التحرش: من هي نادين أشرف التي شجعت الناجيات في مصر على الكلام؟

نادين

BBC

وضعت نادين أشرف في الصالة الواسعة التي تجاور غرفتها قطع أثاث بسيطة وكرسيا ومنضدة، جميعها باللون الأبيض. وعلى الطاولة رتبت أجهزتها الالكترونية: حاسبا محمولا وآخر لوحيا وهاتفها النقال، إلى جانب كتب عن الفلسفة والمرأة التي اعتادت اقتناءها.

بدا هذا الجزء من غرفة المكتب مناسبا لنادين أشرف، فاللون الأبيض الذي طليت به كل الجدران أيضا قد يساعدها على صفاء الذهن والتركيز في قراءة مئات الرسائل التي تستقبلها يوميا من ضحايا التحرش الجنسي في مصر.

تقول نادين لبي بي سي: “كان الناس يتخيلون أن من يقف خلف الحساب الذي حرك المياه الراكدة من جديد مؤسسة كبيرة وأشخاصا محترفين، لكن كنت أنا، ومن هذه الغرفة الشخصية”.

تدير الطالبة الجامعية التي تبلغ من العمر 22 عامًا حسابًا على تطبيق التواصل الاجتماعي إنستغرام لنشر شهادات ضحايا الاعتداء الجنسي، عُرف بـ”أسالت بوليس” أو “شرطة الاعتداء” وأعاد هذا الحساب قضية التحرش إلى الواجهة في مصر.

أثارت القصص التي نشرتها نادين من خلال هذا الحساب جدلًا كبيرًا خلال الأشهر الماضية ودفعت السلطات المصرية إلى التحرك قضائيًا وتشريعيًا، ومن بين تلك القصص قضية “أحمد بسام زكي” وقضية “فتاة الفيرمونت”.

“أريده أن يصبح عبرة للجميع لأن الرجال عندنا لا يخافون”

مصر تتسلم من لبنان ثلاثة متهمين باغتصاب فتاة قبل 6 سنوات

تعرض صديقاتها للتحرش قادها إلى الفكرة

نادينBBC

وتشرح نادين أشرف لبي بي سي أنها طيلة الوقت كانت تسمع من صديقاتها في المدرسة والجامعة عن أن شخصًا يدعى أحمد بسام زكي يتحرش بهن، ولطالما اشتكينه لمسؤولين في المؤسسات التعليمية التي كن يرتدنها، لكن التحرش لم يتوقف.

وتقول الفتاة الجامعية إنها قررت في يوليو/ تموز الماضي أن تنشيء حسابًا على موقع إنستغرام دون أن تكشف عن هوية من يديره بهدف جمع كل تلك الشهادات حول الوقائع المتعلقة بأحمد بسام زكي على منصة واحدة، وبالطبع أرادت أن تصل إلى أكبر عدد ممكن من الناس.

وتضيف نادين أنها تؤمن بأن الإعلام الجديد أداة لتغيير المجتمع، فهي تقضي معظم وقتها في تصفحه، لكنها لم تتوقع أن تثير هذه القصة كل هذا الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتعبر نادين عن شعورها في ذلك الوقت: “بدا الأمر حلمًا يتحقق، فبعد كل هذه الجرائم التي ارتكبها هذا الشخص والخوف منه والصمت لسنوات، أخيرًا تحرك المجتمع رافضا المتحرشين”.

على إثر هذا الجدل الواسع أعلنت النيابة العامة المصرية التحقيق في الوقائع المنسوبة إلى المتهم، ثم بدأت موجة من البوح الالكتروني عن التحرش الجنسي في مصر تشبه حملة “أنا أيضًا” التي انطلقت بالخارج.

“أنا أيضا”..الحملة التي أخرجت نساء عربيات عن صمتهن بشأن حوادث التحرش

العادات الاجتماعية تمنع الشكوى من التحرش

نادينBBC

تكمن قوة فكرة إنشاء حساب على الإنترنت للحديث عن التحرش الجنسي في أن الشهادات لا تنشر بأسماء أصحابها، إذ أن العادات الاجتماعية في مصر تصم من تتحدث عن جريمة تحرش جنسي تعرضت لها.

كونت نادين فريقا مكونا من أصدقائها ليساعدها في إدارة حساب إنستغرام، كما لجأت إلى بعض المحامين والحقوقيين بشكل سري في البداية للحصول على الدعم القانوني، والتأكد من أن ما تنشره لا ينتهك القانون.

ومع تزايد متابعي الحساب الذي تجاوز 200 ألف، قرر فريقها أن ينشر أيضًا معلومات لزيادة الوعي حول كيفية مواجهة التحرش.

