معدّلات الاكتئاب والقلق مرتفعة لدى الأطفال والمراهقين في لبنان

مرفأ بيروت 2
ما بعد وقوع انفجار مرفأ بيروت (حسام شبارو/ الأناضول)

“بعد انفجار مرفأ بيروت، ارتفعت نسب الإصابة بالاضطرابات النفسيّة لدى الأطفال والمراهقين في لبنان. ويسجّل الاكتئاب نسبة ثلاثين في المائة، والقلق خمسة وستين في المائة، واضطرابات الكرب ما بعد الصدمة نسبة اثنين وخمسين في المائة”. هذه أبرز نتائج دراسة علمية حول الصحة النفسية لدى الأطفال والمراهقين في لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت، أعدها باحثون من كليتي العلوم الصحية والطب في الجامعة الأميركية في بيروت، ومنهم الدكتورة ليليان غندور والدكتور فادي معلوف.
وشملت الدراسة 802 طفل ومراهق من 591 عائلة، تراوح أعمارهم ما بين ثمانية وسبعة عشر عاماً، معظمهم من الجنسية اللبنانية بنسب متساوية بين الذكور والإناث. وأُعدّت الدراسة بعد مرور أربعة أشهر على وقوع انفجار بيروت في شهر أغسطس/ آب 2020. وكانت نسبة 82 في المائة من العينة موجودة في مدينة بيروت لحظة وقوع الانفجار.
وتشير نتائج الدراسة إلى أن نسبة 73 في المائة من الأطفال، الذين تراوح أعمارهم ما بين ثمانية وأحد عشر عاماً يظهرون عوارض قلق. وترتفع نسب الإصابة بأعراض نفسية لدى الأطفال والمراهقين الذين تأثروا بجروح خلال الانفجار، أو الذين لمحوا ضحايا، أو الذين تضررت بيوتهم. وترتبط معدلات ظهور عوارض نفسية مثل القلق أو الاكتئاب بعوامل أخرى، ومنها الحالة الاقتصادية للعائلة، وتاريخ الصحة النفسية لدى العائلة، ووجود صعوبات تعليمية وأكاديمية، والمسافة الفاصلة بين منطقة وجود الأولاد والمراهقين والمنطقة المتضررة لحظة وقوع الانفجار.
ويُشير الطبيب المتخصص بالاضطرابات النفسية لدى الأطفال والمراهقين، ورئيس قسم الطب النفسي في الجامعة الأميركية في بيروت فادي معلوف، إلى ارتفاع معدلات انتشار الاكتئاب والقلق لدى الأطفال والمراهقين في لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت، مقارنة بدول أخرى شهدت كوارث طبيعية أو حروباً. وتشير أبرز البحوث العالمية إلى أن نسب ظهور أعراض القلق والاكتئاب لدى الأطفال والمراهقين لم تتخطّ نسبة عشرين في المائة بعد حدوث كارثة معينة. وعلى سبيل المثال، سجلت نسب أعراض القلق لدى الأطفال بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول في الولايات المتحدة الأميركية ثلاثين في المائة.

ويعيد معلوف ارتفاع هذه النسب في لبنان مقارنة بالمعدلات العالمية إلى تراكم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والصحية التي يعانيها لبنان خلال فترة وقوع الانفجار، ما جعل الأطفال والمراهقين أكثر عرضة للإصابة بأعراض نفسية مقارنة بدول أخرى.
من جهة أخرى، تُلاحظ الدراسة انخفاض معدّلات الحصول على تدخل أو دعم نفسي لمواجهة هذه الاضطرابات النفسية، إذ لم تتخط نسبة طلب المتابعة النفسية المهنية 17 في المائة.
ويشرح معلوف أنّ الأطفال والمراهقين الذين يعانون من اضطرابات نفسية أكثرعرضة لمواجهة صعوبات تعلمية ودراسية تعوق تحصيلهم العلمي وإنتاجيتهم، ومشاكل صحية تشكّل عبئاً على النظام الصحي. وفي حال عدم معالجة العوارض النفسية، يظهر الأطفال والمراهقون عند الكبر، خطراً أكبر للإصابة بالاكتئاب، أو إدمان الكحول والمواد المخدرة. لذلك، يشدد معلوف على ضرورة تنبه الأهالي والكوادر التعليمية في المدارس للصحة النفسية للتلامذة في حال ظهورعلامات حزن أو توتر أو مشاكل أخرى يمكن مواجهتها والحد من آثارها بشكل مبكر بفضل العلاجات المتاحة.

