اللاجئون السوريون يعيدون تشكيل المجتمع الألماني

يُخطط جزء كبير من اللاجئين السوريين، الذين وصلوا إلى ألمانيا، عام 2015، للبقاء في البلاد، بشكل دائم. وقد تغيروا كثيراً على مدى السنوات الخمس الماضية، وكذلك تغيرت ألمانيا. وعندما سُئل عن أكثر المنتجات الأكثر رواجاً في متجره للبقالة، قال محمد هناوي (20 عاماً)، إنه «الخبز العربي»، وهو مناسب تماماً للتغميس، ويأكله السوريون مع كل طبق تقريباً، حتى إن البعض يولونه أهمية خاصة، ولا يرمون قطعة منه، بل يتم التقاطها، إن سقطت، وتقبيلها ثم تناولها. ويجلس هناوي خلف منضدة، مرتدياً سترة رياضية زرقاء وبيضاء، بينما يزن والده الزيتون لعميل. ويكتب الشاب السوري طلبات المتجر، الذي افتتح في يناير، باللغة العربية. ويقول إن الأمور تسير على ما يرام، وإن الفاصوليا والنقانق وورق العنب المخلل، مطلوبة بكثرة، «إنها الأشياء السورية، التي يفتقدها الناس هنا».

ولم يصل أي مهاجر من الشرق الأوسط إلى يوترسن، في منطقة بينيبرغ، بالقرب من هامبورغ، قبل 2015. ويبلغ عدد سكان المدينة نحو 19 ألف نسمة. ويقول هناوي إن عائلته كانت من أوائل الذين انتقلوا إلى المدينة؛ واليوم يعيش أكثر من 300 سوري في يوترسن. ويقول السكان الجدد إنهم كانوا يسألون من أين يمكنهم شراء أفضل البقالة العربية. وقرر هناوي سد الفجوة في السوق، وكما اكتشفت العائلة، في الأشهر الأخيرة، كان هذا قراراً قوياً مقاوماً للأزمة؛ وعلى عكس العديد من المتاجر، في القطاعات الأخرى، لم تضطر عائلة هناوي إلى إغلاق أبواب متجرها، أثناء إغلاق «كورونا»، والطلب على المنتجات العربية تواصل بلا انقطاع.

وتوقف محمد هناوي عن الذهاب إلى المدرسة، في ألمانيا، بعد الصف التاسع، للمساعدة في فتح المتجر، ويقول: «لم أعد بحاجة إلى الشهادة، الآن». وبعد جمع ما يكفي من الأموال، قامت العائلة بتجديد حانة سابقة بالقرب من محطة قطار، وخلقت فضاءً صغيراً من الشرق الأوسط، في يوترسن.

جزء متنامٍ

الجزء المتنامي من السكان العرب، في ألمانيا، له أثر واضح في أجزاء كثيرة من البلاد، ففي برلين، عُرف شارع «سونينالي»، منذ فترة، باسم «شارع العرب»، بشكل غير رسمي، بكثير من المقاهي والمتاجر الشرق أوسطية. وداخل إحدى المكتبات الرئيسة في العاصمة الألمانية، الآن، يوجد قسم عربي. وقبل الوباء، كان على إمام «مسجد النور»، في هامبورغ، أن يقيم خطبته على نوبتين، ليتمكن جميع المصلين من الدخول، لكن في هذه الأيام يتصل معظم المصلين بالمسجد، عبر البث المباشر. ويمثل السوريون، الآن، أكبر أقلية مسلمة في ألمانيا، بعد الأتراك. ومنذ عام 2010، ارتفعت أعدادهم في البلاد من نحو 30 ألفاً إلى أكثر من 800 ألف. ووصل معظمهم كلاجئين بعد اندلاع الحرب الأهلية، وهم يعيدون تشكيل البلاد، مثلما فعل المهاجرون الأتراك لعقود.

وبين عامي 2015 و2018، أنجبت السوريات، في ألمانيا، أكثر من 65 ألف طفل، لكن الجالية السورية ستستمر في النمو بالبلاد، لأسباب أخرى كذلك. وفي العام الماضي، تقدم نحو 40 ألف سوري بطلب لجوء، وهو رقم صغير مقارنة بعام 2015، عندما جاءت موجة كبيرة من اللاجئين إلى ألمانيا.

إقامة دائمة

العديد من اللاجئين الذين يوجدون، حالياً، في البلدان المجاورة لسورية أو في الجزر اليونانية، لديهم أقارب أو أصدقاء في ألمانيا، ويودون اللحاق بهم. ومن المستحيل معرفة عدد الأشخاص في هذه الحالة. وبعد نحو تسع سنوات من الحرب الأهلية، فإن الوضع في سورية كارثي، خصوصاً في المناطق القريبة من إدلب وحلب، مع استمرار القتال. وتعتبر وزارة الخارجية الألمانية أن سورية بأكملها غير آمنة، وقد مددت الحكومة وقف عمليات الترحيل.

وعاش الكثير من السوريين، في ألمانيا، لفترة طويلة، ما يؤهلهم لتحويل وضع الحماية المحدودة المدة، إلى تصريح إقامة دائمة، هذا العام، طالما أنهم يعتبرون مندمجين بشكل جيد. وعند هذه النقطة، لا يعود بالإمكان اعتبارهم لاجئين. ويقول الخبراء إن أول موجة كبيرة من الطلبات ستحدث في عام 2020. لكن بسبب الفيروس التاجي، تعمل العديد من السلطات بقدرة محدودة، وتم تأخير المواعيد في المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، وفي سلطات الهجرة.

