لبنان يُقتاد إلى صِدام مع دول الخليج وحكومة ميقاتي إلى «عطل دائم»
«الشرعي الأعلى» يدعم «خريطة طريق» ميقاتي: مؤذ للبنانيين استمرار المكابرة والتشبث بأي موقع وزاري لأسباب سياسية وكيدية
«حزامان ناسفان» باتا يلفّان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في ضوء خطيْن رسمهما «حزب الله» وبـ «الأحمر العريض» حول أزمتيْن تشابكتا زمنياً وتنذران بأن لبنان بات في عهدة «حكومة تصريف أعمال»، الأولى داخلية وتتصل بملف المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار الذي رفع الثنائي الشيعي («حزب الله» والرئيس نبيه بري) شعار «إقصاؤه أو لا مجلس وزراء»، والثانية متعددة البُعد وترتبط بالعاصفة التي انفجرت بين بيروت ودول الخليج العربي وشكّل «عود الثقاب» الذي أشعلها مواقف عدائية ضد المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة أطلقها وزير الإعلام جورج قرادحي «الممنوع من الإقالة أو الاستقالة» بقرار من الحزب.
وبدا واضحاً أمس أن الزلزال الديبلوماسي بين لبنان والخليج يتجه إلى المزيد من الفصول العاصفة، بعدما أُحبطت سريعاً خريطة الطريق التي سعى ميقاتي لاعتمادها بوصْفها حلاً «مثلث الرأس» يفكك أخطر أزمة مع الرياض ومجلس التعاون ويوقف مساراً تصاعُدياً من الإجراءات المتدحرجة، ويعيد مجلس الوزراء للانعقاد، ويُعْلي صوت «النأي بالنفس» من الحكومة عن خيارات «حزب الله» الإقليمية ما دام إلزام الحزب بوقف الانخراط في أزمات المنطقة غير ممكن ولا تتوافر شروطه الداخلية.
وعلى وقع تَصَلُّب «حزب الله» في رفْض إخضاع وزير الإعلام لمساءلةٍ تُفْضي لإقالته أو استقالته (كما تمنى ميقاتي مجدداً على قرداحي) وإطلاقه «معركةً» بوجه ما أعلنه «عدواناً من السعودية»، وهو ما عَكَسَ إمعاناً في اقتياد لبنان إلى فوهة الصراع الإقليمي كخطّ متقدّم في المواجهة الإيرانية مع المملكة، فإن ميقاتي صار أمام خياراتٍ «أحلاها مُرّ»، هو الذي كانت حكومته وقعت منذ 12 أكتوبر في «حفرة» انفجار مرفأ بيروت بعدما علّق الثنائي الشيعي جلساتها وفق معادلة «يطير بيطار أو الحكومة»، ليجد نفسه بعد النكسة الكبرى في علاقات لبنان مع الخليج محاصَراً بأزماتٍ تصبّ عند تحويلها بحُكْم المستقيلة ولو لم تسْتَقِل.
فبعد تَبدُّد المناخات التي أشاعت وجود منحى لمقايضة بين إقصاء بيطار و«التخلي» عن قرداحي، أولاً بفعل الوقائع القضائية التي قطعت الطريق على ملامح «إنزالٍ» شكلتها محاولة أحد القضاة القريبين من الثنائي الشيعي «انتزاع» صلاحية كف يد القاضي بيطار، وثانياً نتيجة معطيات عن عدم سير «حزب الله» أصلاً بمثل هذه المقايضة باعتبار أن وزير الإعلام «لا يُمسّ مهما كان الثمن»، ازدادت «الأقفال» بوجه مساعي ميقاتي لفكّ أسْر حكومته وتفادي المحظور بحال فشل في مخاطبة دول الخليج بأفعالٍ تتناسب مع حجم الغضبة التي انطلقت من تَمادي لبنان الرسمي في إشاحة النظر عن تحكُّم «حزب الله» وسيطرته على مفاصل القرار بما حوّل «بلاد الأرز» منطلقاً للمساس بأمن أكثر من دولة خليجية واستقرارها.