تقول نادين إنه “بعد وصول كل هذه القصص المؤلمة حول التحرش، شعرت كل فتاة تقرأ أنها ليست وحدها من تتعرض إلى ذلك، وأن المشكلة تكمن في المجتمع وليس فيهن”.

جريمة الفيرمونت

في نهاية الشهر الأول في عمر الحساب، تصدر وسم #جريمة_الفيرمونت مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن نشر حساب “شرطة الاعتداء” شهادات الضحية ومن عاصروا الواقعة التي تعود إلى عام 2014.

وتحكي الروايات المتداولة في الإعلام المحلي أن شبابا مصريين ينتمون إلى عائلات ثرية استدرجوا إحدى الفتيات خلال حفل في فندق “فيرمونت نايل سيتي” إلى غرفة بالفندق، بعد أن وضعوا في مشروبها مخدرا، ثم تناوبوا على اغتصابها، وكتبوا أسماءهم على جسدها وصوروا الواقعة.

تؤكد نادين أشرف أن الخوف من الانتقام دفع الضحية إلى كتمان هذا السر طيلة السنوات الماضية، لأن من اغتصبوها يستطيعون أن يفعلوا بها الكثير حتى وإن سافرت خارج البلاد.

لهذا السبب أيضًا ظلت نادين شخصيةً مجهولة الهوية وهي تدير حساب الإنستغرام، خوفا من أن تصبح هدفًا لمن تنشر عن جرائمهم، بحسب قولها.

الشهادات الكثيرة عن التحرش التي نشرت عبر الإنترنت بعد قضية أحمد بسام زكي، شجعت ضحية الفيرمونت على الحديث، ولكن بعد أن زاد الجدل طلبت الفتاة من نادين أن تحذف ما نشرته عنها، ورغم ذلك لم يتوقف الجدل حول تلك الواقعة.

فتحت النيابة العامة المصرية تحقيقًا، وأمرت بضبط المتهمين وكلفت بالتنسيق مع الإنتربول لملاحقة الهاربين منهم خارج البلاد.

تقول نادين “كان شيئًا مبهرًا أن تتسلم السلطات المصرية المتهمين الذين ألقي القبض عليهم في الخارج، وأن يكون الجدل الواسع الذي صنعه رواد الإنترنت سببًا في ذلك”.

قانون سرية بيانات الضحايا

المشكلة القانونية في هذه الجرائم أن النيابة العامة لا تستطيع فتح تحقيق في اتهام بالاعتداء الجنسي دون أن تتقدم الضحية ببلاغ رسمي.

كان حساب “شرطة الاعتداء” في بعض الأحيان يقوم بدور الوسيط بين ضحايا التحرش الجنسي الذين يرسلون شهاداتهن للحساب وللمجلس القومي للمرأة، وهو مؤسسة حكومية تعنى بشؤون المرأة في مصر، ليقوم المجلس بإبلاغ النيابة العامة، لأن الفتيات يخشين الإفصاح.

في وقت قصير من هذا الجدل على وسائل التواصل الاجتماعي أصدر البرلمان المصري تشريعات جديدة تمنع جهات التحقيق من الإفصاح عن بيانات ضحايا التحرش الجنسي، عندما يبلغن عن الجرائم التي ترتكب بحقهم.

حينما كنا نعد تقريرًا تليفزيونيًا عن القانون الجديد في أغسطس/ آب الماضي، أبلغتني نادين أشرف، التي كنت أحدثها عبر حساب “شرطة الاعتداء”، أنها توافق على أن تتحدث لأول مرة لكن دون إظهار هويتها خوفًا من أي تبعات صعبة لذلك.

وعندما قابلتها بدت كأنها أعادت التفكير بالموضوع، وشعرت بأن الأمور في هذه الأوقات تسير على نحو جيد، وقالت إنها عدلت عن قرارها الأول وستكشف معنا عن هويتها لأول مرة.

لم تتوقع حينئذ أنه سيقع عليها الاختيار لتدخل قائمة بي بي سي لأكثر 100 امرأة تأثيرًا وإلهامًا في عام 2020.

تحاول نادين تغيير نظرة المجتمع إلى حديث الفتيات عن جرائم التحرش بهن، وقول إنه “على المجرم نفسه أن يخجل من جريمته، وليس الضحية”، متابعةً أن المتحرشين يعتمدون في الهروب من العقاب على أن الضحايا يخشون الحديث.

وتختتم حديثها لبي بي سي: “التحرش الجنسي في مصر جريمة مبنية على الصمت، ومواجهتها تبدأ بالبوح”.

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.