في المقابل، يشير معلوف إلى أنّه، لحسن الحظ، يملك الدماغ قدرة على المرونة النفسية بعد الأزمات التي تخفف أعباء هذه الأعراض لدى الأطفال والمراهقين، عند أغلب الحالات، بعد مرور فترة زمنية على التعرض لحادث ما.
وتسجل نتائج الدراسة الحديثة، بعد انفجار بيروت، ارتفاعاً بمعدلات الإصابة بأعراض نفسية لدى الأطفال والمراهقين في لبنان مقارنة بالدراسات السابقة. على سبيل المثال، كشفت دراسة محلية أجريت عام 2018، وشملت 1517 طفلاً ومراهقاً تراوح أعمارهم ما بين خمسة وسبعة عشر عاماً، أن ثلث الأطفال والمراهقين يظهرون أعراضاً نفسية، بينما ارتفعت نسبة ظهور عارض نفسي لدى الفئة العمرية بين اثني عشر عاماً وسبعة عشر عاماً إلى خمسة وأربعين في المائة. وارتبطت هذه المعدلات المرتفعة بعوامل صحية واجتماعية، منها تاريخ العائلة، التنمر، الإصابة بأمراض مزمنة، الدخل المادي للعائلة ومستوى التحصيل العلمي وغيرها. ولم تحصل سوى نسبة خمسة في المائة من الذين يعانون أعراضاً نفسياً على العلاج.
أما في عام 2012، فبينت دراسة علمية شملت 510 أطفال ومراهقين في لبنان، أنّ نسبة 26 في المائة من العينة يظهرون اضطراباً نفسياً واحداً على الأقل، بينما لم تتجاوز المعدلات العالمية نسبة واحد وعشرين في المائة. وأظهرت الدراسة أنّ نسبة ستة في المائة فقط من الأطفال والمراهقين الذين يعانون اضطراباً نفسياً حصلوا على العلاج المناسب في لبنان.

ويقول معلوف إن نسب الحصول على العلاجات النفسية منخفضة في لبنان مقارنة بالدول الأخرى لعوائق عدة، منها صعوبة الحصول على الخدمات المناسبة وعدم توافرها وارتفاع كلفتها المادية.
ويشدّد معلوف على أنّ الدراسات العلمية تظهر ارتفاع معدّلات الأعراض النفسية عند الأطفال والمراهقين في لبنان في مراحل زمنية مختلفة، وليس بعد وقوع انفجار مرفأ بيروت فحسب، وذلك باعتبار أنّ لبنان بلد الأزمات المتكررة وعدم الاستقرار، إذ عاش الأهالي حروباً أهلية وشدائد مختلفة تجعل الأولاد أكثر هشاشة لأعراض ومشاكل نفسية. يشار إلى أنّ انتشار كورونا والحجر المنزلي أثّرا بشكل واضح في صحة الأطفال والمراهقين في جميع أنحاء العالم. وتُبيّن الدراسات ارتفاع نسب الاكتئاب عند الأطفال من 13 إلى 22 في المائة خلال الجائحة في الصين، وإلى خمسة وسبعين في المائة في المملكة المتحدة بسبب عوامل عدة، منها: العزلة الاجتماعية، وعدم الذهاب إلى المدرسة، والعنف المنزلي، وانخفاض القدرة على الحصول على موارد الصحة النفسية، وتأثر الحالة النفسية للأهالي، وغيرها.

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.