجه بأن طلب من كل الأطراف تزويده بأسماء الوزراء بدءا من القوات اللبنانية، وبأن أفهم الجميع أن اللعبة انتهت.
– اتخاذ موقف حاسم ونهائي في شأن موضوع تمثيل سنة ٨ آذار، وهذا الموقف جاء مفاجئا في حدته وسقفه المرتفع لجهة الرفض المطلق لأي تمثيل للنواب السنة الستة، ومن ضمن أي حصة حكومية. والى حد ربط مصير الحكومة بهذه المسألة ووضع معادلة لا حكومة مع سنة ٨ آذار، في مواجهة معادلة حزب الله لا حكومة من دون سنة ٨ آذار.
– مغادرة الحريري الى باريس وإقامته هناك بشكل متواصل، في خطوة بدت كأنها تعبر عن لا مبالاة كالتي يريد حزب الله ان يوصي بها، وتهدف الى رفع درجة الضغوط عليه وتحميله مسؤولية الأزمة، «ومن أوجد هذه المشكلة عليه أن يحلها»، ومن هذه الضغوط ما صدر عن باريس من مواقف ورسائل وصلت الى بيروت عبر البريد السريع والمباشر، وتدعو الى التعجيل في تأليف الحكومة عبر تسهيل مهمة الحريري وتربط بين الحكومة ومساعدات الدول المانحة.
هذا المسار للتطورات الحكومية التي تضرب طوقا سياسيا حول حزب الله، وتتزامن مع عقوبات أميركية ضاغطة، كان كافيا لإثارة تساؤلات لدى حزب الله دفعته الى مراجعة سياسته، ليس لتحديد مكامن الخلل وإنما لتحديد المسؤوليات وطبيعة العلاقة مع الحريري من الآن فصاعدا. هذه العلاقة كانت شهدت فترة انسجام وتناغم منذ وصول الرئيس عون الى قصر بعبدا، وتواصلت في فترة تشكيل الحكومة الجديدة، إذ لطالما أبدى الحريري تقديره لحزب الله واعتبره أكثر من يسهل ويتعاون، في وقت كان الحزب يقدر للحريري موقفه أمام المحكمة الدولية ويؤكد تمسكه به وألا بديل عنه ولا خطط لديه لإيجاد البديل.
الآن تبدو الأجواء متغيرة والعلاقات على أهبة الدخول في مرحلة جديدة من «افتراق المصالح» ومن ربط العلاقات بحسابات واعتبارات إقليمية، ليصبح لبنان ساحة من ساحات الصراع الأميركي ـ الإيراني. فإذا كان الرئيس سعد الحريري جديا في التهديد بالاعتذار إذا لم يؤخذ بمطلبه «السني»، فإن حزب الله الذي لن يتراجع عن موقفه سيكون بعد حين جديا في ترك الحريري ينفذ تهديده، وسيبدأ مهمة البحث عن بديل وستكون مهمته شاقة، بل شبه مستحيلة، وبالتالي، فإن الوضع يقف بين احتمالين: إما حكومة تصريف أعمال لأمد طويل ولذلك يطرح تفعيل التشريع والتصريف، وإما أزمة أبعد وأعمق من أزمة حكومة.

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.