سعر البنزين إلى أكثر من 192 ألف ليرة والغاز المنزلي إلى أكثر من 125 ألفاً… الدولة تستبدل الدعم بـ 93 دولاراً ‏للأسرة

كتبت صحيفة ” الأخبار ” تقول : لا صلة لما يجري في البلاد، منذ عام 2019 حتى اليوم، بما يُسمّى زوراً “فشل السلطة”. “السلطة”، بأجنحتها ‏السياسية والتشريعية والمصرفية ــــ المالية الاحتكارية ــــ مدعومة من السلطة الدينية والغالبية العظمى من وسائل ‏الإعلام ــــ تُدرك تماماً ما تفعله، وتنجح في تحقيقه. هي ببساطة تدافع عن امتيازاتها، وترفض أن تدفع جزءاً ولو ‏يسيراً من الخسائر التي لحقت بالاقتصاد والناس. للدلالة على النجاح الباهر لهذه السلطة، تكفي المفارقة الكبرى التي ‏ظهرت أمس: فيما كانت لجنة نيابية تبحث في منح جزء من العائلات الفقيرة بطاقة تمويلية تحوي كل منها على ما ‏متوسطه 93 دولاراً شهرياً كـ”تعويض” ضحل عن رفع الدعم عن الدواء والوقود، كشف المصرف المركزي ‏السويسري أن مصارف سويسرا تلقّت عام 2020 ودائع إضافية من لبنان بلغت 2.6 مليار دولار، ليصبح مجموع ‏ودائع اللبنانيين في المصارف السويسرية أكثر من 7 مليارات دولار‎.‎

ولا بدّ ــــ عند كل مرحلة تزخيم للانهيار ــــ من العودة إلى المنعطف الأساسي: خطة الإنقاذ المالي لحكومة ‏الرئيس حسان دياب. هذه الخطة كانت لتشكّل منطلقاً، رغم كل ما فيها من ثُغَر، للخروج من الأزمة؛ أو على ‏الأقل، كان يمكن تطبيقها أن يخفف من سرعة الانهيار، كما خفض كلفته على المجتمع بصورة عامة، وإنْ بتفاوت ‏بين الطبقات الاجتماعية المختلفة. وكانت تلك الخطة ستُقرن بقانون لفرض قيود على رأس المال (كابيتال ‏كونترول)، بما يحول دون تهريب أموال كبار القوم، من سياسيين ومصرفيين ومحتكرين ورجال دين… إلى ‏الخارج. لكن “السلطة” قررت تدمير تلك الخطة، عبر عملية غش ممنهج عنوانها أن “الورقة الحكومية تتضمّن ‏أرقاماً مبالغاً بها للخسائر”. وبدلاً من اقتراح خطة بديلة، تولّت إسقاطَ الخطة الحكومية لجنة نيابية برئاسة أمين ‏سرّ تكتل “لبنان القوي”، النائب إبراهيم كنعان. وعاونه في إدارة تلك العملية عضو كتلة التحرير والتنمية ياسين ‏جابر، وعضو كتلة الرئيس نجيب ميقاتي النائب نقولا نحاس. أدّى كنعان مهمته التي كلّفته بها المنظومة الحاكمة، ‏إلى حد أنّ صانع ما يُسمّى “الإبراء المستحيل” تلقّى تهنئة من تيار المستقبل! كان الهدف حماية أصحاب ‏المصارف وكبار المودعين (سياسيون، محتكرون…) من المساهمة مساهمةً جديةً في كلفة الخروج من الأزمة، ‏لأنهم كانوا الأكثر استفادة، على مدى عقود، من كل السياسات التي أوصلت البلد إلى الانهيار الشامل. في تلك ‏اللجنة، لم يكن الاصطفاف خفيّاً ولا موارباً: “كلّن يعني كلّن” عملوا على تدمير الخطة، ولم يقف في وجههم سوى ‏عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فياض، الذي قاطع لاحقاً، مع كتلته، المؤتمر الصحافي الذي عقده الثلاثي: ‏كنعان ــــ جابر ــــ نحاس من أجل الإعلان عن النتيجة التي توصّلوا إليها‎.
تلك المقاطعة بدت كالعبوس في العتمة. فهي لم تحل دون ارتكاب تلك العملية التي يمكن القول إنها كانت “الجريمة ‏الأصلية” في مرحلة ما بعد الانهيار. ولأنها “الجريمة الأصلية”، لا بد من إعادة التذكير بها مع كل انتقال إلى ‏مرحلة جديدة من الانهيار. والمرحلة الجديدة ستكون بلا شك أقسى من سابقاتها على سكان لبنان، وتحديداً، على ‏الفقراء ومتوسطي الدخل منهم‎.‎

المنعطف الجديد اسمه رفع الدعم، وبحث إقرار “بطاقة تمويلية”، تُمنح لجزء من العائلات اللبنانية، لإعانتها على ‏مواجهة تبعات قرار خفض دعم استيراد البنزين والمازوت والغاز والأدوية، بنسب متفاوتة. بعد أكثر من سنة و8 ‏أشهر على بدء ظهور نتائج الانهيار، وبعد تأليف الكثير من اللجان، وجلسات وزارية ونيابية ومصرفية، أنهت ‏اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة، أمس، عملها بشأن “البطاقة” التي تُقدّم بصفتها منقذةً للبنانيين ‏من تبعات إلغاء الدعم أو خفضه أو ما يُسمّى “ترشيده‎”.