وفي رأي أوساط سياسية أن معادلة «قرداحي باقٍ والحكومة باقية»، ولو من دون أن تجتمع، مرشّحة للاستمرار أقلّه لأيام، وسط رهانٍ لبناني على منتدى باريس للسلام الأسبوع المقبل وما سيشهده من لقاءات دولية رفيعة سيحضر فيها الملف اللبناني بدفْع من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وهو الرهان الذي تعتبر الأوساط أنه استنزاف إضافي للوقت القليل المتبقي أمام بيروت قبل الانتقال إلى إجراءات سعودية جديدة، مكررة التحذير من تصوير المملكة على أنها دولة تستجيب لضغوط دولية، ومذكّرة بملفات عديدة ذات صلة بالبيت الخليجي أو العنوان اليمني أثبتت معها الرياض أن الدفاع عن مصالحها القومية وأمن مواطنيها فوق كل اعتبار.
وإذ نبّهت الأوساط في السياق نفسه إلى أن أي خطوة سعودية جديدة رداً على إصرار لبنان الرسمي على تجاهُل ضرورة اتخاذ «ما يلزم» حيال مضامين إعلان الخليج «طفح الكيل»، بدءاً من إقالة قرداحي أو دفعه للاستقالة بمعزل عن «استدراج عروض» وتحديد «أثمان» ديبلوماسية مسبقة لقاء مثل هذه الخطوة، ستعني أن حتى محاولة ميقاتي «شراء الوقت» لتمديد عمر حكومته ولو «على التنفس الاصطناعي» ستصبح أكثر صعوبة، رغم الاقتناع في بيروت بأن أي استقالة لرئيس الحكومة هذه المرة تحت وطأة مقاطعة خليجية كاملة ستنقل البلاد إلى مكاسرة مع «حزب الله» في ظل صعوبة تَوَقُّع أن تقبل أي شخصية سنية أخرى بترؤس حكومةِ تَعايُش جديد مع وضعية الحزب، وربما حتى أن يشارك النواب السنّة في أي استشارات نيابية للتكليف.
وفي حين كانت السعودية ترفع منسوب «الانسحاب الديبلوماسي» مع لبنان ليقترب من «القطيعة» مع مغادرة طواقم ديبلوماسية وإدارية من السفارة عبر مطار رفيق الحريري الدولي على وقع استمرار تفاعلات تسجيلات وزير الخارجية عبدالله بو حبيب وما تضمنّته من تصريحات مسيئة للسعودية أدار لبنان الرسمي «الأذن الطرشاء» لها، فإن مصادر مطلعة لم تعد تتوانى عن تأكيد أن الانتخابات النيابية (ربيع 2022) باتت «الضحية» شبه الأكيدة في ظل أمرين:
• ترْك «بلاد الأرز» رهينة حسابات فريقٍ واحد لا يتوانى عن الدفْع نحو الصِدام الكبير مع دول الخليج فيما الارتطام المميت يَمْضي في مساره الجهنّمي.
• استمرار ملفات ذات طابع أمني تعتمل في قلْب المسرح «المتعدد الصواعق» منذرة بتشظياتٍ في أكثر من اتجاه، وبينها أحداث خلدة بين عشائر العرب و«حزب الله» (أغسطس الماضي) وأحداث الطيونة بين الحزب ومناصرين لـ «القوات اللبنانية» عند مثلث الطيونة – الشياح – عين الرمانة في 14 أكتوبر الماضي.
وفي انتظار ما سيعلنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من مجمل هذه الملفات يوم الخميس المقبل، وبعد دعوة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف – لودريان «جميع الأطراف، وكذلك المسؤولين اللبنانيين، إلى تعزيز التهدئة والحوار لصالح الشعب اللبناني واستقرار بلده»، معتبراً «أن فصل لبنان عن الأزمات الإقليمية له أهمية أساسية ويجب أن يكون هذا البلد قادراً على الاعتماد على جميع شركائه الإقليميين لدعمه على طريق تطبيق الإصلاحات»، أكدت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في يروتب يوانا فرونتيسكا «أن الأمين العام أنطونيو غوتيريش مهتم بلبنان كثيراً ويتابع التطورات لأنه يعتبره دولة مهمّة في المنطقة»، كاشفة أن ميقاتي وجّه له دعوة لزيارة بيروت سيجري البحث في تفاصيلها.
