ارتفاع معدّلات الفقر في لبنان يدفع العائلات إلى الهجرة غير النظامية

ضيق الحال يدفع ببعض الأسر إلى مغاردة البلاد عبر قوارب الموت

دفعت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية باللبنانيين إلى التفكير في الهجرة غير النظامية، ما جعلهم يعمدون إلى بيع ممتلكاتهم لتوفير المال للمهربين. وغالبا ما يكون مصير هذه المحاولات الفشل لأنه يتم القبض على الهاربين والمهربين فيزداد الوضع سوءا.

بيروت – تتزايد محاولات الهجرة غير النظاميّة من لبنان باتجاه دول أوروبيّة، في ظلّ تدهور غير مسبوق للأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة وارتفاع معدّلات الفقر، في بلد يمر بأزمة صنفها البنك الدولي كواحدة من أسوأ ثلاث أزمات في العالم منذ أواسط القرن التاسع عشر.

والهجرة غير النظاميّة تتمثّل بمغادرة الأراضي اللبنانيّة عبر قوارب أو مراكب صغيرة، تنطلق من شواطئ لبنان، أُطلق عليها “قوارب الموت”.

وقال اللبناني سامر عوض من طرابلس (شمال) لـلأناضول، إن “الثورة الشعبية في العام 2019، شكلت لنا أملاً بحدوث إصلاحات في لبنان، إلا أن الأوضاع لم تتحسن”، ما جعله يعيش خيبة أمل كبيرة، فقرر اللجوء إلى الهجرة غير الشرعية.

وأضاف “السفر الشرعي يتطلب شروطاً لا تتوفر معي، مثل المال والشهادات الجامعية”.

ويروي رحلته الأولى مع الهجرة غير الشرعية، قائلاً “بعت كلّ ما أملك من سيارة وهاتف خليوي، لكي أسدد المبلغ المالي الذي طلبه المهرب مني، وبعد اكتشاف أمرنا في قبرص، تمت إعادتنا إلى لبنان والتحقيق معنا”.

وقال “منذ عودتي إلى لبنان عقب محاولتي الأولى للهجرة، لا أزال من دون عمل، ووضعي المادي يزداد سوءا”.

ولا يخفي سامر إصراره على تكرار المحاولة، لكن ما يمنعه حاليا أن “وضعي المادي لم يعد يسمح لي بذلك”.

وعن المهربين، يشير إلى أنهم “من الجنسية اللبنانية ومعروفون، غير أنهم يختبئون من الدولة”.

ويستبعد موفق سيداوي، صاحب شركة نقل بحرية سياحية في شمال البلاد، ومطّلع على شأن التهريب غير الشرعي بفعل عمله على ميناء طرابلس، وجود شبكات تهريب منظمة.

وقال سيداوي إن “عائلات المنطقة تلجأ إلى بيع ما تملك من ذهب ومقتنيات، وتقوم بشراء قارب صغير لمغادرة الأراضي اللبنانية بشكل فردي”.

وأوضح أن “‘الفلوكا’ (القارب) يكون مجهزًا بوسائل الإنقاذ كافة، بالإضافة إلى نظام تحديد المواقع العالمي ‘جي.بي.أس’، لمعرفة المسار الذي يجب سلوكه”.

وقال “خلال وجودي في الميناء، أسمع قصصا كثيرة لأشخاص يرغبون بمغادرة لبنان، لأن لا مستقبل لهم فيه، وكلّ دول العالم تعلم أن بلدنا منهار ماليًّا واقتصاديّا وسياسيًّا”.

ووصف سيداوي رحلات الهجرة غير الشرعية بأنها “رحلات موت”، لكن بالمقابل، قال إن “لحظة وصول المهاجر إلى أوروبا، تفتح أمامه صفحة جديدة وحياة مليئة بالأمل”. وزاد “هذه الهجرة محاولة للهروب من الموت”.

وقال محافظ طرابلس والشمال القاضي رمزي نهرا، إن “غالبية محاولات الهجرة غير الشرعية من لبنان، يكون مصيرها الفشل، لأنه يتم القبض على الهاربين والمهربين”.

وأضاف نهرا في تصريح أن “الجيش اللبناني يتشدد في مراقبة الشواطئ البحرية، خاصة المناطق التي شهدت سابقًا عمليات تهريب”.

ورغم أنه لا توجد إحصاءات رسميّة شاملة لعدد الأشخاص الّذين غادروا لبنان عن طريق الهجرة غير الشرعيّة، خلال الأشهر الـ5 الماضية، تكشف البيانات الّتي نشرتها قيادة الجيش اللبناني عبر موقعها الإلكتروني منذ شهر يونيو 2021 حتّى سبتمبر الماضي، أنّ كلّ شهر يُسجّل فيه توقيف مركب أو اثنين لأشخاص حاولوا الهرب من خلال “قوارب الموت”.