ويجب على أي شخص يتمتع بوضع اللاجئ، ويريد أن يصبح مقيماً دائماً، أن يستوفي العديد من المتطلبات. أهمها أن يعيش في ألمانيا بشكل قانوني، لمدة خمس سنوات، ويتحدث الألمانية بشكل جيد نسبياً، وأن يكسب معظم قوته دون دعم، ودون سجل جنائي، ويجب أن يكون قادراً على إظهار دليل على وجود سكن. ويحق لمن يكسبون ما يكفي من المال، ويتحدثون الألمانية بمستوى جيد، التقدم بعد ثلاث سنوات.

عودة مستبعدة

ويقول مسؤولون، في وزارة الداخلية الألمانية، إن 12 ألف لاجئ سوري حصلوا على إقامة دائمة بهذه الطريقة، حتى منتصف 2019. ولا يوجد سجل مركزي لعدد الطلبات التي تم تقديمها، حتى الآن، هذا العام. ووفقاً لوكالة التوظيف الفيدرالية، حصل 42% من اللاجئين، الذين هاجروا منذ عام 2015 على وظيفة، في نهاية العام الماضي، لكن هذه الإحصاءات تشمل، أيضاً، العمل بأجر منخفض والدوام الجزئي. ومن المحتمل، أيضاً، أن يكون هذا الوضع قد ساء بشكل كبير، منذ بداية الوباء.

لكن حتى أولئك الذين بالكاد تعلموا اللغة الألمانية، وهم حتى الآن بعيدون عن سوق العمل؛ من المرجح أن يبقوا في البلاد، حتى إذا أصبح الوضع في سورية أكثر استقراراً. ومع استعادة نظام الرئيس بشار الأسد سيطرته على أجزاء كبيرة من البلاد، يخشى العديد من اللاجئين العودة.

توازن ثقافي

يعيش نحو خمسة ملايين مسلم في ألمانيا. وأصبح الإسلام، الذي شكله المهاجرون الأتراك بقوة في هذا البلد، منذ عقود، أكثر تنوعاً بفضل اللاجئين، وبات هناك توازن أفضل بين الثقافات الآن. وتوافق لمياء قدور، وهي باحثة من دويسبورغ، هاجر والداها إلى ألمانيا من سورية، في السبعينات، على ذلك، وتقول إنها سعيدة لأن «الثقافة الإسلامية الأحادية»، التي كانت موجودة منذ فترة طويلة في ألمانيا، أصبحت شيئاً من الماضي. وعلى النقيض من تركيا، فإن الدين في سورية لم يتم إضفاء الطابع المؤسسي عليه. وتخضع نحو 900 دار عبادة، في ألمانيا، لتوجيهات من الحكومة التركية.

منزل بالمنفى

لدى مهند قيقوني (33 عاماً)، فرص ضعيفة، إلى حد ما، في الحصول على تصريح إقامة دائمة، في الوقت الحالي، على الرغم من أنه حقق بالفعل الكثير من الأشياء في ألمانيا. ومثل العديد من الفنانين والمفكرين الآخرين من جميع أنحاء العالم، في برلين، يتحدث الإنجليزية بطلاقة، لكن لغته الألمانية ليست جيدة جداً.

وقام قيقوني بتأسيس مكتبة «بيناتنا» العربية، إلى جانب ألماني وأردني وسوريين آخرين. وأصبحت المكتبة، الآن، ضمن مكتبة ولاية برلين والمكتبة الإقليمية، في حي ميتي، بالعاصمة. وكانت هناك خيارات قليلة في برلين بالسابق للأشخاص الذين يريدون شراء أو استعارة الكتب باللغة العربية. يقول قيقوني: «أردنا أن نخلق منزلاً لأنفسنا في المنفى». وقد بدأوا بمئات الكتب التي قدمها الأصدقاء والمعارف، وهناك الآن نحو 3000 كتاب في المكتبة.

ويتم ترتيبها على أرفف خشبية بسيطة، والأرضية مغطاة بسجاد مرقع طويل وملون. والغرفة جميلة ومشرقة، لكنها لاتزال مغلقة للزوار بسبب «كوفيد-19»، وأي شخص يريد استعارة كتاب، يحتاج ببساطة إلى حجز العنوان عبر الإنترنت واستلامه.

لمّ الشمل

بالكاد تعرفت أمل البرص (41 سنة)، إلى ابنها موسى في مطار دوسلدورف عندما وصل. وكانا يتراسلان ويتحدثان عبر خدمة «واتس أب»، كل أسبوع، تقول الأم: «لكن هذا مختلف؛ في اليوم الذي وصل فيه، كانت له لحية فجأة».

وتضيف «تركته عندما كان عمره 12 عاماً، وهو الآن في الـ16».

إنها تحتاج للتعرف إلى ابنها مرة أخرى، وهو صبي بنى حياته الخاصة، في ألمانيا، على مدى السنوات الأربع الماضية. وموسى لديه أصدقاء لا تعرفهم والدته. ويتحدث لغة لا تفهمها، ويشعر بأنه في منزله بمدينة لا تحبها. وأمل لا تعرف حتى ما يحب أن يأكل. ويقول موسى إنه لا يحب الطعام السوري، «الكثير من اللحوم. لا يمكنني تحمل الرائحة».

ووتتذكر أمل، عندما حاولت عائلتها الوصول إلى ألمانيا عبر تركيا، وانقسمت في سيارتين، أثناء توجههما إلى الساحل، الذي كان من المقرر أن يغادر قاربهما منه. وكانت في السيارة الأولى مع زوجها واثنين من أبنائهما، بينما كان موسى وأبناء عمومته في السيارة الأخرى. وأوقفت الشرطة التركية السيارة التي تُقل الوالدين، لكن الصبية اجتازوا الطريق، واستطاعوا أن يشقوا طريقهم إلى ألمانيا، في حين أن بقية أفراد الأسرة أخفقوا.

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.