وأملت في «أن يتم حل الأزمة الديبلوماسية مع دول الخليج»، مشيرة الى «الحاجة لتطبيق الديبلوماسية الناعمة التي تضمن استقرار المنطقة». وقالت «إن الأمم المتحدة مستعدة لتقديم المساعدة إذا طُلب منها».
وشددت على «ان استراتيجية الدفاع الوطني هي الأولوية بالنسبة للأمم المتحدة التي تعتبر أن الأسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة تشكل انتهاكاً لقرار 1701»، وقالت: «المجتمع الدولي يسعى الى ضمان ثبات استقرار لبنان».
«الشرعي الأعلى»… أوّل الكلام
وفي أول موقف له بعد انفجار الأزمة مع دول الخليج العربي، اعتبر المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى بعد جلسة برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان «أن الإمعان في ارتكاب المحرمات الوطنية المتمثلة في انتهاك الدستور وضرب وثيقة الوفاق الوطني عرض الحائط، وإخضاع المصالح العليا للدولة لخدمة منافع شخصية وخاصة وأخرى خارجية، هو إمعان في الإساءة الى لبنان الوطن وإلى علاقاته الأخوية مع الدول العربية، وهو كذلك إمعان في نسف جسور الاحترام والتعاون مع المجتمع الدولي».
واستهجن المجلس «بشدة هذا التمادي في الإساءة الى لبنان، دولة وشعباً ودوراً، الى حد محاولة تجريده من هويته العربية، وتشويه هذه الهوية والعبث بها، وذلك من خلال الإساءات المتعمدة والمتكررة الى إخوانه في الأسرة العربية الواحدة الذين وقفوا معه قديماً وحديثاً في السراء والضراء، ولم يترددوا في دعمه ومساعدته معنوياً ومادياً، من أجل المحافظة على استقلاله وسيادته وعمرانه وحرياته ووحدته الوطنية وأمنه المجتمعي».
وإذ اعتبر «أن أخطر وأسوأ ما يواجهه لبنان اليوم، هو أن يتولى ملف العلاقات الأخوية مع الدول العربية من لا يؤمن بهذه الإخوة»، أكد «دعمه ووقوفه يجانب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي أطلق موقفاً حازماً بوضع خريطة طريق يبنى عليها للخروج من المأزق الذي يعيشه لبنان في علاقاته مع أشقائه العرب وبخاصة المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي»، مطالباً «الفرقاء كافة على الساحة اللبنانية بالتعاون مع رئيس الحكومة لاحتواء تداعيات هذه العاصفة للخروج من الأزمة التي ينبغي أن تحل لبنانياً أولاً بعدم إطلاق المواقف غير المسؤولة تجاه السعودية وسائر دول الخليج العربي».
ولفت في دعوة ضمنية لقرداحي للاستقالة إلى «أن التعنت والاستمرار بالمكابرة والتشبث بأي موقع وزاري لأسباب سياسية وكيدية، يتناقض مع المصلحة اللبنانية ومؤذ للبنانيين داخلياً وخارجياً»، وأضاف: «فلتتقدم المصلحة الوطنية على أي اعتبار آخر تجاه المملكة العربية السعودية والخليج العربي، ولا يمكن لأي فريق لبناني أن يبني لبنان على مقاس مصالحه الخاصة».
وشدد المجلس الشرعي على «أن مجلس الوزراء هو المكان الطبيعي لمعالجة أي قضية، وتعطيل عقد جلساته من البعض، يتعارض مع مصلحة بناء الدولة القوية العادلة وبناء مؤسساتها».
الانباء – من وسام أبو حرفوش وليندا عازار
Comments are closed.