وبجمع هذه الأرقام، يتبيّن أنّه خلال 5 أشهر، تمّ توقيف 6 قوارب تحمل على متنها 310 أشخاص، بينهم نحو 47 لبنانيًّا فقط، فيما أغلبيّتهم من الجنسيّة السوريّة.

في سياق متّصل، ذكر تقرير للدوليّة للمعلومات (شركة إحصاءات غير حكوميّة)، أنّ السنوات الماضية شهدت خمسة حوادث أدّت إلى وفاة وغرق 51 شخصًا، معظمهم من عكار وطرابلس.

وبوتيرة سريعة تزداد قوارب الهجرة غير الشرعية في لبنان، بالتزامن مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي بلغت ذروتها بانفجار مرفأ بيروت.

وفي سبتمبر من العام الماضي أعادت السلطات القبرصية، 115 مهاجرا غير نظامي على متن 6 قوارب وصلوا إليها من لبنان، وفق وسائل إعلام محلية.

وأعلنت قبرص أنها سترسل إلى بيروت وفدا لبحث سبل منع قوارب محمّلة بطالبي لجوء من الإبحار نحو شواطئها من السواحل اللبنانية.

عائلات المنطقة تلجأ إلى بيع ما تملك من ذهب ومقتنيات، وتقوم بشراء قارب صغير لمغادرة الأراضي اللبنانية بشكل فردي

غداة ذلك، أعلن الجيش اللبناني إحباط عملية تهريب أشخاص إلى قبرص ، وقال بيان “تمكنت القوات البحرية من إحباط عملية تهريب أشخاص عبر البحر إلى قبرص بطريقة غير شرعية”.

ومنذ الرابع من أغسطس من العام الماضي، زاد انفجار مرفأ بيروت الوضع سوءا في بلد يعاني، أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، واستقطابا سياسيا حادا، في مشهد تتصارع فيه مصالح دول إقليمية وغربية.

ورفع انفجار المرفأ من إحباط وغضب الشباب في لبنان، الذي يشهد منذ 17 أكتوبر 2019 احتجاجات شعبية ترفع مطالب اقتصادية وسياسية.

وقال أحد الشباب “الفقر هو السبب الرئيسي للتفكير في الهجرة غير النظامية. أعمل 14 ساعة يوميا مقابل 20 ألف ليرة (نحو 13 دولارا) وهي غير كافية”.

ويضيف “أنا وأقراني لا نريد سوى الخروج من هذا البلد، وسنعاود محاولات الخروج مجددا على الفلوكة (قارب صغير) هذا البلد ليس لنا وإنما للسياسيين وحدهم”.

فيما يقول مهاجر آخر “أستطيع توفير المأكل والمشرب، ولكني قررت الهجرة لتوفير مستقبل أفضل لأبنائي، فلا مستقبل لهم هنا في لبنان”.

ويوضح لبناني آخر “دفعت 5 ملايين ليرة (نحو 3400 دولار) لأحد المهربين نظير الوصول إلى قبرص لكني فشلت في ذلك وفي استرداد المبلغ أيضا”.

فيما يؤكد شاب سوري، أنه دفع 13 مليون ليرة (حوالي 8 آلاف دولار) نظير الهروب بحرا إلى شواطئ قبرص الرومية.

ويضيف، مفضلا عدم ذكر اسمه “أنا وحيد في لبنان، أهلي جميعهم في سوريا ولا أستطيع الذهاب إليهم”.

ويقول حسين مصطفى (صياد من طرابلس/شمال) “أوافق على الهجرة غير النظامية تماما.. لو أملك المال الكافي هل أهاجر بهذه الطريقة وأخاطر بعائلتي وبنفسي لكي أعيش حياة كريمة”؟

وإثر اندلاع الحرب السوريّة في 2011، كانت الهجرة غير الشرعية تكاد تنحصر في النازحين السوريّين، إلّا أنّ دخول لبنان في أزمة اقتصاديّة صعبة، أدى إلى ارتفاع عدد اللبنانيّين الّذين يلجأون إلى هذا النوع من الهجرة، رغم مخاطرها الكبيرة.

وحدد زياد الصائغ، المدير التنفيذي لملتقى التأثير المدني والخبير في السياسات العامّة، 4 أسباب لارتفاع حالات الهجرة غير الشرعيّة، وهي “الأسباب النفسية نتيجة اليأس، والاقتصادية والاجتماعية جراء الأزمة في البلاد، وأخيرا توفر مافيات التهريب عبر البحر، الّتي تتقاضى أموالا مقابل كلّ شخص يلجأ إليها، حيث باتت العمليّة منظّمة”.

ورجح الصائغ اتساع ظاهرة الهجرة غير الشرعية من لبنان خلال الأشهر القادمة، مع استمرار مسبباتها.

وتابع قائلا إنّ “المهاجرين يقصدون قبرص واليونان ثمّ ألمانيا أو فرنسا، وهما من البلدان التي اتخذت موقفًا إيجابيًا تجاه اللاجئين، حيث يتمّ استقبالهم في مراكز معيّنة لتسوية أوضاعهم والبعض تتمّ إعادتهم”.

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.