«استحالة التغيير» تقلّص اللوائح المنافسة لـ«الثنائي الشيعي»
كتب يوسف دياب في الشرق الاوسط: صحيح أن قيود وزارة الداخلية اللبنانية سجّلت زيادة في عدد اللوائح الانتخابية لاستحقاق 2022، أي بفارق 26 لائحة عن الانتخابات الماضية، لكنّ المفارقة تمثّلت بتراجع اللوائح الانتخابية المعارضة للثنائي الشيعي «حزب الله» وحركة «أمل»، في دوائر الجنوب والبقاع، وهو ما قلّص الرهان على إحداث تغيير لمنظومة السلطة الحاكمة عبر صناديق الاقتراع؛ خصوصاً بعد انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 وبعد الانهيار الاقتصادي والمالي الذي يشهده لبنان.
تتعدد الأسباب الكامنة وراء انكفاء كثيرين عن خوض مغامرة الانتخابات وتحقيق التغيير المنشود، ويردّ ناشر موقع «جنوبية» علي الأمين الأسباب إلى «السطوة الأمنية والعسكرية لدولة (حزب الله) على كلّ شيء، مقابل غياب الدعم للقوى السيادية، التي لا تستطيع المواجهة بظلّ الوضع القائم». ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن «رسالة اغتيال لقمان سليم (الباحث السياسي المعارض بشدّة لـ«حزب الله»)، كانت موجهة بشكل أساسي إلى البيئة الشيعية قبل غيرها، وهو ما ولّد حالة إحباط غير مسبوقة، عززها الغياب الكلّي لمؤسسات الدولة الأمنية والقضائية، والشعور بأن الدخول إلى مركز انتخابي كأنه دخول لمركزٍ للحزب».
وغالباً ما يتعرّض المرشحون الشيعة المناوئون لـ«حزب الله» لمضايقات تصل إلى حدّ الاعتداء الجسدي، والتعدي على المنازل والممتلكات، ما يدفع بعضهم إلى الانسحاب تحت وطأة التهديد، وصعوبة الوصول إلى مركز الاقتراع. ويشير علي الأمين إلى أن «جميع مراكز الاقتراع مصادرة من قبل الحزب، كما أن رؤساء الأقلام يعملون بوحي إرادة القوّة المسيطرة، وهو ما يولّد خوفاً كبيراً لدى الناخب». ويضيف الأمين، وهو ناشط سياسي معارض لـ«حزب الله»، أن «البعض لا يرى في الانتخابات مدخلاً للتغيير، لأن (حزب الله) قادر على تزويرها وتغيير نتائجها، وصولاً إلى الانقلاب على النتائج إن لم تكن لصالحه»، معتبراً أن «الأزمة تتجاوز أبعد من نتائج الانتخابات، طالما أن الحزب أعلن مسبقاً أنه أياً كانت النتائج لا أحد يستطيع أن يحكم وحده، لأن البلد خاضع للتوافق، علماً أنه وحده يقرر كيفية التوافق». ويسأل الأمين: «هل حصل توافق عندما ذهب الحزب للقتال في سوريا والعراق واليمن؟ هل انتظر التوافق قبل اجتياح بيروت في 7 مايو (أيار)؟ أين التوافق عندما أطاح بحكومة سعد الحريري في 2010 وشكّل حكومة اللون الواحد؟».
وتتنافس 3 لوائح في دائرة صور – الزهراني الجنوبية، مقابل لائحة تحالف «أمل» و«حزب الله»، في حين تترشّح لائحتان للمعارضة في دائرة النبطية بمواجهة لائحة الثنائي الشيعي، و4 لوائح في دائرة صيدا – جزين، إحدى هذه اللوائح مدعومة من الثنائي المذكور. ويشدد علي الأمين على أن «الإحباط يعبّر عن حالة الاعتراض الواسعة، أمام استحالة إحداث التغيير عبر الاستحقاق الانتخابي». ويرى أن «استمرار الواقع الحالي سيقود إلى انفجار واسع قد تكون صورته أسوأ من الحرب». ويختم الأمين «إذا كانت ثورة 17 أكتوبر (تشرين الأول) عنوانها الانتفاضة السلميّة، فإن الفوضى العارمة ستكون عنوان الانفجار الاجتماعي المقبل، الذي سيأتي بأبشع صوره وأشكاله».