ونيابة عن السلطة، اقترحت اللجنة الآتي‎:
ــــ العائلات الأكثر فقراً، التي تستفيد من قرض البنك الدولي الذي لم يبدأ توزيعه بعد، ستُمنح ما قرره لها البنك ‏الدولي. بوضوح أكثر، اللبنانيون القابعون في حالة فقر مدقع، وكانوا قبل الانهيار يقفون على حافة الجوع، لن ‏تلتفت إليهم السلطة، بل قررت ترك أمرهم إلى قرض من البنك الدولي يمنحهم عشرات الدولارات شهرياً‎.
ــــ باقي العائلات التي “تستحقّ دعماً”، والتي لم يُعرف عددها بعد، ستُمنح شهرياً ما معدّله 93 دولاراً أميركياً ‏للعائلة الواحدة‎.
ــــ كل عائلة يملك أحد أفرادها حساباً مصرفياً يفوق الألف دولار ويقلّ عن الخمسين ألف دولار، لن تحصل على ‏أي دعم. سيُقَر قانون يُلزم المصارف بدفع مبلغ 100 دولار شهرياً (مئة دولار أميركي فقط لا غير)، لتلك العائلة، ‏من وديعتها. بوضوح أكثر، فإن أي فرد جمع ألف دولار على مدى سنوات، وكان حظه عاثراً إلى درجة إيداع ‏‏”ثروته” في مصرف، سيكون محروماً من الدعم، ويُعتبر ماله المحجوز تعويضاً له أقرّته الدولة‎!

هذه الإجراءات هي كلّ ما ستواجه به السلطة حالة الانهيار التي تحققت، وتلك التي لم تبدأ بعد. كان لديها من ‏الوقت ما يكفي لإقرار خطة نقل عام، تسمح بخفض كلفة استيراد المحروقات، كما تتيح للسكان التنقل من دون ‏استخدام سياراتهم… وكان لديها ما يكفي لعقد اتفاقيات من دولة إلى دولة لاستيراد الغاز المنزلي بأسعار معقولة… ‏وكان لديها من الوقت ما يكفي لعقد اتفاقيات استيراد الأدوية بأسعار “منطقية”… وكان لديها ما يكفي من الوقت ‏لوضع خطة تحفيز للاقتصاد ودعم التصنيع المحلي وإعادة إطلاق العمل المصرفي بما يخدم الاقتصاد… وكان في ‏النهاية يمكنها دفع مبالغ مالية مجزية للعائلات اللبنانية، لدعمها على تحمّل تبعات الانهيار، قبل تبعات رفع الدعم… ‏كان يمكنها فعل الكثير في سنة و8 أشهر، لكنها فضّلت إهدار كل ذلك الوقت، لفتح الباب واسعاً أمام تهريب الأموال ‏إلى الخارج، وتحميل عموم السكان الجزء الأكبر من الخسائر، بدلاً من أن يتحمّل الجزء الأكبر منها أولئك الذين ‏تمنحهم ثرواتهم القدرة على دفع بدل الخسائر من دون أن يُسحقوا‎.

ثمة مفارقة إضافية تُضاف إلى ثنائية الـ”93 دولاراً للعائلة اللبنانية في مقابل 2.6 مليار دولار مهرّبة إلى سويسرا ‏وحدها، في عام 2020 وحده”. المفارقة الإضافية أن اللجنة النيابية، ونيابة عن عموم السلطة، قررت تمويل جزء ‏من كلفة البطاقة المقترحة، عبر استخدام قرض من البنك الدولي مخصص لمشروع النقل السريع. مشروع للنقل ‏العام، يربط العاصمة بالمناطق، بواسطة باصات سريعة، يخفض كلفة استيراد البنزين وكلفة التنقل التي يدفعها ‏السكان. وبدلاً من الإسراع في تنفيذه، قررت السلطة دفنه واستخدام أمواله كـ”إبرة بنج” مؤقتة بعد إلغاء الدعم، ‏وترك السكان ليستمروا بخدمة ثروات مافيا المحروقات‎.

وليكتمل عمل اللجنة النيابية، أصرّ بعض أعضائها (على رأسهم ياسين جابر ونواب القوات اللبنانية)، على الربط ‏بين إقرار البطاقة ورفع الدعم. القواتيون كانوا يطالبون بإلغاء الدعم كاملاً. أما جابر، وبعض زملائه، فكانوا أكثر ‏‏”رحمة”. طلبوا من الحكومة مشروعاً لما يسمّونه “ترشيد الدعم”، فأتتهم وزيرة الدفاع والخارجية، زينة عكر، ‏بورقة أعدّها زميلها وزير الاقتصاد راوول نعمة، وأقِرَّت في اجتماعات وزارية. تلك الورقة تبشّر بإلغاء كامل ‏للدعم عن المواد الغذائية، وبنسبة 54 في المئة عن الأدوية، و30 في المئة عن الغاز، و40 في المئة عن البنزين، ‏و32 في المئة عن المازوت. وفي حال الالتزام بوصفة راوول نعمة هذه، سيصبح سعر “جرّة” الغاز المنزلي ‏أكثر من 125 ألف ليرة، وأكثر من 179 ألف ليرة لصفيحة المازوت، وأكثر من 192 ألف ليرة لصفيحة البنزين، ‏بحسب الأرقام الواردة في الورقة الوزارية. هذه الأسعار تقترح السلطة مواجهَتها بتوزيع 93 دولاراً شهرياً على ‏عدد محدود من العائلات. وهذه الأسعار لن تقف عند هذا الحد، لأن سعر الدولار بدوره لن يكون له سقف بعد رفع ‏الدعم. جريمة جديدة ستُرتكب، باسم حماية أموال المودعين التي نُهِب أكثر من 85 في المئة منها، كما باسم مكافحة ‏التهريب‎!‎

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.