لبنان يرمّم تصدّعاته حيال الترسيم البحري ويريد العودة إلى «الطاولة» مع إسرائيل

مله لأعوام عدة، شكل لبنان لجنة تقنية لدرس إقتراح هوكشتاين، وهو الطرح المكتوب الذي سبق أن سلّمتْه السفيرة الأميركية دوروثي شيا إلى رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان وتضمّن «خطاً متعرجاً ينطلق من الـ 23 من ضمن حصة لبنان، على أن ينحرف عند البلوك 8 و10، فيكونان والجزء الخارجي من حقل قانا مع إسرائيل، على أن تقوم شركة توتال الفرنسية وهالبيرتون بإدارة الحقول المشتركة». وهذا يعطي إسرائيل مساحة نفطية بين الخط 29 وخط هوف (الذي كان قضى بحصول لبنان على 55 في المئة من منطقة الـ 860 كيلومتراً المتنازع عليها مقابل 45 في المئة لاسرائيل)، ما يجعلها تستفيد في صورة أوسع من منطقة أكثر قدرة على إنتاج كميات أكبر من حصة لبنان.

بعد تقديم هوكشتاين مقترحاته، ووسط تخبط لبناني، كان الإتجاه إلى تشكيل لجنة سياسية لدرسها، لكن إستعيض عنها بلجنة تقنية بعد رفض «حزب الله» والرئيس بري الإنضمام إليها. وبعد أيام من درسها العرض، إقتنعت الجهات الرسمية بأن ما يُعرض أميركياً يعرّض لبنان للخسائر. ورغم أن رئاسة الجمهورية ما زالت تصرّ على تعليق التفاوض على أساس الخط 29 الذي حدّده الجيش سابقاً وقدّم مستندات وخرائط تثبت صحته (ولكن عون لم يوقّع مرسوم تعديل الحدود البحرية للبنان لتصبح على أساسه)، إلا أن القرار رسا أخيراً على رفض المقترحات الجوالة والعودة الى طاولة التفاوض في الناقورة.

وبذلك يكون لبنان عاد إلى نقطة الصفر، وسط جملة معطيات وأسئلة.

فالعودة إلى قرار التفاوض، الذي إتُخذ أثر لقاء بين الرؤساء ميشال عون ونجيب ميقاتي ونبيه بري قبل أيام، يعني لبنانياً العودة إلى إقتراح بري الذي كان عرّاب ملف الترسيم البحري وإستخراج النفط. فرئيس البرلمان كان منذ البداية مؤيداً لفكرة التفاوض غير المباشر الذي حدد له إتفاقَ إطار. لكن رئيس الجمهورية تمسّك بدستورية دوره في رعاية المفاوضات والمعاهدات الدولية، بالتناغم مع دور للوزير جبران باسيل في الملف منذ ان كان وزيراً للطاقة وحتى إبقاء هذه الوزارة في عهدة تياره السياسي (التيار الوطني الحر)، فأمسك بالملف الذي أبعد عنه الجيش ووضعه في عهدة ابو صعب.

إلا ان مقترحات هوكشتاين ورفض «حزب الله» لمسار التفاوض الرسمي، جعل الكرة تعود إلى ملعب بري الذي لم يكن مرتاحاً هو الآخر لتمسُّك الجيش بالخط 29 الذي أدخل لبنان في معمعة كان في غنى عنها. فعاد الإقتراح إلى مفاوضات غير مباشرة في الناقورة. وهذا الأمر يضع الوفد الرئاسي مجدداً أمام حائط مسدود بعدما وصل سياسياً وتقنياً إلى تخبّط واضح، وأثار مشكلات داخلية سياسية ومع الجيش في توجيه إنتقادات له.

لكن الأسئلة المطروحة الآن تتعلق أولاً بموقفيْ الولايات المتحدة وإسرائيل من فكرة العودة إلى طاولة المفاوضات التي تعطّلت مرتين، علماً ان إسرائيل والولايات المتحدة تفضّلان الأسلوب الذي إعتُمد سابقاً، من خلال الرعاية الأميركية المباشرة. ووسط الإنشغال الدولي بالحرب الروسية، وغياب الإهتمام بلبنان، ولا سيما بملف الغاز والكهرباء الذي وُعد به لبنان من واشنطن من دون ترجمة واقعية، فإن الخشية تتزايد من إمكان دخول ملف الترسيم البحري مرحلة جمود طويلة.

ثانياً ان العودة إلى طاولة المفاوضات على قاعدة «الإتفاق الإطار» ستفرض مجدداً العودة إلى الجيش، ما يعني معاودة إدخاله في صلب التفاوض، بعدما أبعده رئيس الجمهورية، ومن ثم إستعان به في اللجنة التقنية بعد تمنُّع قيادة الجيش عن البحث في أي خط غير الـ 29. إذ بالنسبة إليه لا يمكن للوفد ذاته أن ينطلق في التفاوض من نقطة غير تلك التي تثبتها إحداثياته. ورغم أن قائد الجيش العماد جوزف عون أبلغ هوكشتاين في المرة الأخيرة ان الجيش يخضع لقرار السلطة السياسية، إلا انه سيكون أمام إستحقاق تأليف وفد عسكري برئيسٍ جديد بعدما أحيل رئيسه السابق العميد بسام ياسين إلى التقاعد. علماً ان ياسين ردّ على إنتقادات رئيس الجمهورية عبر الإعلام أكثر من مرة مدافعاً عن وجهة نظر الجيش وتمسكه بالخط 29 بناء للخرائط والإحداثيات، ووفقاً لما إتفق عليه الخبراء التقنيون في الوفد العسكري، من مدنيين وعسكريين.

ورغم أن «حزب الله» سبق أن غض النظر عن دخول مدنيين تقنيين إلى وفد التفاوض تحت غطاء الجيش، إلا أن معاودة تشكيله قد تتحوّل معضلة جديدة إذا أصرت رئاسة الجمهورية على إيفاد مَن يمثّلها «سياسياً» إلى الوفد.

الراي

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.