الصورة القاتمة في دوائر الجنوب تبدو أكثر سوداوية في منطقة البقاع؛ خصوصاً في دائرة بعلبك – الهرمل؛ حيث النفوذ المطلق لـ«حزب الله»، إذ عبّر الشيخ عبّاس يزبك، عضو اللقاء التشاوري لأبناء بعلبك – الهرمل، عن أسفه لـ«إجراء انتخابات في ظلّ الاحتلال الإيراني المتمثّل بـ(حزب الله)». ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن أبناء البقاع «يعيشون تحت احتلال عسكري بغيض يهيمن على الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية، وهو بنفس الوقت احتلال ثقافي وديني يجري تعميمه تحت شعار حفظ إنجازات المقاومة». ولفت يزبك إلى أن «الانكفاء هو عنوان الانتخابات المقبلة، لأن القوى السيادية في هذه المنطقة لا يمكنها أن يحمل فريق منها السلاح ويمتلك السلطة والمال والنفوذ، ويدير العصابات الخارجة عن القانون ويحرّكها بما يخدم مشروعه»، ملاحظاً في الوقت نفسه أن «(حزب الله) يصادر قرار الطائفة الشيعة في لبنان، ويغريها بحجّة أن الشيعي يحكم البلد، ويعتبر كل من يخرج عن طوعه يستهدف المقاومة وبيئتها وانتصاراتها».
ورغم ارتياحه المسبق للنتائج، فالماكينة الانتخابية للثنائي الشيعي في البقاع تعمل بلا توقّف، فهي تخشى الانكفاء على صعيد التصويت والإقبال على صناديق الاقتراع، ويلفت الشيخ عبّاس يزبك إلى أن الحزب «يتحسس خطورة انهيار البلد في ظلّ حكمه، وهو لا يستطيع أن يتبرّأ من المسؤولية بوجود رئيس للجمهورية (ميشال عون) تابع له، وحكومة تخضع لسلطته وحيازته على أكثرية في المجلس النيابي». وأشار إلى أن الحزب «يتحمّل مسؤولية إضاعة فرصة التغيير التي برزت مع الثورة، لكنّه عبث بها ونكّل بناشطيها في الساحات».
وتتنافس في دائرة بعلبك الهرمل لائحتان أساسيتان، الأولى لائحة «حزب الله» «وأمل»، ينافسها لائحة «القوات اللبنانية» التي لا تمتلك مقومات الاختراق الفعلي، ويشير يزبك إلى أن لائحة القوات «تضمّ كثيراً من التناقضات، لكن الأصوات القواتية التي تقارب 14 ألف ناخب، ستصبّ بشكل كامل للنائب المرشّح أنطوان حبشي لضمان فوزه». ورأى أن «اللوائح الأخرى هزيلة، وهي شكّلت بدفع من (حزب الله) حتى تتفرّق الأصوات المنافسة له ويضمن فوزاً كاسحاً للائحته».
في المقابل، تحدّثت مصادر محلّية في البقاع، عن «عملية تطويع للمعارضين تنشط على قدم وساق». وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن «حالة المواجهة مع الحزب تراجعت إلى حدّ كبير»، وأكدت أن الحزب «يردّ على التحركات الشعبية التي تحصل بين حين وآخر اعتراضاً على سياسته، بتحريك ملفّات المطلوبين، بحيث يعمد إلى رفع الغطاء عن أشخاص ملاحقين قضائياً، والسماح للجيش والقوى الأمنية بتعقبهم وتوقيفهم، ما يسمح له بلعب دور الوساطة لإطلاق سراحهم، ومن ثم تطويعهم لإرادته».
Comments are closed.